وقفة لابد منها مع تصريحات بايتاس والجواهري حول واقعة “الهروب الكبير”
اعتبر والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، في معرض إجابته عن سؤال يتعلق بما عُرف إعلاميا بـ “الهروب الكبير” المرتبط بأحداث الفنيدق في 15 شتنبر الجاري، أن الأسباب المباشرة ترجع إلى ارتفاع مؤشر البطالة بين صفوف الشباب، وذلك خلال الندوة الصحفية التي أقيمت إثر انتهاء الاجتماع الفصلي لبنك المغرب، أول أمس الثلاثاء.
وقال الجواهري: “للأسف البطالة عند الشباب، نسبتها في الارتفاع”، مسجلا انتقالها من 46 إلى 48,8 في المائة، أي بزيادة 3 نقاط، غير أن الأمر “لا يخص المغرب لوحده، ويوجد بالعالم بأسره” على حد تعبيره.
وأضاف المسؤول البنكي الأول في المغرب، شارحا، أن أغلب مناصب الشغل التي تم فقدانها، ترتبط أساسا بقطاع الفلاحة، بسبب عامل الجفاف والظروف المناخية، وأن أغلب مناصب الشغل المفقودة طيلة السنوات الماضية تدخل ضمنه.
وواصل الجواهري تشديده، “رغم عمل القطاعات الأخرى، لكن ليس بالنسبة التي يمكنها تعويض ما ضاع في القطاع الفلاحي”، مشيدا بالنمو الذي تعرفه، واصفا إياه بالإيجابي.
كما وقف عند برنامجي “انطلاقة” و “فرصة” الحكوميين، “اللذين خصصا لهذا النوع من الشباب”، في إشارة منه للشباب الذين حاولوا اقتحام مدينة سبتة المحتلة، قائلا أن نتائجهما تحتاج إلى مدى طويل للظهور، مؤكدا على ضرورة مسايرة ومواكبة هذا النوع من البرامج، وعدم الاكتفاء بعملية التتبع فقط أثناء عملية الدراسة للمشاريع، وهو ما يتطلب جهدا ومواردا بشرية، وهو أمر غير سهل، لكن وجب الاهتمام بشبابنا، ولابد من مراعاته، وإن البطالة ممكن أن تمس أي أسرة مغربية، وفي هذا الصدد قام بالتذكير بقول الحكومة، بأنها ستضع ضمن سياستها قضية التشغيل.
وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، ضمن تصريح سابق، قد عبر عن أسفه لما وقع في محيط مدينة سبتة، معتبرا “ظاهرة الهجرة متواجدة في مختلف الدول”، وأن هذا الأمر “يتكرر في مجموعة كبيرة من الدول”، وقال: إن جهات غير معروفة، هي من قامت بتحريض الشباب على الهجرة الجماعية.
وفي قراءة لكلا التصريحين، يمكننا القول بأن تصريح والي بنك المغرب، كان من منطلق اقتصادي، غير أنه لم يسلم من عدم الوضوح الكافي، ومن منطق التبرير للحكومة.
وبالضبط حينما قال إن مؤشر البطالة يتصاعد في مختلف دول العالم، وليس فقط في المغرب، وهو يعرف يقينا أن الحديث عن البطالة ينبغي أن يوضع في سياقه، ولا يتم تناوله بمعزل عن الإجراءات العلاجية، التي تنفذها الحكومات قصد الحد من أثرها، ومنها التعويض عن البطالة، إذ أن مقارنة ارتفاع البطالة في المغرب بارتفاعها – على سبيل المثال – في فرنسا، هكذا دون استحضار الوضعية الاقتصادية للعاطلين، وما يتمتعون به من تعويض مالي وامتيازات أخرى، لا يستقيم، ويعتبر قياسا مع الفارق.
كما يعاب على الجواهري اقتصاره على ذكر مناصب الشغل المفقودة بسبب الجفاف، الذي صرح أنه ظاهرة مناخية، الأمر الذي يُفهم منه ضمنيا أن الحكومة غير مسؤولة عن ذلك.
غير أن تصريح والي بنك المغرب، يبقى تصريحا يحمل من الواقعية الشيء الكثير، على خلاف تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة، الذي اعتبر أن الهجرة متواجدة في مختلف مناطق العالم، وأن ما وقع في محيط سبتة، يتكرر في مجموعة كبيرة من الدول، دون ذكر أي مثال، ولو بشكل ضمني، ربما لكي لا يواجه بأن تلك الدول، التي تشهد ما يشبه حدث يوم 15 شتنبر، تعيش حالة حروب و اضطرابات شديدة، بينما المغرب يعيش حالة استقرار، وتشتغل مؤسساته بشكل طبيعي.
وبخصوص حديث بايتاس على أن الشباب محرضون، فهذا الأمر يسائل الحكومة، ويجعلها موضع محاسبة حول جهودها في تنمية و توعية الشباب، الذين يعتبرون قاعدة الهرم السكاني، ومستقبل البلاد، وإذ كيف استطاع من حرضهم القيام بذلك، إن لم تكن الحكومة فاشلة في القيام بمهامها، أو على الأقل فاشلة في إقناع شباب بلدها بأفضلية البقاء فيه على هجرته بتلك الطريقة.