إتفاقات التبادل التجاري المغربية الاوروبية وإشكالية قضية الصحراء
تتداخل المؤثرات في قضية الصحراء منذ جلاء المستعمر الاسباني سنة 1975 بين مؤثرات قانونية كتقرير المصير و مسألة حقوق الانسان و اليوم برز مؤثر اقتصادي جديد قديم أحيا النزاع على المستوى الدولي أو بالأحرى على المستوى الاوروبي حيث شكل قرار محكمة العدل الاوروبية مفاجئة يمكن القول انها انتصرت لـ”الصحراويين الأصليين” و يمكن أن تفهم العبارة بشكل خاطئ ولكن ما يمكن شرحه أن الضحية هنا هم الصحراويين الواقعون بين سندان القوى الدولية و أطماع الطامعين.
قضية الصحراء كانت و لا تزال مشكلة عويصة و الحقيقة أن لا أحد يبدي إهتمامه برأي الصحراويين الاصليين فلو سأل الصحراويين مباشرة لكان الجواب نريد نهاية النزاع و لكن تم إعتبار منطقتهم منطقة إبتزاز جيوسياسي, فمنذ أن تولت الامم المتحدة مسار التسوية و المشكل يتعقد أكثر فأكثر دون حل رغم المقترحات المطروحة على الطاولة فلو تم إشراك الصحراويين في العديد من القضايا التي تعنيهم لما كانت النتيجة هي الانسداد الخانق الذي تعرفه قضية الصحراء.
و بالخوض في الاتفاقيات التجارية التي تجمع المغرب مع الاتحاد الاوروبي و التي كان أخرها سنة 2019 والتي تشمل إقليم الصحراء المتنازع عليه و قرار محكمة العدل الاوروبية التي رفضت فيه الطعون المقدمة من المفوضية الاوروبية و الاتحاد الاوروبي و التي عللت قرارها بأن الاتفاق يشمل منطقة الصحراء و أن الصحراويين أهل الارض لم تشملهم المشاورة و أن منتوجات الطماطم و البطيخ لم يتم الاشارة الى منشأها على أنها منتجات من الصحراء يؤكد نظرية واحدة و هو أن الصحراويين الحقيقيين لا يتم إشراكهم في المبادرات و لا في العمليات السياسية من جميع الاطراف الموجودين على الجانب الشرقي و حتى على الجانب الغربي أي أنهم لا يدخلون في المبادرات.
و عليه فسقوط الاتفاقات التجارية بين الاتحاد الاوروبي و المغرب سقط نتيجة تجاهل أهل الارض و بالعودة إلى سؤال الصحراويين و الجواب هو نهاية النزاع أقول أنه يجب إستغلال هذه الفئة العريضة التي لا تسعى إلى تأزيم الوضع هذه الفئة ترى في الحكم الذاتي نهاية للازمة و ترى في إستمرارية الاتفاقات التجارية و الاقتصادية مسألة رخاء إقتصادي يجب على المملكة المغربية تمكين الصحراويين الحقيقين منه, في إطار مقاربة تعتمد على تمكين نخبة من الصحراويين من تمثيل أنفسهم أمام المحافل الدولية في إطار إنتمائهم الذي كفله دستور المغرب 2011 كمكون حساني دون أن يتم الاعتماد على الوجوه التي تدعي التمثيل و ها هي نتيجة أفعالهم يحصدها الاقتصاد المغربي.
ما يمكن إستنتاجه هو أن محكمة العدل الاوروبية أماطت اللثام عن قضية غاية في الاهمية يجب أخذها بعين الاعتبار دون الخوض في ما هو سياسي أن على المملكة المغربية التفكير في إقحام الصحراويين في تسيير الامور التي تعني منطقتهم تحت سيادة المغرب أو لما لا تفعيل الحكم الذاتي و ترك المجال لمجلس الصحراويين لابراز الطاقات و تحقيق التمثيلية، إن ما قررته محكمة العدل الاوروبية يمكن أن يستشف منه العديد من القضايا و من أبرزها ضرورة حضور المكون الصحراوي في تسيير كافة القضايا التي تعني المملكة المغربية لارتباط بعضها ببعض، و كذلك يجب تواجدهم في التمثيليات المغربية فلا يعقل أن يتم صياغة قرارات على المستوى الدولي يشارك فيها المغرب دون استحضار المكون الصحراوي كدلالة على المشورة و المشاركة في صياغة القرار الخارجي للملكة المغربية، خصوصا فيما يعني صياغة و الموافقة على الاتفاقات الدولية حيث لا يمكن بمكان أن لا يتم و لو النظر إلى رأي هذه النخبة المثقفة الدارسة للقانون و التي ستحاول أن تفعل رايها بصفة تراعي مصالح المملكة و الصحراويين على حد سواء و تساهم في إستقرار الاتفاقات الدولية للمغرب و التي تدخل فيها منطقة الصحراء و لا أتحدث عن فئة من الاشخاص يتم إستقدامهم أو فرض أنفسهم كممثلين و هم لا يعلمون عن الصحراء و مشكلها أكثر مما يعرفه شريط الاخبار على شاشة التلفاز .
و في الاخير و من خلال البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية للمملكة المغربية و الذي إعتبر فيه قرار محكمة العدل الاوروبية قرار سياسيا، فهو في الحقيقة قرار سياسي و أن منطقة الصحراء و مشكلها بصفة عامة هو مشكل سياسي يستعمله البعض لفرض واقع إقليمي متزعزع يبتز به المغرب تارة و تحركه إسبانيا تارة و تستعمله الجزائر و هلم جرا و الضحية الصحراويين البؤساء و النخبة الصحراوية التي لا تجد موطئ قدم لابلاغ رسالتها و لتحطيم الاصنام المسطرة أمام العالم لقضية حان الوقت لنهايتها ووضع حد لمستغليها.
و ختاما لا يمكن القول سوى أن على المنتظم الدولي و العالم و أجهزة العدالة الدولية و المنظمات الدولية و المملكة المغربية أن تعلم أن قضية الصحراء شائكة و لكن حلها سهل يكمن فقط في الانصات إلى أهلها و إشراك النخب التي ساهم المجتمع و المؤسسات الاكاديمية في إنتاجها حيث سيكون لكلمتها الفصل في إنهاء النزاع عن طريق تبني حل سياسي يراعي الاطراف و يضمن للصحراويين كرامتهم في إطار الحكم الذاتي و توسيعه و التشاور حوله و عليه و تقويته و تنميته ليضمن حلا ينهي المشكل عوض أن يبقى المشكل يؤرق المنطقة و الاقتصاد اإلى أجل غير مسمى.
الداود أبا باحث في القانون الدولي و العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس الرباط ، مقيم بإسبانيا .