قطاع السجون بالمغرب وسؤال الاصلاح
حسن اليوسفي
عرف قطاع السجون بالمغرب منذ بزوغ فجر الاستقلال حراكا ومخاضا عكس عبر عدة محطات أهم متطلبات المجال الذي ظل لسنوات محط انتقادات يومية من قبل مختلف الفاعلين على الصعيدين الوطني والدولي ، إذ غالبا ما كانت الدولة تعجز عن تبرير ما ينشر من حقائق ومعطيات صادمة تسيء لا محالة لصورة العدالة الاجتماعية بالبلاد على جل المستويات و الأصعدة.
فقد كان قطاع السجون لسنوات طويلة أرضية خصبة للتقارير السنوية التي تصدر باسم المنظمات الدولية لحقوق الإنسان بل و حتى الوطنية ، إذ غالبا ما يتم نشر معطيات دقيقة لحالات تجسد بوضوح جسامة انتهاكات تطرح على مستوى المرافق السجنية عموما، واستمر الوضع على ما هو عليه أمام عجز واضح لمسؤولي المندوبية العامة لإدارة السجون في اقتراح آليات ووسائل عملية من شأنها الحد من انتقادات متكررة وشبه يومية ، وتقديم إجابات حقيقية عن أهم الاختلالات والتجاوزات التي شكلت على مر التاريخ عبئا حقيقيا و تحديا للدولة.
وشكلت أزمة القطاع على امتداد عقود من الزمن سببا رئيسيا أدى لتحولات إستراتيجية كبرى تمثلت إجرائيا في تعاقب عدد كبير من المسؤولين على تدبير واقع السجون بالبلاد ، غير أن ما طبع جل السياسات العمومية المقترحة خلال عدة مراحل في السياق ذاته ، هو عدم احترام مبدأ استمرارية المرفق العمومي ، إذ تبين لسنوات أن البرامج الإصلاحية المعتمدة لا تعكس توجها فاعلا للدولة يرمي إلى الحد من الخروقات التي كانت المؤسسات السجنية عموما مرتعا لها ، هذا بالإضافة إلى كون جل المهتمين سجلوا عبر التاريخ غياب برنامج قار يجسد أهم الإختلالات المطروحة و التي تقتضي حلولا عملية.
وشهدت البلاد في هذا الصدد إقدام الحكومات المتعاقبة على اقتراح عدة إجراءات استعجالية خلال محطات تاريخية ، و ذلك بفعل الإشارات القوية التي كانت تطلقها الدوائر العليا بالبلاد إبان الحراكات الاجتماعية التي تكتسي طابعا احتجاجيا ضد الدولة المغربية ، وعلى الرغم من ذلك فقد اعتبرت المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية أن جل القرارات الإجرائية المتخذة في هذا الشأن لا تعبر عن مطالب و نداءات المجتمع المغربي ، بل أكثر من ذلك أن وسائل الإعلام الدولية كانت غالبا ما تحمل الدولة مسؤولية الانتهاكات التي ترتكب من طرف جهات تشغل مراكز السلطة وتتصرف باسم المؤسسات الحكومية مما يجعل المبادرات المذكورة لا تتسم بالمصداقية والفاعلية المطلوبة.
وترتب عن الانتقاد الدولي المتواصل لسياسة المغرب في مجال إصلاح السجون فشل كل البرامج التي تم اعتمادها منذ عقود ، مما فرض على الدولة ضرورة الالتزام باحترام مبادئ و قيم حقوق الإنسان من خلال الدخول في تحول استراتيجي عميق يعتبر في الأصل خيار لمرحلة يعكس إرادة البلاد في التفاعل الإيجابي مع محيطها الجهوي و القاري.
ومنذ عقود تميزت صورة المغرب إقليميا ، جهويا وقاريا بالفشل في خلق السياسات العمومية التي تستجيب لتطلعات المجتمع فيما يخص إصلاح قطاع السجون في انسجام مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، الشيء الذي جعل المعتقلات عموما فضاءات توثق لانتهاكات مجرمة قانونا، وهاته الممارسات كانت تعرض سنويا أمام المؤسسات الأممية في محاكمات للديمقراطية المعتمدة بالبلاد والتي تملأ غالبا صفحات وسائل الإعلام وتقارير المنظمات غير الحكومية الدولية.
واعتبرت المشاكل التي كان و لازال قطاع السجون يعرفها من أوجه الاختلال الرئيسية لفشل السياسات العمومية في فتح ورش إصلاحي حقيقي يدفع المؤسسات السجنية نحو خيار الإصلاح وفقا لمقومات الدمقرطة و التحديث التي تراعي معايير الأنسنة ، مما أبرز عدة مؤشرات حول الأوضاع الخاصة بالمعتقلين بشكل موسع جعل الدولة تساءل بشكل مستمر حول ضرورة التفاعل مع التحولات الكبرى التي يشهدها العالم في احترام للحريات والكرامة والعدالة الاجتماعية.
و في هذا السياق لابد من الإشارة أنه و بالرغم من جهود الإصلاح التي تبنتها المندوبية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج منذ تولي السيد محمد صالح التامك مسؤولية تدبير هذه المؤسسة الحكومية ، حيث كانت جل المبادرات تهدف لأنسنة مراكز الاعتقال بالمغرب غير أن هذه الدينامية لازالت تشكو من معيقات كبيرة ، وذلك بالنظر لحجم الممارسات التي تصدر بين الفينة والأخرى من بعض المكلفين بإنفاذ القوانين في العديد من المؤسسات السجنية.
التحولات الإصلاحية المذكورة أفرزت لنا جيلا جديدا من المسؤولين على رأس إدارة المؤسسات السجنية بالمغرب متشبعين باحترام قيم و مبادئ حقوق الإنسان ، غير أن هاته الأطر وجدت نفسها في صراع مرير و شبه يومي مع لوبيات متجدرة ظلت على امتداد سنوات تتاجر في مأساة المعتقلين ، وهي ذات الأطراف التي أسست لمظاهر التحكم و الفساد الإداري والمالي داخل مراكز الاعتقال، كما أدت ذات الممارسات إلى ظهور سلوكيات جديدة تنطوي على الحكرة و الإقصاء و التهميش ، هذا دون إغفال المعاملات المهينة والحاطة من الكرامة الإنسانية التي تطال النزلاء بمختلف مراكز الاعتقال .
وبدت مظاهر التقدم و الإصلاح جلية و واضحة بالقطاع السجني ، إذ أصبح حق التشكي مكفولا للمعتقلين عبر صناديق خاصة أنشئت لهذا الغرض ، كما تم تفعيل آلية مواكبة التظلمات عبر مكتب مركزي تم إحداثه لهذه الغاية بالمندوبية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج ضمانا لحقوق النزلاء في هذا الصدد ، إلا أن تفعيل هذه الإجراءات يبقى متباينا من فضاء سجني لأخر حسب درجة تفاعل المسؤولين المكلفين بهذه المساطر ، بينما عكست مؤسسات محددة بعينها أوجه الإصلاح المذكور على جل المستويات و الأصعدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مؤسستا السجنين المحليين تولال 2 و تيفلت 1 اللتان سخرتا مواردهما البشرية لإحقاق الأهداف المرجوة من برامج تأهيل السجناء و تطوير مداركهم و تحسين سلوكهم في هذا الإطار بما يجعلهم فاعلين حقيقيين في هذه التحولات الإستراتيجية الكبرى ، إذ عمد مديرا المؤسستين المذكورتين على إرساء دعائم ورش إصلاحي متجدد يتيح الفرصة لمختلف المتدخلين والمهتمين للانخراط في إنجاح كافة المبادرات الرامية إلى تطوير مراكز الاعتقال بما يعود بالنفع على منظومة العدالة بشكل عام، وهو ما عبرت عنه العديد من أسر المعتقلين والتي استحسنت تطور الفعل التواصلي بين المكلفين بإنفاذ القوانين وعائلات الموقوفين بذات السجنين. .