مؤرخ أميركي: واشنطن أهدرت الفرصة التي خلفتها أحداث 7 أكتوبر


مع مرور عام على بدء عملية “طوفان الأقصى” وما تبعها من عدوان إسرائيلي مستمر على قطاع غزة وامتداده لجنوب لبنان، يبقى موقف الولايات المتحدة محوريا ورئيسيا فيما حدث ويحدث. ولا تلعب أي عاصمة أخرى الدور الذي تلعبه واشنطن بين طرفي الصراع.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    ولمعرفة كيفية تناول واشنطن لهجمات 7 أكتوبر الماضي، وهل مثلت فرصة ضائعة لها، ولماذا تدعم إسرائيل بهذه الصورة الاستثنائية، وكيف ستغير نتائج الانتخابات الرئاسية الموقف الأميركي من الصراع، حاورت الجزيرة نت أسامة خليل أستاذ التاريخ بكلية ماكسويل للمواطنة والشؤون العامة بجامعة سيراكيوز بشمال ولاية نيويورك.

    وخليل مؤرخ للعلاقات الخارجية للولايات المتحدة والشرق الأوسط الحديث، ومن كتبه “قصر الأحلام الأميركي: خبرة الشرق الأوسط وصعود دولة الأمن القومي” والذي نشرته جامعة هارفارد عام 2016. وبعد 7 أكتوبر الماضي، تعرض الأستاذ خليل للكثير من التنمر من جماعات ومنظمات يهودية بسبب موقفه المعادي للعدوان الإسرائيلي على غزة.

    وفيما يلي نص الحوار:

    كيف غيرت 7 أكتوبر سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط بشكل عام؟
    لم تؤثر 7 أكتوبر على الخطوط العريضة لسياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط. وبدلا من ذلك، أعادت قضية تقرير المصير الفلسطيني إلى الواجهة بعد أكثر من عقد من محاولة الولايات المتحدة وإسرائيل التقليل من شأنها أو رفضها تماما.

    وقد سبق أن أكدت إدارتا الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن على أولوية اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج العربي لاحتواء النفوذ الإيراني، وتقليص حقوق الفلسطينيين والحد من خياراتهم في أي مفاوضات مستقبلية. باختصار، سعت واشنطن إلى فرض حل على الفلسطينيين وحملهم على قبول الضم والفصل العنصري.

    وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، تعززت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل كبير لتصبح تحالفا إستراتيجيا. وقد ظهر هذا بشكل كامل منذ 7 أكتوبر 2023 حيث سارعت واشنطن إلى إرسال مساعدات عسكرية إلى المنطقة لدعم الحملة العسكرية الإسرائيلية.

    ويشمل ذلك أسطولا بحريا كبيرا وطائرات مراقبة ومقاتلات، وآلاف العسكريين والاستخباراتيين والقوات الخاصة. كما واصلت توفير كميات هائلة من الذخيرة مع حماية إسرائيل من أي عواقب لاستخدامها ضد أهداف مدنية. وتواصل واشنطن عرقلة أي تدابير لمحاسبة تل أبيب في الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية والعدل الدولية.

    في مايو 2024، أصدرت الجنائية الدولية مذكرات توقيف بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بالإضافة إلى شخصيات رئيسية في حركة المقاومة الإسلامية (حماس). ومع ذلك، انتهكت إدارة بايدن مذكرات المحكمة بالسماح لنتنياهو بزيارة واشنطن مرتين منذ ماي الماضي.

    كيف تفسر موقف الدول العربية تجاه ما تشهده المنطقة منذ السابع من أكتوبر الماضي؟

    يتضح من الرد غير الفعال من جانب الدول العربية الرائدة على الإبادة الجماعية في غزة، أن واشنطن وإسرائيل نجحتا في الحد من دعم الفلسطينيين منذ توقيع اتفاق أوسلو الأولي عام 1993.

    لم يؤد فشل الاتفاقات في إقامة دولة فلسطينية إلى دعم رسمي أكبر من الدول العربية. وبدلا من ذلك، أدت الحرب الأميركية على الإرهاب، والثورات العربية والمضادة، وقوة إيران الإقليمية المتزايدة، إلى عدم إعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية بالنسبة للحكومات العربية.

