هل أعفى الملك محمد السادس عامل مقاطعات أنفا السابق رشيد اعفيرات من مهامه بناءً على تقرير “مُفبرك”؟


مراد بورجى

انتهت، يوم الاثنين 31 يناير 2022، المهلة التي حددتها وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، في الدورية التي أصدرتها يوم سادس دجنبر الماضي، والتي وجّهتها إلى مدراء الوكالات الحضرية، لتصفية ملفات التعمير العالقة، ووضع حد للشطط في استعمال السلطة، الذي أخرج العشرات من المنعشين العقاريين، المتضررين من عرقلة مشاريعهم الاستثمارية، للاحتجاج على هذه الأوضاع، بشكاوى، بعضها لوزير الداخلية، وبعضها وصل إلى ردهات القضاء، فيما بدأ يُهدد البعض الآخر برفع شكواه إلى ملك البلاد.

إلاّ أنه لم يتفاعل حتى اليوم وبشكل جِدّي، لا السيد توفيق بنعلي مدير الوكالة الحضرية للدارالبيضاء، ولا السيد سعيد احميدوش والي جهة الدارالبيضاء سطات، مع هذه الدورية التي تسعى من خلالها وزيرة التعمير لتحريك عجلة الاقتصاد الوطنى.

لعل الوزيرة المنصوري تعي أن مثل هذا الوضع هو ما سبق أن أغضب الملك محمد السادس واضطره لإلقاء خطاب بنبرة غاضبة وجّهه إلى كبار المسؤولين، تحدّث فيه الجالس على العرش عن انعدام المسؤولية عند بعضهم، إلى الحد الذي قال إنه “عندما يقوم مسؤول بتوقيف أو تعطيل مشروع تنموي أو اجتماعي (…)، فهذا ليس فقط إخلالا بالواجب، وإنما هو خيانة”… وهو الأمر الذي حرّك الوزيرة المنصوري لصياغة دوريتها، التي وجّهت فيها أوامر واضحة إلى مدراء الوكالات الحضرية بالعمل على تيسير معالجة ملفات المشاريع المتعثّرة، سواء منها العالقة أو المتوقفة أو التي لم تحظَ بالموافقة، وذلك بسرعة واستعجال، على أساس تصفية هذه الملفات قبل متم شهر يناير 2022، وشدّدت الدورية على ضرورة أن تكون إعادة دراسة تلك الملفات بحضور المعنيين، وفي إطار من التنسيق والتعاون المحكم بين كل الأطراف المتدخلة في هذا الميدان…

اليوم، يكون شهر يناير انتهى دون أن تنتهي معاناة أصحاب المشاريع المتعثّرة، ودون أن يحرّك المسؤولون المعنيون ساكنا، بيد أن الوزيرة المنصوري تعرف جيدا أن الملك لن يسرّه حال إذا حلّ في الأيام القادمة بالدارالبيضاء، التي تعوّد أن يطوف بمختلف أحيائها، وبالخصوص عندما يعاين تلك الصور البشعة لعشرات المشاريع المتوقفة، والتي كان من شأنها أن تدر مداخيل مهمة على مجلس الجماعة، وتعود بالنفع العميم على البيضاويات البيضاويين من خلال خلق مناصب شغل مهمة مباشرة وغير مباشرة…، خصوصا في ظل الركود الاقتصادي الذي يعرفه المغرب بسبب جائحة كورونا.

لكن المسؤولين المعنيين في العاصمة الاقتصادية، وعلى رأسهم المسؤول الأول، والي جهة الدارالبيضاء سطات سعيد احميروش، ومعه مدير الوكالة الحضرية توفيق بنعلي، غير مبالين بدورية الوزيرة، مثلما لم يُبالوا من قبل بالأوامر الملكية التي وردت في عدة خطابات، ولا حتى بعشرات الأحكام القضائية التي صدرت مؤخرا لفائدة المنعشين العقاريين، بإلغاء قرارات توقيف الأشغال، أو بالأحرى “الاستثمار”، الصادرة عن الوالي احميدوش، مما يعني أن هذا الأخير “يتمرد” على هذه القرارات. ويستهدف المستثمرين على حد سواء، رغم علمه بالحجم المهول للخسارات المادية الكبرى التي تكبدها ومازال يتكبّدها أولئك المنعشون العقاريون، منذ أزيد من سنة ونصف… ليس هذا فحسب، بل إن الوالي، ومعه مدير الوكالة الحضرية، يتسبّبان أيضًا في ضياع ملايير الدراهم من المداخيل على خزينة الدولة!!

ركّزنا، هنا، على مدينة الدارالبيضاء، باعتبارها “قاطرة للتنمية الاقتصادية”، كما قال ملك البلاد، الذي أعرب عن وجود “إرادة قوية لجعلها قطبا ماليا دوليا”، إلاّ أنها اليوم أصبحت تُجسّد أبلغ نموذج على الاستهتار بأوراش الاستثمار، إذ إن مسؤوليها المعنيين بهذا المخطط الملكي، وكذا بدورية الوزيرة المنصوري، نجدهم ذهبوا بعيدًا وأصبحوا بعد أن تمردون، عن سابق إصرار وترصد، على أوامر الملك محمد السادس، يُحقّرون الأحكام القضائية الصادرة باسمه، وأحرى أن يُعيروا أدنى عناية للدورية الوزارية لفاطمة الزهراء المنصوري…

وفي هذا الصدد، فإن السؤال، الذي يطرح نفسه بحدّة، هو: كيف بات كل من الوالي احميدوش والعامل بنعلي متحّكميْن في القطاع ويتصرّفان فيه بكل هذا التعنت؟.

العالمون بخبايا أمور وشؤون العاصمة الاقتصادية يتداولون رواية تحتاج إلى أن يَخرج علينا الوالي ومدير الوكالة الحضرية بتوضيح صحتها من عدمها، تقول إن تسلُّط الوالي ومعه مدير الوكالة على المنعشين العقاريين يستمدان قوته من وراء “كذبة” كبرى اخترعاها بعدما تم تضليل وزير الداخلية، وإبلاغ ملك البلاد بتقرير تضليلي يُزعم فيه أن عامل مقاطعات الدارالبيضاء-أنفا السابق رشيد اعفيرات رخّص لهدم بنايات ذات صبغة أثرية، وكان هذا التضليل وراء إعلان وزارة الداخلية، بتاريخ 13 يوليوز 2020، عن إعفاء العامل من مهامه، وذلك بسبب “سوء تدبيره لملف المحافظة على التراث التاريخي والمعماري بمدينة الدارالبيضاء”، حسب ما جاء في بلاغ الداخلية.

- إشهار -

إذا كان قرار إعفاء العامل اعفيرات هذا قد اتُخذ بناءً على المباني التي تم هدمها وقتها وقيل عنها إنها أثرية، فإن الوثيقة “الداخلية”، التي ننشرها مع هذا المقال، والتي سبف أن كشف عنها موقع الزميلة Le Desk (لوديسك) لصاحبها علي عمار، في تحقيق نشره قبل أسابيع، حول عرقلة الوالي احميدوش ومدير الوكالة الحضرية بنعلي لعدة مشاريع بالدارالبيضاء، تتحدث عن اجتماع طارئ انعقد يوم 10 يوليوز 2020، أي ثلاثة أيام فقط قبل إعفاء عامل مقاطعات الدارالبيضاء-أنفا رشيد اعفيرات.

هذا الاجتماع شاركت فيه كل المصالح المعنية بالدارالبيضاء، وجميعها أكدت أن كل البنايات، التي حصلت على رُخص الاستثناء من العامل اعفيرات، وأشّر عليها الوالي احميدوش ووقّع رُخصها، والتي تم هدمها وقتها بتراخيص رؤساء الجماعات، لم تكن مصنّفة، وليست أثرية، وغير مدرجة بلوائح وزارة الثقافة، التي تعتبر الوزارة الوصية على المباني الأثرية.

فهل أخفى مسؤولو الدارالبيضاء هذه الوثيقة، التي تُبرئ العامل السابق اعفيرات، عن وزير الداخلية، ثم بعده عن الملك؟

وحتى لا تُكتشف “الكذبة” وينفضح التضليل، عمد العامل توفيق بنعلي، بمباركة من الوالي احميدوش، إلى اقحام وزير الثقافة السابق عثمان الفردوس ودفعه إلى اتخاذ القرار عدد 145.21 بتاريخ 21 يناير 2021، والذي يُقيّد فيه مجالا حضريا بكامله بمدينة الدارالبيضاء في عداد الآثار التاريخية، بناءً على طلب العامل بنعلي، الذي حدد مساحةً شاسعةً تضم جماعة حضرية بالدارالبيضاء بكاملها، بيّن حدودها في تصميم أرفقه بهذا الطلب المؤرخ في 01 شتنبر 2020.

هذا القرار، الذي اتخذه وزير الثقافة السابق يُعد سابقة من نوعها، انصاع له الوزير الفردوس بسبب الضجّة التي خلقها إعفاء الملك محمد السادس للعامل اعفيرات، فكان من السهل أن يُقنعه العامل بنعلي بأن ذلك “جاي من الفوق”، وأن القرار سيكون مؤقتًا وسيخلق له الوالي ومدير وكالته لجنة مشتركة لترتيب مباني ومناظر تقع داخل هذه الجماعة قد ترقى إلى مستوى الآثار التاريخية.

إلاّ أنه، وبعد مرور أكثر من سنة ونصف من إصدار وزير الثقافة لهذا القرار، الذي يصفه المنعشون العقاريون بـ”المجحف”، لم يَخلُق لا مدير الوكالة الحضرية بنعلي ولا الوالي احميدوش أية لجنة مختصة لتسوية موضوع البنايات الأثرية المزعومة لحد الآن.

وكانت نتيجة هذا القرار العشوائي هو خسارة مالية باهظة تكبّدها وما زال يتكبّدها المستثمرون كل يوم تأخير بسبب تعطيل العامل بنعلي والوالي احميدوش لعشرات المشاريع كل هذه المدة الزمنية الطويلة! إن مثل هذه القرارات العشوائية، التي أدّت بأصحاب المشاريع المُعرقَلة إلى الإفلاس، هي التي قال الملك محمد السادس، في أحد خُطبه، إن من شأنها أن تُؤدي إلى “حرمان الوطن من فرص الاستثمار والتنمية، وحرمان المواطنين من فرص الشغل”… إنه حرمان مزدوج، للوطن وللمواطنين، وقع وما زال يقع في الدارالبيضاء، أمام مرأى ومسمع المسؤولين…

يُتبع…

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد