كيف تعرف الشعبوي؟

استطلاعات الرأي في فرنسا كانت في مجملها ترجّح فوز مارين لوبان أو حزبها في الانتخابات الرئاسية المقبلة سنة 2027، لأن ماكرون لم يفسح المجال لانبثاق قيادات جديدة، لا في اليسار ولا في اليمين المعتدل. والنتيجة؟ ما نراه اليوم…
إلى أن جاء الحكم القضائي الأخير الذي قضى بسجنها أربع سنوات، ومنعها من الترشح لمدة خمس سنوات. وهذه مناسبة لتحليل طبيعة الخطاب الشعبوي وتفكيك سحره وألاعيبه.
يرتكز الخطاب الشعبوي على أربع دعائم أساسية:
1/ الشعبوي يخاطب العواطف لا العقول:
يلعب على وتر الانتماء العرقي أو الثقافي أو الديني، ويحوّله إلى أيديولوجيا تُعوِّض غياب البرنامج المجتمعي. تأملوا خطابات زعماء اليمين الشعبوي: من ترامب، إلى سالفيني، إلى مارين لوبان، إلى حزب البديل في ألمانيا.
2/ الشعبوي يزرع الخوف:
يُغرق جمهوره في الرعب: من الأجانب، من النخب، من المثقفين، من المستقبل، من الصين… دائمًا هناك “عدو” يلوّح به.
(القاعدة الانتخابية في أمريكا تقول: إذا لم تستطع إقناع الناخبين ببرامجك، اجذبهم بالخوف، لأن صوت الخوف أعلى، خاصة لدى عموم الشعب).
3/ الشعبوي يشخّص المشاكل جيدًا، لكنه يقترح حلولًا كارثية:
يعرف الشعبوي المرض، لكنه يصف أدوية قد تكون قاتلة.
- إشهار -
مثلاً: يقول إن هناك أزمة بطالة كبيرة في البلد، وعندما تسأله عن الحل، يرد بسرعة وخفة: “المهاجرون هم السبب! يستحوذون على الوظائف المخصصة لأبناء البلد الأصليين، والحل هو طردهم وتعويضهم بالفرنسيين”.
حل يبدو “سهلاً”، يخاطب العقول البسيطة.
لكن عندما ترد عليه بأن الفرنسيين أو الإسبان أو الألمان لا يشتغلون في الفلاحة أو البناء أو المهن الشاقة، وأن الاستغناء عن المهاجرين سيخلق أزمة اقتصادية واجتماعية، يتهمك بأنك “عدو للشعب”، و”يساري إسلامي”، و”تكره نفسك وأمتك وعرقك”، ولا تريد “لفرنسا أن تستعيد مجدها”…
4/ الشعبوي يؤمن بالانتخابات، لا بالديمقراطية:
تمامًا كما بعض الإسلاميين في العالم العربي.
يؤمن بالصندوق فقط عندما يفوز، لكنه لا يؤمن بالتعددية، ولا بحرية الإعلام، ولا بالتداول السلمي على السلطة، ولا باحترام المؤسسات والقانون والدستور.
اليوم، ترامب يريد خرق أهم بند في الدستور الأمريكي، وهو حصر الرئاسة في ولايتين، وبدأ يلمّح لإمكانية الترشح لولاية ثالثة!
وهنا تكمن خطورة الشعبويين:
ليس فقط في زعزعة الاستقرار داخل بلدانهم، بل في زعزعة الاستقرار العالمي، ودفع العالم إلى الحروب والأزمات والكوارث… ومن يعِشْ، فسيروي.