    وتعتمد تلك الدول المتحالفة مع واشنطن اعتمادا كبيرا على المساعدات العسكرية والاقتصادية والاستخباراتية الأميركية للحفاظ على حكمها، وكانت غير راغبة أو غير قادرة على التعبير عن أكثر من الإحباط من تجاهل الولايات المتحدة وإسرائيل لها.

    ولم تتغير هذه الديناميكية بحلول 7 أكتوبر. وفي الواقع، تأمل تلك الدول -بهدوء- أن يهزم الجيش الإسرائيلي بشكل حاسم حركة حماس وحزب الله وجماعة أنصار الله اليمنية، من أجل إظهار عدم جدوى المقاومة المسلحة، خاصة عندما تدعمها إيران.

    كيف فهمت نخبة السياسة الخارجية في واشنطن منطق حركة حماس في شن هجوم 7 أكتوبر؟

    لا تنظر نخب السياسة الخارجية في واشنطن إلى الفلسطينيين على أنهم بشر ويستحقون المساواة في الحقوق أو حتى ضرورة تمتعهم بحقوق الإنسان. لقد نظرت إلى هجمات 7 أكتوبر ضمن المنظور الضيق لـ”الإرهاب” و”الوحشية” التي تستلهمها من إيران، إن لم تكن موجهة منها.

    ويتجلى ذلك في المحاولات المتكررة للتقليل من شأن عدد القتلى الفلسطينيين في غزة أو رفضه. اقترنت التصريحات غير الإنسانية التي أدلى بها مسؤولو إدارة بايدن بتغطية إعلامية تنفي صفة الإنسانية عن الفلسطينيين وتعمل على إخفاء الكارثة الإنسانية التي تكشفت.

    وبدلا من ذلك، احتفظت واشنطن بتعاطف ساحق مع المحتجزين الإسرائيليين بينما تجاهلت الفلسطينيين الأميركيين المحاصرين في غزة أو الذين تعرضوا للتهديد أو القتل في الضفة الغربية من قبل المستوطنين أو الجنود الإسرائيليين. وقد ظهرت الآن ديناميكية مماثلة بالنسبة للأميركيين اللبنانيين وغيرهم من المواطنين الأميركيين في لبنان.

    كيف تتعامل واشنطن مع ارتفاع أعداد الضحايا الفلسطينيين والوضع الإنساني في غزة؟

    أدى القصف الإسرائيلي العشوائي على غزة إلى محو 902 أسرة فلسطينية بالكامل، و1.364 عائلة أصبح لديها فرد واحد فقط على قيد الحياة. وتيتم أكثر من 17 ألف طفل فلسطيني. ومن خلال المجاعة والمرض والنزوح، حذرت المنظمات الإنسانية من أن عدد الوفيات الفعلي من المرجح أن يكون أعلى بـ4 أو 5 مرات من العدد الحالي البالغ 41 ألفا و700 ضحية، وسيزداد مع اقتراب فصل الشتاء.

    وتم تهجير أكثر من مليون فلسطيني من بيوتهم، العديد منهم لعدة مرات خلال العام الماضي، ولم يتلق أكثر من 1.4 مليون شخص حصصا غذائية في سبتمبر. وقتلت إسرائيل الأطباء والممرضين والأساتذة والمعلمين وموظفي خدمات الطوارئ والصيادلة ومجموعة من المهنيين الآخرين. ودمرت البنية التحتية لغزة بقصف المستشفيات والمدارس والجامعات والعيادات والكنائس، والمساجد، والمكاتب الحكومية، والمخابز.

    ومع ذلك، رفضت إدارة بايدن ونخب السياسة الخارجية ما توصلت إليه العدل الدولية من وجود دلائل معقولة على ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، فضلا عن قرارات الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب. كما أنهم يرفضون النتائج التي توصلت إليها منظمات حقوق الإنسان بأن الاحتلال الإسرائيلي يفي بالتعريف القانوني للفصل العنصري.

    وبالتنسيق مع إسرائيل، سعت إدارة بايدن إلى تفكيك حماس ومعاقبة الفلسطينيين في غزة حتى يتخلوا عن الحركة أو يجبروها على الاستسلام.

