حقوقيون يرسمون “صورة سوداء” عن واقع حرية التعبير في المغرب
رسم فاعلون من عالم حقوق الإنسان والاعلام والجامعة، مساء الجمعة 30 أكتوبر الجاري، خلال مشاركتهم في ندوة رقمية، صورة سوداء عن واقع حرية التعبير في المغرب.
واعتبر خالد البكاري، الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي، أن حرية التعبير حق طبيعي للإنسان، وأنها شبه مطلقة، ولا يجب أن تقف إلا عندما تُستغل للتّحريض على العنف والإرهاب أو على العنصرية أو على الكراهية، مبرزاً أن هناك فرق بين حرية التعبير في المجال الحقوقي والمجال القانوني.
وقال البكاري، خلال مشاركة في الندوة المذكورة، والتي نظمها فرع AMDH لوجدة، إنه يُمكن أن يكون هناك تطابقاً بين حرية التعبير في المجالين (الحقوقي والقانوني)، بالنسبة للدّول الديمقراطية التي تجعل التشريعات الدولية تسمو على تشريعاتها المحلية، نظراً لما يُتيحه ذلك من اللجوء للمحاكم المختصة والانتصار للتعريف الحقوقي المتعارف عليه دولياً.
وأكد البكاري على ضرورة الانتباه لهذه المسألة، لأن، وبحسبه، تتعرّض حقوق الإنسان في بعض الأحيان للهجوم باسم القانون. فمثلاً حينما يُرافع الحقوقي على حق مُعين يدخل في إطار حرية التعبير، يُواجه بفكرة أن القانون يُجرمه.. في حين أن الحقوقي مرجعيته كونية وليست محلية، خصوصاً في البلدان المعروفة بأن قوانيها تحمي السلطة أكثر مما تحمي المجتمع.
ومن جانبها، قالت خديجة الرياضي، عضوة المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ورئيستها سابقاً، إن حرية التعبير واضحة في إطار المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، مذكرةً بالنصوص البارزة في هذا السّياق كالمادة الـ19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك المادتين 19 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وأوضحت أن حرية التعبير مكفولة للجميع بمقتضى هذه النصوص، ولا يمكن الحد منها إلا بنصوص محلية ضرورية لحماية حقوق الآخرين وسمعتهم وحماية الأمن القومي والنظام العام والصحة العامة، ولمنع الدعاية للحروب أو العنف أو الكراهية أو العنصرية..
وبخصوص الصحفي أبوبكر الجامعي، فقد أبرز أن مسألة حرية التعبير تختلف من بلد إلى آخر، ومن ثقافة لأخرى، نظراً لصعوبة تحديد بعض المفاهيم التي لها علاقة بها، كـ”الكراهية”؛ إذ أن ما قد يكون كراهيةً في نظر فئة معينة، يمكن أن يكون تعبيرا بحرية في نظر أخرى.. كما أن حتى العقليات تتغير من جيلٍ لآخر.
ويرى أن حل هذه الإشكالية، يكمن في تعلّم احترام الأراء المختلفة، وتمكين أصحابها من التعبير عنها، لتتصارع الأفكار. ثم إن هذا الحق ليس له معنىً في الحقيقة إلا بوجود من يخالفنا.
وأشار إلى أن ضمان ذلك لن يكون إلا بوجود نصوص قانونية دقيقة، تمنع مثلا حرية التعبير، إذا كانت ستُسبب بشكل مباشر في “وقوع العنف”، وأرجع مسألة تقدير ذلك لمؤسسة قضائية مستقلة.
“المقاطعة الإعلانية” والتشهير
وفيما يتعلق بوضعية حرية التعبير بالمغربي، اعتبر أبوبكر الجامعي أن نهاية التسعينيات وبداية الآلفية الثانية، كانت مرحلةً ازدهرت فيها حرية التعبير نسبياً، إذ ظهرت مؤسسات صحافية حاولت آنذاك الاشتغال باستقلالية، ومُناقشة عمل النخب الحقيقية بالمغرب، وليس نخب الواجهة، وكان الأمر ممكنا، لأن المؤسسات كانت تُدبّر شأنها المالي بالاعتماد على عائدات بيع مطبوعاتها وعلى الإعلانات الإشهارية.
وقال إن بعد ذلك اتجهت السلطة إلى ضرب هذه الإستقلالية، عبر ما سمّاه بـ”المقاطعة الإعلانية” من طرف الشركات، مشيراً إلى أن الأمر كان سهلاً، لأن الشركات المعلنة تعود في الغالب إلى ملكية النخب السياسية أو لها علاقة بشكل من الأشكال مع السلطة.
وأضاف أن بعد إضعاف المؤسسات الصحافية بهذا الأسلوب، والقضاء عليها كحلقة من الحلقات، لجأت السلطة في سيرورتها إلى مواجهة الأفراد الذين لهم سمعة محترمة ومواقفهم مسموعة، كعدد من الصحفيين والحقوقيين، بأسلوب التشهير، مبرزاً أن الهدف من ذلك هو ترويض الجميع.
الإلتزامات الدولية والمحلية
وفي السّياق ذاته، ركزت خديجة الرياضي، على الإلتزامات التي إلتزمت بها الدولة، كالمصادقة على العهود والاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى الاعترافات التي رأينها مع هيئة الإنصاف والمصالحة وتعهد الدولة بعدم تكرارها، وكذا الإلتزامات المنصوص عليها في إطار دستور 2011 كضمان حرية الرأي التعبير بكل أشكالها، وحرية الإبداع، وحرية النشر..
وقارنت الرياضي بين هذه الإلتزامات وبين الممارسة اليومية للسلطة، وقالت إن الملاحظ هو انتهاك هذه الالتزامات بشكل سافر وصارخ، مستدلةً بعدة مؤشرات من بينها المرتبة التي تحتلها الدولة في مؤشر حرية الصحافة (133).
وأشارت إلى أن الأساليب التي تستخدمها السلطة لإعاقة حرية التعبير كالطابوهات والخطوط الحمراء، لازالت مستمرة.
وأوضحت أن هذه الخطوط تضيق وتتسع بحسب السّياق السياسي الدولي والإقليمي، وبحسب التوزانات الداخلية وقوة الحركات الديمقراطية المناضلة، مستشهدةً على كلامها بفتح الإعلام العمومي، مثلا في 2011، على مختلف مكونات المجتمع.
ولم تنسَ بدورها “التشهير”، إذ قالت إنه سبق لجمعية “الحرية الآن” أن تحدثت عنه في تقرير سابق كشكل من الأشكال الجديدة للقمع؛ إذ يتم اللجوء إليه لضرب سمعة المنتقدين للسلطة.
حدود الوطني والكوني
ومن جانبه، اعتبر خالد البكاري أن المغرب يعيش فترة من الفترات المظلمة فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، بالمقارنة مع النصف الثاني من التسعينيات وبداية الآلفية الثانية، مع العلم أن النصوص القانونية الجنائية لم تتغير.
وفسر هذه التراجعات بكون تلك الفترة عرفت حدثاً دولياً كبيراً، الذي هو انهيار المعسكر الاشتراكية، وعلى الرغم من أن هذا الحدث لم يخدم مصالح عدد من الدول على المستوى التنموي والاقتصادي، إلا أنه ساهم في وقوع ما عبّر عنه بـ”الموجة الثالثة للانتقالات الديمقراطية” في عدد من دول أوروبا الشرقية وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وأضاف أنه الآن وبعد صعود عدد المحاور الدولية والإقليمية، ولم تعد هناك قطبية واحدة، أعطى لعدد الدول إمكانية تنويع علاقتها، وبالتالي تسجيل تراجعات على مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان، إذ لم يعد الضغط على السلطويات التي أصبح في إمكانها الاشتغال مع قوى أخرى لا تناقش شكل النظام السياسي ولا القوانين الداخلية كـ”الصين” و”روسيا” و”الهند” و”البرازيل”..
وتابع أن حتى صعود اليمين في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا، دفع إلى وضع حقوق الإنسان جانباً ولم تعد تمارس بها أي ضغط.. بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه بعض الأنظمة العربية بأموالها.
وأشار كذلك إلى تنامي خطاب التخوين والتشكيك في وطنية المعارضين للسلطويات، بعد الالتفاف على الثورات التي شهدتها دول المنطقة 2011، وهنا، تأسف لانسياق بعض النخب وراء هذه الخطاب؛ إذ أصبحت تتحدث عن اقتران الحرية بالمسؤولية، معتبراً أن كلمة “المسؤولية” تستخدم بشكل مضلل، لأن الدفاع عن حرية التعبير، هي التي يجب أن المسؤولية الأكبر.
وزاد أن ما يؤلمه هو أن جزءا كبيرا من الحركة الديمقراطية، ليس في المغرب فقط، بل في كل المنطقة، أصبحت تردد هذه الخطابات، مستغرباً من ذلك، إذ قال إنه لا يفهم الديمقراطيين حينما يقولون إن الثوار ضد الديكتاتوريات صنعتهم الإمبريالية العالمية، متسائلاً بما معناه هل الإمبريالية أصبحت تدافع عن الديمقراطية أكثر من الديمقراطيين ضد في سلطويات مارست انتهاكات ضد حقوق الإنسان؟
ودعا الحركة الديمقراطية واليسارية إلى فتح نقاش حقيقي حول حدود الوطني وحدود الكوني.
وما فيديوهات الخراز ألا خير شاهد على هذه الانتهاكات وهو لحد الأن لازال يتباهى و يفتخر بما فعله من انتهاكات