محاكمة المهداوي تحرج مغرب العز بين الأمم


إدانة الصحفي حميد المهداوي ابتدائيا بعقوبة سجنية و تغريمه على خلفية تهمة “نشر وقائع كاذبة للتشهير و القذف”، تعيد جدول أعمال النقاش الحقوقي بالمغرب إلى أسئلة تطويق المجال العام بفزاعة المقصلة القضائية.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    وإذا كان مسلسل التقاضي في نازلة المهداوي و غريمه وزير العدل وهبي لم يستوف نهايته بعد في انتظار تحريك قضاء الدرجة الثانية، فإن الصوت الحقوقي بدأ يتعالى في الأرجاء، لإماطة النقاب عن الأساليب المضمرة التي يلجأ إليها تيار مهووس بكبح نسائم الحقوق و الحريات داخل بنية صناعة القرار بالمغرب.

    لنقف عند قضية المهداوي التي باتت محط تداول واسع داخل و خارج حدود المملكة، و نتساءل عن خلفيات تكييفها مع مقتضيات التشربع الجنائي بدل تأطيرها ضمن احكام قانون الصحافة و النشر.

    لقد ظل الصراع على مستوى تحديد سقف حرية التعبير بالمغرب مستحكما، على مدى عقود، بين قوى التغيير ممثلة داخل المعترك السياسي و المدني و أخرى محافظة تحذر دوما من “مخاطر” انفتاح غير مراقب من شأنه تقويض مصالح أوليغارشيا السياسة و الاقتصاد..

    ففي غمرة تدافع أقطاب هذه المعركة الممتدة منذ ما يسمى بسنوات الجمر و الرصاص، كانت دوما دوائر السلطة بالمملكة تركز على المقاربة الأمنية و الزجر القضائي في تكميم الأفواه و مصادرة الحق في مناخ ديمقراطي آمن، قبل أن تعرج على قاموس الذكاء الاستراتيجي في إدارة الصراع عبر إطلاق قوة ناعمة بين ثنايا النصوص القانونية و المساطر القضائية، لكبح الأصوات الحرة عبر منصات الإعلام الوطني.

    جاءت تعديلات 2017 و حملت معها تباشير إلغاء العقوبات السالبة للحرية في حق الصحفيين، دون ان تكف آلة القضاء عن ابتلاع حاملي الرسالة الإعلامية بالإحتكام إلى تنصيص جنائي مجحف..

    عدنا إذن إلى نقطة الصفر، و انطلقت أدوات التشريح القانوني و الحقوقي في تحديد موطن المكر التشريعي، ليكون بذلك مفهوم المجاز القانوني هو الحلقة المستترة في جدل سجن الصحفيين.

    - إشهار -

    لم يكن المشرع المغربي في اعتقادنا، بارعا كما يزعم البعض، في الالتفاف على مكسب حماية رجال الإعلام من زنازن الاقتصاص، إذ أوردت تقارير حقوقية بأن توطين العقوبة الحبسية بين تجاويف المادة 71 من قانون 88.13 من طرف مهندسي الخارطة القانونية للنشر الصحفي ببلادنا لم يتطلب مجهر الرصد الفيزيائي لاقتناصها ثم وضعها في مختبر السؤال الحقوقي..

    كيف يستقيم إخضاع نوازل النشر عبر دعامات صحفية لمقاربة جنائية استمدت مشروعيتها من مجاز الفقرة الثالثة من المادة المذكورة التي تنص على أنه “لا تسري أحكام القوانين الأخرى على كل ما ورد فيه نص صريح في مدونة الصحافة والنشر”.

    اجتازت إذن محاكمة حميد المهداوي قضاء الدرجة الأولى و انطلقت معها تقارير الإعلام الدولي، موازاة مع “صافرات” استهجان حقوقي، ليعود المغرب مجددا إلى رقعة الأضواء الكاشفة، المسلطة من طرف دول متربصة ثم هيئات دولية مترصدة لمثل هذا الصخب الحقوقي حتى تكتمل دورة تصفية الحسابات.

    أما نحن المغاربة، فستظل بالنسبة لنا محاكمة الأصوات المغايرة بمثابة تقليد سلطوي يظهر و يختفي، كما لو كنا إزاء زمن سياسي و حقوقي لولبي يعيد إنتاج الاستبداد من صلب نصوص الانتقال الديموقراطي..

    لن نحيد عن مطلب الإنصاف في محاكمة حميد المهداوي، أما سؤال الحرية فمتروك لهيئة قضائية تقدر جيدا فاتورة المحاكمة الجنائية لصحفي لا يملك سوى صوتا و حبرا.

    المصدر: المساء 24.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد