شعارات الدولة الاجتماعية تتكسر في ورزازات: صرخة من أجل مستشفى التخصصات

في مدينة ورزازات، حيث تتلألأ الشمس على مناظرها السياحية الساحرة، يعيش السكان تحت وطأة ظلٍّ مظلم: غياب مستشفى التخصصات الذي طال انتظاره. لسنوات طويلة، ظل هذا المشروع الحيوي حبيس أدراج الوزارة الوصية، رغم الوعود المتكررة التي تُطلق كالبالونات في الهواء، لتنفجر بمجرد أن يتلاشى صداها. هذا المستشفى ليس مجرد مبنى، بل أمل معلّق في قلوب الآلاف، وكل تأخير في إنجازه هو طعنة في كرامتهم. في هذا المقال، سنغوص في أعماق هذه القضية، نطلق نقدًا لاذعًا للمسؤولين، ونرفع صرخة عاطفية تعبّر عن معاناة شعب يستحق أن يُسمع صوته.
معاناة السكان: جرح نازف في قلب ورزازات
تخيّل أنك أم تضطرين لقطع مئات الكيلومترات بحثًا عن مستشفى ينقذ حياتك. تخيّل أنك أب ترى طفلك يعاني، وأنت عاجز عن توفير العلاج له لأن الخدمات الطبية المتخصصة بعيدة المنال. هذا ليس خيالًا، بل واقع يومي في ورزازات. غياب مستشفى التخصصات يعني أن المرضى المزمنين، وكبار السن، والأطفال، يواجهون مصيرًا قاسيًا: إما الموت في صمت، أو السفر الشاق إلى مدن بعيدة مثل مراكش أو الرشيدية، وهو خيار لا يقدر عليه الجميع.
الألم هنا لا يقتصر على الجسد، بل يمتد إلى النفس. يشعر سكان ورزازات بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، متروكون للنسيان في منطقة نائية لا تصلها يد العدالة الصحية. كيف يمكن لدولة تتغنّى بشعارات “الدولة الاجتماعية” أن تترك شعبًا بأكمله يعاني هكذا؟ إنها ليست مجرد إحصائيات، بل قصص إنسانية تُدمي القلب: أم فقدت طفلها في الطريق إلى العلاج، وعجوز ينتظر الموت لأن العلاج بعيد عن متناوله. هذه ليست حياة، بل بقاء على قيد الأمل المتلاشي.
الوعود الكاذبة: مسرحية بلا نهاية
منذ سنوات، ووزارة الصحة تكرر نفس الأسطوانة المشروخة: “سنبدأ قريبًا”، “المشروع في مراحله النهائية”، “نحن ملتزمون”. لكن الواقع يصرخ عكس ذلك: لا جرافات تعمل، لا أساسات تُبنى، لا أمل يتحقق. هذه الوعود ليست سوى مسكنات فارغة، تهدف إلى تهدئة غضب السكان للحظات، قبل أن يعودوا إلى واقعهم المرير. كل وعد جديد يتحوّل إلى خنجر يُغرس في ظهورهم، لأنه يعزّز شعورهم بالخيانة والإهمال.
ما الذي يبرّر هذا التأخير المزمن؟ “مشاكل تقنية”، “إعادة دراسة الموقع”، أعذار واهية لم تعد تُقنع أحدًا. في زمن التكنولوجيا الحديثة، كيف يمكن أن يستغرق اختيار موقع مستشفى عقودًا؟ إنها ليست مجرد بطء إداري، بل إهمال متعمد، وكأن صحة سكان ورزازات ليست أولوية. كل يوم يمر دون تقدم هو يوم يُسرق من حياة هؤلاء الناس، وكل خطاب فارغ هو إهانة جديدة تُضاف إلى جراحهم.
نقد لاذع: من يتحمّل وزر هذا الإهمال؟
الوزارة الوصية، بقيادة وزير الصحة، تقف في صدارة المسؤولين عن هذا الفشل الذريع. لكن لا يمكن إعفاء البرلمانيين المحليين، الذين يُفترض أنهم يحملون صوت الشعب إلى قبة البرلمان. أين دورهم في الضغط الحقيقي؟ هل اكتفوا بالخطابات الرنانة والأسئلة الكتابية التي تُرمى في الأدراج؟
لكن النقد الأعمق يطال الحكومة ككل. في الوقت الذي تتباهى فيه بمشاريع عملاقة في المدن الكبرى، تترك ورزازات غارقة في ظلام الإهمال. هذا التمييز المجالي ليس مجرد خطأ إداري، بل هو ظلم صارخ يناقض كل شعارات العدالة الاجتماعية. الدولة التي تدّعي أنها “اجتماعية” تكشف عن وجهها الحقيقي هنا: وجه بارد لا يُبالي بآلام المهمشين. إن الشعارات لا تشفي المرضى، والمباني الفاخرة في العاصمة لا تُعوّض غياب سرير مستشفى في ورزازات.
- إشهار -
صرخة من القلب: أصوات المنسيين
دعونا نستمع إلى السكان أنفسهم. هناك أم تبكي طفلها الذي فارق الحياة لأنها لم تجد سيارة إسعاف في الوقت المناسب. هناك رجل مسن يعاني من مرض القلب، لكنه لا يملك المال للسفر إلى مدينة أخرى. وهناك شاب يحلم بمستقبل أفضل، لكنه يرى مدينته محرومة من أبسط الحقوق. هذه ليست مجرد حكايات، بل صرخات ألم تتردد في كل زقاق من أزقة ورزازات.
كيف يمكن لمسؤول أن ينام قرير العين وهو يعلم أن هناك من يموت بسبب تقاعسه؟ كيف يمكن لدولة أن تتجاهل هذه المعاناة وهي تملك الموارد والقدرة على التغيير؟ إنها ليست قضية ميزانيات أو خطط، بل قضية ضمير. سكان ورزازات ليسوا أرقامًا في تقرير، بل أرواح تستحق الحياة بكرامة.
حلول عاجلة: من الكلام إلى الفعل
لقد آن الأوان للتوقف عن الكلام والبدء بالعمل. أولًا، يجب على الوزارة الوصية أن تعلن جدولًا زمنيًا واضحًا وملزمًا لإنجاز المشروع، مع تحديد المسؤوليات وفرض عقوبات على المتسببين في التأخير. ثانيًا، ينبغي تشكيل لجنة شعبية تضم ممثلين عن السكان والمجتمع المدني لمراقبة التقدم وضمان الشفافية. ثالثًا، يجب تخصيص ميزانية كافية ومحمية من التحويل أو الهدر.
يمكن أيضًا الاستفادة من تجارب ناجحة، مثل مستشفى محمد السادس في طنجة، الذي أُنجز بسرعة بفضل الإرادة السياسية. وأخيرًا، لا بد من محاسبة كل من تسبب في هذا التأخير، فالصحة حق وليست ترفًا، ومن يعبث بها يستحق العقاب.
خاتمة: متى ستستيقظ الضمائر؟
مشروع مستشفى التخصصات في ورزازات هو أكثر من مجرد حلم؛ إنه اختبار لصدق الدولة وإنسانيتها. سكان ورزازات لا يطلبون المستحيل، بل يطالبون بحقهم في الحياة. كل يوم تأخير هو جريمة، وكل صمت من المسؤولين هو تواطؤ. السؤال ليس فقط متى سيُبنى المستشفى، بل متى ستستيقظ ضمائر من يملكون القرارين؟ ورزازات تنتظر، والناس يعانون، والزمن لا يرحم. فهل ستبقى الشعارات تتكسر، أم سيشرق الأمل أخيرًا؟