    لم تكن المفاوضات التي شاركت فيها واشنطن منذ ديسمبر 2023 صادقة أو بحسن نية، ولكنها أجريت إلى حد كبير لأغراض سياسية محلية حيث أصبحت الحرب لا تحظى بشعبية متزايدة، خاصة مع الديمقراطيين والمستقلين. وإلا لكانت الإدارة الأميركية قد مارست ضغوطا كبيرة على إسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار.

    - إشهار -

    كيف ستغير نتيجة انتخابات 2024 الرئاسية سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل؟

    ستسهم الانتخابات في حدوث توافق أكبر بين واشنطن وتل أبيب. إذا فاز ترامب فيها، فإن إدارته ستعترف بضم إسرائيل للضفة الغربية وغزة. وإذا فازت منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، فإن سياسات الضم الإسرائيلية ستستمر مع القليل من الاعتراضات، إن وُجدت، من واشنطن، ولكن من المرجح أن يتم حجب الاعتراف الرسمي.

    سيحدث الضم والتهجير المستمر للفلسطينيين رغم وجود تحول في كيفية رؤية الأميركيين للقضية. هذا واضح بشكل خاص بين الأميركيين الأصغر سنا. وتؤيد غالبية الناخبين من مختلف الأطياف السياسية وقف إطلاق النار في غزة ويعارضون التصعيد أو الحرب الإقليمية، خاصة إذا كان ذلك ينطوي على تدخل أميركي مباشر.

    ومع ذلك، سيكون هناك انقسام متزايد بعد الانتخابات، خاصة بين قاعدة الحزب الديمقراطي ونخبته. وفي الوقت نفسه، سيكون الناخبون المستقلون والجمهوريون غير مرتاحين بشكل متزايد لاستمرار واشنطن في تحويل الأسلحة والأفراد والتمويل إلى إسرائيل في الوقت الذي تشن فيه حملة إقليمية بلا نهاية.

    كان أحد الأهداف الرئيسية لواشنطن بعد 7 أكتوبر هو منع أي توسع إقليمي للصراع، لماذا فشلت بهذه الصورة؟

    ادعت إدارة بايدن أن هدفها هو منع التوسع الإقليمي للصراع، لكن على النقيض ضمنت سياساتها حدوث ذلك. في الواقع، اقترن الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والدبلوماسي القوي لإسرائيل بمحاولات لتضليل الصحافة والجمهور الأميركيين حول الصراع الآخذ في الاتساع.

    وبدلا من العمل من أجل وقف إطلاق النار، خاصة بعد الهدنة الإنسانية وتبادل المحتجزين الإسرائيليين مقابل النساء والأطفال الفلسطينيين الأسرى في السجون الإسرائيلية، طالبت إدارة بايدن حماس بالاستسلام.

    زعمت واشنطن بشكل مخادع أن القتال بين حزب الله وإسرائيل، وكذلك استهداف أنصار الله للشحن في البحر الأحمر، لا علاقة له بالحرب في غزة. وبدلا من تحقيق وقف إطلاق النار، نشرت الإدارة سفنا بحرية في هذا البحر وشنت ضربات جوية غير فعالة ضد أنصار الله.

    وحتى بعد أن ثبت مرارا وتكرارا أن هذا لن يردع هجمات اليمن على السفن أو الهجمات الصاروخية على إسرائيل، فإن هذا لم يفرض تغييرا في سياسات واشنطن. وعلى الرغم من انهيار حركة المرور عبر البحر الأحمر وقناة السويس وإفلاس ميناء إيلات الإسرائيلي، تواصل واشنطن الاعتماد على رد عسكري غير فعال يتناسب مع جهودها الدبلوماسية غير المخلصة.

    لم تكن إدارة بايدن مستعدة لممارسة أي ضغط مستمر على إسرائيل لإنهاء حملتها العسكرية ولم توقف شحن المساعدات العسكرية إليها ولم تتوقف عن عرقلة العمل الدبلوماسي في الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار.

    وقد تكشفت ديناميكية مماثلة في لبنان. وقال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب مؤخرا لشبكة “سي إن إن” إن الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله وافق على وقف إطلاق النار لمدة 21 يوما. وبدلا من تنفيذ الاتفاق، اغتالت إسرائيل نصر الله وشنت غارات جوية واسعة النطاق في جميع أنحاء لبنان، فضلا عن محاولات توغل برية كجزء من جهودها الرامية إلى “التصعيد لتهدئة الصراع” مع الحزب.

