وداعًا البشير الراشدي

عندما خرج الناطق الرسمي باسم الحكومة ليرد بفجاجة على تقرير البشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة في اكتوبر من السنة الماضية عرفت ان، أيام الراشدي صارت معدودة في مكتبه.
الراشدي الذي قال ما ملخصه:
(الفساد عمّ البر والبحر في البلاد) الفساد يكلف المغرب اكثر من 50 مليار درهم سنويًا.
والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي وصعت هدفا لها التقدم بـ23 نقطة في مؤشر إدراك الفساد، لم تنجح ولم يتم تحقيق سوى نقطة واحدة فقط منها !”)
في تلك اللحظة، عرفت أن الرجل دخل إلى( الكوليماتور ) وتأكد ذلك عندما قرأنا جميعا ان هناك استهداف لشركة هو مساهم فيها… قلت مع نفسي Déjà vu …
السؤال:
هل طلب الراشدي الإعفاء بعد فشله في إقناع حكومة رجال الأعمال بشيء اسمه النزاهة؟
أم جرى الاستغناء عنه بتوصية من المتضررين والغاضبين من تقاريره؟
في كلتا الحالتين: النتيجة واحدة
محاربة الفساد والرشوة ليست على جدول أعمال هذه الحكومة نقطة إلى السطر.
العشر الأواخر من رمضان ستكون لحظة احتفال للسيد أخنوش:
الراشدي التحق بأحمد الحليمي ورضى الشامي، شخصيتين أزعجتا راحة حكومة المال والأعمال:
* الحليمي كان ينشر أرقام المندوبية السامية للتخطيط بلا “رتوش”.
- الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كان يصارح الحكومة ببعض الحقائق التي لا تريد سماعها ولا انتشارها .
والآن؟
جاء عبد القادر عمارة (صديق أخنوش) إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،
وجاء بنعليلو (بعقلية “الوسيط”) ولا شيء غير الوساطة إلى هيئة النزاهة والوقاية من الرشوة التي ستموت ربما على يد هذا القاضي القديم …
توصي الأمم المتحدة بمحاربة الفساد عبر أربع آليات:
- الحق في الوصول إلى المعلومة
- حرية الإعلام وصحافة التقصي
- دعم المجتمع المدني وتشجيع التبليغ عن الفساد
- تطوير العدالة واستقلال القضاء
لكن كل هذه المعايير في بلادنا؟
معطوبة:
- إشهار -
* قانون الوصول إلى المعلومات كبّل الحق في الوصول إلى اية معلومة مهمة، أما الواقع فقد ضرب ستارا حديديا على المعلومات المهمة في مصير البلاد .
* الصحافة الاستقصائية أصبحت فاكهة صيف في الشتاء ، وهاهي تشهد حربا أهلية طاحنة اليوم لقتل من بقي ينازع الروح قبل الموت .
* المجتمع المدني مهلهل، ومناضلوه الحقيقيون يُحاصرون بالتشهير والمحاكمات.
- القضاء… حدث ولا حرج ( الحديث عنه فيه فصل كما قال إلياس المالكي).
عندما قرأت إعلان جمعية ترانسبرانسي المغرب قبل اشهر انسحابها من اللجنة التي كانت برئاسة الحكومة بسبب تجميد نشاطها، وعدم اجتماع رئيس الحكومة معهم ولو لمرة واحدة، قلت:
عزيز أخنوش رجل منسجم مع:
- نفسه،
- ثروته،
- حكومته،
- برنامجه،
- أعيانه،
- تجاره،
- شركاته…
فهل يُعقل أن حكومة تضارب المصالح، ستنشط لجنة لمحاربة الرشوة؟
أسئلة محرجة (لكن ضرورية):
* كيف لحكومة سحبت تجريم الإثراء غير المشروع من مشروع القانون الجنائي أن تجلس مع “ترانسبرانسي”؟
* كيف لحكومة منعت الجمعيات من التبليغ عن الفساد، ومنعت النيابة العامة من التحقيق في شكايات المال العام، أن تفتح حوارًا مع من وُلد لمحاربة الفساد؟
* كيف لحكومة تُهيمن فيها “أكوا” على وزارات ومؤسسات وإدارات أن تُحاضر في الشفافية والنزاهة؟
* كيف لرئيس حكومة أدان مجلس المنافسة شركته للمحروقات التي حرقت جيوب عباد الله بسبب خرق قانون المنافسة أن يتحدث عن محاربة الفساد؟!
نعم، هناك معايير دولية لمحاربة الفساد، وضعتها الأمم المتحدة، لا يمكن تجاهلها كأننا نعيش في جزيرة معزولة.
جميل أن نبني ملاعب وقطارات بمعايير دولية،
لكن الأجمل أن نبني بلدًا عادلًا، نزيهًا، بمرجعية مؤسساتية ومعايير واضحة.
مع السلامة، السيد الراشدي.
لست وحدك من فشل في محاربة الفساد…
البلاد كلها فشلت.
والله يبدّل الوقت بما هو أحسن.