جدل متصاعد حول مصير انتخابات مجلس الصحافة و”لجنة مجاهد” في قلب الانتقادات


عاد ملف التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة في المغرب ليحتل صدارة النقاشين السياسي والإعلامي، في ظل تنامي الانتقادات الموجهة إلى اللجنة المؤقتة المكلفة بتسيير شؤون الصحافة والنشر، والتي اقتربت من نهاية ولايتها القانونية دون أي مؤشرات واضحة على إطلاق مسار انتخاب مجلس وطني جديد.

ووجهت النائبة البرلمانية عن فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، لبنى الصغيري، سؤالا كتابيا إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، استفسرت فيه عن الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها من أجل تفعيل المقتضيات القانونية المتعلقة بانتخابات المجلس الوطني للصحافة، معتبرة أن “اللجنة المؤقتة التي شُكلت بموجب القانون رقم 15.23 كانت تراجعا خطيرا وغير مسبوقا عن مبدأ الاستقلالية والتنظيم الذاتي للقطاع”.

وقالت الصغيري في سؤالها، الذي اطلع موقع “بديل” على نظير منه، “لم يتبق سوى خمسة أشهر على انتهاء المدة المحددة قانونا لعمل اللجنة المؤقتة، ومع ذلك، فإن عملية الإعداد للانتخابات التي أوكل القانون للجنة الإشراف عليها لم تظهر لها أي ملامح على أرض الواقع”.

وطالبت برلمانية “الكتاب” الوزارة الوصية بالكشف عن الخطوات الملموسة لضمان عودة المجلس المنتخب قبل نهاية المهلة القانونية.

ولم يقتصر النقاش الذي خلفه الموضع على مجلس النواب فقط، بل امتد إلى مجلس المستشارين، حيث سبق أن وجه المستشار البرلماني عن نقابة الاتحاد الوطني للشغل، خالد السطي، سؤالا مشابها، استغرب فيه “الغموض الذي يلف مآل مبدأ التنظيم الذاتي، واستمرار اللجنة في أداء مهامها دون أفق انتخابي واضح”، مشيرا إلى أن هذا الوضع “يهدد مصداقية العمل الصحفي ويقوض استقلالية الهيئات المهنية”.

وتزامن هذا الجدل مع تحذيرات من عدد من الفاعلين في الحقل الإعلامي، الذين اعتبروا أن استمرار اللجنة دون انتخاب مجلس جديد يُعد “تراجعا عن المكاسب الديمقراطية التي حققتها تجربة التنظيم الذاتي”، كما حذروا من أن غياب مجلس منتخب “يفتح الباب أمام تدخلات إدارية تضعف الثقة في مؤسسات التنظيم المهني”.

وفي وقت سابق، أثار إحداث لجنة مؤقتة لتدبير شؤون المجلس الوطني للصحافة جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية والسياسية، بعد أن عبّر أربعة وزراء سابقين في قطاع الاتصال عن رفضهم الصريح لهذه الخطوة، واصفين إياها بكونها “نكسة” و”عجزا غير مبرر” و”خرقا للدستور”.

وشدد الوزير السابق للاتصال المنتمي لحزب العدالة والتنمية، مصطفى الخلفي، على أن هذا القرار يُعد تراجعا عن مسار انتخابي ديمقراطي تم التوافق حوله منذ سنوات، معتبرا أن تشكيل لجنة مؤقتة “لا يستند لأي مبرر قانوني” وأنه يفتقر للحجة الدستورية، لأن القانون ينص على استمرارية المؤسسات عن طريق الانتخابات، وليس بتعويضها بهيئات مؤقتة.

- إشهار -

من جهته، رأى عضو حزب الاتحاد الدستوري لحسن عبيابة، الوزير السابق للثقافة والاتصال، أن تعويض مجلس منتخب بلجنة مؤقتة “يمثل عجزا غير مبرر في تدبير مرحلة انتقالية كان يفترض أن تُستكمل عبر المسار الديمقراطي”، موضحا أن مجلسا ناتجا عن انتخابات يملك شرعية أقوى من لجنة تم تعيينها، ومؤكدا على ضرورة التوافق مع الشركاء داخل القطاع لضمان توازن واستقرار الهيئة المشرفة على تنظيم المهنة، خاصة في ظل ما وصفه بـ”فوضى القطاع الإعلامي” وتحدياته المتزايدة.

أما محمد نبيل بنعبد الله، وزير الاتصال الأسبق والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، فقد ذهب إلى حد وصف هذه الخطوة بـ”الكارثة الحقيقية”، منتقدا ما أسماه “تخلي الحكومة عن مبادئ الديمقراطية في تنظيم قطاع حيوي كالإعلام”. وأشار إلى أن إنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين بعد التمديد السابق للمجلس يمثل “حالة طوارئ ممدّدة غير مبررة”، داعيا الحكومة إلى العودة للمسار الانتخابي وضمان حق الصحافيين في اختيار ممثليهم.

محمد الأعرج، الوزير الحركي الأسبق للثقافة والاتصال، بدوره، اعتبر أن المشروع المتعلق باللجنة المؤقتة “يتعارض بوضوح مع أحكام الدستور، خاصة الفصل 28 المتعلق بحرية الصحافة والتنظيم الذاتي للمهنيين”. وأضاف أن الحكومة أخلّت بالمساطر القانونية عند تقديم المشروع، وأن غياب قرار معلل بانتهاء ولاية المجلس الحالي ونشره في الجريدة الرسمية يُعد انتهاكا للضوابط الدستورية، متسائلا عن مدى مشروعية تمرير قانون من هذا النوع عبر البرلمان دون مرجعية دستورية واضحة.

يُذكر أن القانون الذي أحدث اللجنة المؤقتة نصّ بوضوح على أن ولايتها محددة في سنتين، على أن تنتهي فور انتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة الجديد، وهو ما لم يحدث إلى حدود اليوم، في ظل صمت رسمي حول موعد الانتخابات، وغياب أي خارطة طريق واضحة لإعادة الأمور إلى نصابها الديمقراطي.

وفي خضم هذا الجدل، تعالت أصوات عدد من الفاعلين الدستوريين والقانونيين الذين اعتبروا أن اللجنة المؤقتة تفتقر للسند الدستوري، مؤكدين أن تأسيسها يناقض روح الفصل 28 من الدستور المغربي، الذي ينص على حرية الصحافة واستقلاليتها عن كل أشكال الوصاية، محذرين من أن استمرار اللجنة يمس بمبدأ الفصل بين السلط، ويمكّن السلطة التنفيذية من التدخل غير المشروع في شؤون مهنة يفترض أن تُنظم ذاتيا.

وقد صبّ عدد من المتتبعين جام انتقاداتهم على الحكومة، متهمين إياها بـ”الالتفاف على مؤسسة منتخبة تحت ذريعة الفراغ المؤسساتي”، مشددين على أن العودة إلى منطق التعيين وتسيير الهيئات المستقلة بلجنة مؤقتة هو سابقة خطيرة تُفقد القطاع ثقة الصحفيين والمهنيين، وتنسف مبدأ الديمقراطية المهنية.

أعجبتك المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد