شهريار العصر وشهرزاد العصر: حين تتبدل الأدوار ويعاد رسم الحكاية

في الزمن القديم كان شهريار ملكًا لا يعرف من النساء سوى الخيانة ولا يرى العدالة إلا في الانتقام. ثم جاءت شهرزاد لا تحمل سيفًا بل تحمل سحر الحكاية. بكلماتها جعلت الليل يطول وجعلت القسوة تتردد أمام سحر السرد. لكن ذلك كان زمنًا مضى…
اليوم من يكون شهريار؟ ومن تكون شهرزاد؟ هل لا يزال الرجل صاحب القرار الأول أم أصبح مترددًا في زمن فقدت فيه السلطة شكلها القديم؟ وهل ما زالت شهرزاد تروي الحكايات خوفًا من المصير أم أنها أصبحت من يصوغ السرد ويعيد تشكيل المشهد؟
شهريار العصر: رجل في اختبار الزمن
لم يعد شهريار رجلاً واحدًا بل أصبح وجوهًا متعددة:
حاكمٌ يحاول فهم لغة جديدة لم يألفها حكمه القديم حيث لم تعد السلطة قائمة على الأمر والنهي بل على الحوار والتفاوض.
رجلٌ شرقي يقف مرتبكًا بين إرث الماضي وتوقعات الحاضر بين صورة الأب القوي والرجل الشريك بين ما تعلّمه وما يراه يتغير أمامه.
مجتمعٌ بأكمله يعيد التفكير في مكانة الرجل في دوره في الحدود التي كانت يومًا محسومة وصارت اليوم موضع تساؤل.
لم يعد شهريار طاغية لكنه لم يصبح عادلاً بالكامل إنه واقف عند عتبة السؤال: هل يصغي إلى شهرزاد ويمنحها مكانها الطبيعي، أم يحاول—بطريقة ما—التمسك بأشباح الماضي؟
شهرزاد العصر: من الهامش إلى المركز
أما شهرزاد فلم تعد تحكي الحكايات لتؤجل مصيرها بل لتصنعه بنفسها. لم تعد تهمس في الظل بل تتحدث من قلب المشهد.
كانت تروي لتنجو فأصبحت تكتب ليعيش الآخرون.
كانت تحكي في غرفة مغلقة فأصبحت كلماتها تصل إلى كل الآذان.
كانت تنتظر أن يُسمع صوتها فأصبحت هي من يصنع المنصة والكتاب والمسرح والشاشة.
اليوم لم تعد شهرزاد امرأة واحدة صارت فكرة صارت حركة، صارت كل صوت يرفض أن يكون مجرد تابع. لم تعد تحكي لتسحر شهريار بل لتعيد رسم حدود العالم.
- إشهار -
بينهما: عالم يتغير ومعادلات جديدة
لم يعد العالم كما كان في ألف ليلة وليلة. الحكاية القديمة أعادت كتابة نفسها وفق معادلات جديدة:
الحكم والرؤية: لم تعد السلطة امتيازًا يُمنح بل مسؤولية تستدعي الإصغاء والتفاعل مع متغيرات لا يمكن تجاهلها.
العلاقة بين الرجل والمرأة: لم يعد الرجل الحاكم الوحيد، ولم تعد المرأة مجرد ظل يتبعه. الأدوار تتبدل والشراكة تحل محل الوصاية.
الإعلام والسرد الجديد: إذا كانت شهرزاد قديمًا تحكي لشهريار وحده، فهي اليوم تخاطب العوالم تتحدث علنًا وتعيد تعريف القصة.
الاقتصاد والاستقلال: لم تعد المرأة تنتظر منحًا أو إذنًا، بل صارت تصنع مستقبلها تدخل مجالات كانت يومًا مغلقة أمامها وتفرض وجودها في مواقع القرار.
الوعي والتساؤل: أصبح الرجل يسأل: كيف يكون عادلاً في عالم لم يعد يحتمل الصوت الواحد؟ وأصبحت المرأة تسأل: كيف تتقدم دون أن تتحول إلى مجرد صورة أخرى للسلطة الذكورية؟
زبدة القول: ألف ليلة جديدة تُكتب
لم يعد السيف هو الذي يحكم، ولم تعد الحكاية وحدها كافية. هناك قصة جديدة تتشكل، لم تُكتب نهايتها بعد. شهريار لم يعد ذلك الطاغية، لكنه لم يصبح فارسًا نبيلاً بالكامل. وشهرزاد لم تعد مجرد صوتٍ يحاول النجاة، لكنها لم تنتصر في كل معاركها بعد.
بينهما هناك عالم يتغير
حكايات لا تروى في الخفاء بل تُكتب علنًا
أسئلة لم تعد تجد إجاباتها في الماضي بل تحتاج إلى رؤى جديدة
والسؤال الأهم: هل سيظل شهريار مترددًا أمام صوت شهرزاد، أم أن الحكاية ستأخذ منعطفًا لم يكن في الحسبان؟