مسرحية Deep’ art: العبث الوجودي في العالم الاستهلاكي

في مشاهد مسرحية تسودها فلسفة الاستهلاك المفرطة والمنافسة اللامحدودة، تبرز لنا قصة تختزل ثنائيات الوجود الإنساني المعاصر بكل تجلياته. مجموعة من الأشخاص تلاقوا دون سابق إرادة في ساحة مواجهة وجودية استثنائية، يجدون أنفسهم ضحايا اختطاف في فضاء مجهول، مقطوع الاصلة بالعالم الخارجي، محكومين بقواعد لعبة قاسية تفرض عليهم تجاوز اختيارات بالغة الصعوب والخطورة.
يتحول هذا الفضاء الى مختبر اجتماعي- فلسفي حي حيث تخضع الطبيعة البشرية لمحك حقيقي، فالقاعدة المعلنة صارمة وغير قابلة للتفاوض، الفشل يساوي العدم، والموت هو عقاب من لا يستطيع مجاراة متطلبات الاختيارات في ظل هذه الظروف الاستثنائية، تنكشف طبقات الوعي الإنساني وتتفكك الأقنعة الاجتماعية، لتظهر المعادن الحقيقة للأفراد.
مع تقدم الاختبارات ومواجهة المصاعب، يبدأ خيط غامض في التكشف، هذا الاكتشاف يفتح النافذة على أسئلة جوهرية: ما حدود الثقة في الاخر؟ هل يمكن للإنسان تجاوز نزعته الفردية لصالح البقاء والوعي الجمعي؟ وما قيمة البقاء والحياة في ظل تهديد محدق بالفناء؟
المفارقة الكبرى تأتي في نهاية التجربة الوجودية، حيث يكتشف المشاركون أن ما اعتقدوه صراعا حقيقا بين الموت والحياة، ولم يكن سوى محاكاة درامية تجسدت في برنامج تلفزيوني غير تقليدي، هذا الانقلاب المفاجئ يطرح تساؤلا عميقا حول مدى تغلغل مجتمع الفرجة في حياتنا المعاصرة، وتحول التجارب الإنسانية العميقة الى مادة استهلاكية ترفيهية.
- إشهار -
تعكس هذه المسرحية بؤس الانسان المعاصر في عالم تحولت فيه أكثر التجارب خصوصية وحميمية الى مشهد عام قابل للاستهلاك. انها قضايا ميكرو سوسيولوجية لواقع معاصر تتداخل فيه خطوط التماس بين الحقيقي والمزيف، بين الجوهري والسطحي، بين الإنساني والالي.
لعل هذه التجربة التي طرحتها هذه المسرحية في عرضها قبل الأول دعوة للتأمل في قيمة الوجود الإنساني خارج معنى الحياة في أبعادها الأكثر عمقا بعيدا عن اعين الكاميرات ومقاييس القيم السطحية المختزلة للإنسان في أدائه وانتاجيته.
هذه المسرحية من اخراج مصطفى الجاي، النص من كتابة لطفي أشراو، وتشخيص سارة الكاملي، المصطفي الجاي، هشام اصغيري، عبد المغيث ابجاو، سعادالعمري، ملاك الريكع، عبد الكبير البخاري. ملابس نجوى بحراوي، الإضاءة عمر بالعود، موسيقى ياسين بربوشي، سينوغرافيا حسن الزوراري، سطاج مانجر نطاق حمامي.