    وبدلا من عرقلة التصعيد الإسرائيلي، تم اعتماده في واشنطن وتبريره من قبل إدارة بايدن. كل هذا كان يمكن تجنبه، وتتحمل الإدارة مسؤولية تصاعد الصراع وعدد القتلى، وغالبيتهم العظمى من المدنيين، بمن فيهم أكثر من 300 قُتلوا عندما اغتيل نصر الله.

    هل مثلت 7 أكتوبر أي فرصة للولايات المتحدة، إذا كان الأمر كذلك، فكيف؟

    شكلت هجمات 7 أكتوبر فرصة فورية لواشنطن للتدخل وحل القضية دبلوماسيا. وبدلا من ذلك، قدمت إدارة بايدن دعما صاخبا للعمل العسكري الإسرائيلي. لم يحضر الرئيس بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن اجتماعات مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي فحسب، بل سرعان ما منع بلينكن أي محاولات من قبل موظفي الوزارة للإشارة إلى وقف إطلاق النار أو خفض التصعيد.

    كما ضغط على الدول العربية لإدانة حماس وهجماتها ورفض طلباتهم بوقف إطلاق النار. ومنع بلينكن محاولات محاسبة إسرائيل على جرائم الحرب، بما في ذلك استخدام كميات كبيرة من الذخائر المتطورة ضد المدنيين، ومنع المساعدات الإنسانية، والتهجير القسري، والتعذيب.

    قبل 7 أكتوبر الماضي وبعده، سعى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرارا وتكرارا إلى استئناف المفاوضات مع إسرائيل. وقد أُحبطت هذه الجهود من قبل البيت الأبيض وبلينكن. في الربيع الماضي، قدم عباس خطة إلى بلينكن لاستئناف المفاوضات التي تؤدي إلى دولة فلسطينية في غضون 6 أشهر. وشمل ذلك نشر أجهزة أمنية فلسطينية في غزة مدعمة بقوة دولية بالإضافة إلى “إصلاحات” للسلطة الفلسطينية التي طالبت بها واشنطن.

    ورغم أن الاقتراح يتماشى مع التصريحات العلنية لإدارة بايدن حول دعم حل الدولتين وخطط “اليوم التالي” للحرب في غزة، فإن بلينكن رفضه. وبدلا من ذلك، زعمت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد مؤخرا أن الفلسطينيين ليسوا مستعدين لإقامة دولة.

    بينما كانت هناك دعوات متزايدة لوقف إطلاق النار في غزة ومنع نشوب صراع إقليمي، ركزت إدارة بايدن على اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية. لن يتحقق ذلك ما دام بايدن رئيسا، ومع تصاعد الصراع الإقليمي من غير المرجح أن ينتهي في المستقبل القريب.

    هل ما زلت تؤمن بحل الدولتين؟

    لم أؤمن بحل الدولتين منذ فترة. تعارض إسرائيل بشدة قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة. وهي ملتزمة بالفصل العنصري والتهجير. وهي والولايات المتحدة مهتمتان بالحفاظ على نظام فلسطيني عميل لديهما “تنسيق أمني” معه من أجل قمع الفلسطينيين تحت واجهة الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود على منطقة تتقلص بشكل متزايد.

    إذا استمر ضم إسرائيل بدعم من واشنطن كما هو متوقع، سيحتاج الفلسطينيون إلى الانخراط في نضال واسع النطاق من أجل الحقوق المدنية من أجل المساواة. وهذا من شأنه أن يكشف حقائق الفصل العنصري الإسرائيلي وسيجعل من الصعب بشكل متزايد على مؤيدي تل أبيب في واشنطن وأوروبا تبرير استمرار الدعم.

    وقد بدأت هذه العملية بالفعل وتسارعت وتيرتها بسبب الإبادة الجماعية في غزة والصراع الإقليمي الآخذ في الاتساع، والذي تم بثه على الهواء مباشرة ليشهده العالم.

    المصدر : الجزيرة

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد