للمنصوري أقول: نعم أعني بـ”الفوق” فؤاد عالي الهمة وصِفتُك بالحزب: “ثلث أمين عام”
لم يكتمل النِصاب القانوني لنقول إن القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة نظمت “جامعة صيفية” ناجحة بغياب أحد العناصر الثلاثة، التي تعطي الشرعية لهذه القيادة، كي تسيّر مؤسسات الحزب، مما يجعل باطلاً العديد من القرارات التي قد تؤخذ في هذه الأيام بذريعة تسيير الحزب من طرف “الشريفة” فاطمة الزهراء المنصوري “بنت الصالحين”، التي أصبحت تُطلق على نفسها، في احتيال على قوانين الحزب، صفة “المنسقة الوطنية” للقيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، في حين أنها فقط عضوة القيادة الثلاثية، بعدما ارتأى صلاح الدين أبو الغالي والمهدي بنسعيد أن يجعلا منها منسقة مع المؤسسات الخارجية، تبلّغهم ما قررته جماعياً هذه القيادة الثلاثية، تنفيذا لما تم التداول عليه في المكتب السياسي للحزب، الذي فقد بدوره النّصاب القانوني بتغييب أبو الغالي من تلك القيادة الجماعية.
غاب أيضا النصاب الأخلاقي بإبعاد صلاح الدين أبو الغالي رغم تدارك المكتب السياسي للخطأ القانوني الجسيم المتمثل في تجميد عضويته من القيادة الجماعية، في حين عضويته أكبر من المكتب السياسي، لأن برلمان الحزب هو الذي انتخبه، الأمر الذي يُبطل كل اجتماعات وقرارات الحزب، فكان حرياً بعد هذا التراجع أن يكون صلاح الدين أبو الغالي حاضراً في ذلك اللقاء ليرد على لغة الخشب التي استعملتها عضوة القيادة الجماعية، وهي تخاطب شبابا من جيل ولي العهد الأمير مولاي الحسن، الذي بدت معالم حكمه تظهر من اليوم.
تغييب فاطمة الزهراء المنصوري لأبو الغالي من حضور الجامعة الصيفية يعبر عن مدى خوفها وتستّرها وهروبها من الجواب عن الأسئلة الحقيقية، التي كان لابد أن تُطرح عليها وعلى المكتب السياسي ولجنة الاخلاقيات للجواب على الاتهامات الخطيرة وعلى الحقائق الفادحة، التي كالتها لها ولهم بيانات صلاح الدين أبو الغالي الجريئة، وحوارات أحمد الوهابي النارية، التي أجراها مع الزميل حميد المهداوي.
خطورة هذه الأفعال الحزبية المهزوزة تعبر عنها اليوم الفيديوهات، التي توثّق لتدخّلات فاطمة الزهراء المنصوري، يوم الجمعة 20 شتنبر 2024، بمناسبة انعقاد الجامعة الصيفية بمدينة بوزنيقة، والتي من المؤكد أنها ستكون صدمت المغاربة، الذين تفاجأوا بعنجهية هذا “الثلث من القيادة”، وهي تُظهر لهم قدرا “طاغيا” من الاستكبار والعجرفة… فقد ظهرت “الشريفة”، التي تحدثت في كل شيء دون أن تقول شيئا مما كان يجب أن يُقال، وهي ترتدي “الدجين”، وتتحدّث بحركات عجيبة بيديها وأصابعها وعينيها وملامحها، في حركات “تمثيلية” ستصل إلى أوجها بتحدّي الحضور، ومعهم الرأي العام، بوضع رِجل على رِجل، بطريقة لا يستسيغها إن لم نقل يكرهها المغاربة.
وفضلا عن ذلك، فقد أحبطت “الشريفة” الرأي العام، وقبله شباب الحزب الحاضر بالجامعة الصيفية، الذي تفاجأ بها تقول له إنها “مسلمة” و”بنت الصالحين”، في الوقت الذي كان الجميع يريد معرفة علاقتها بمخطط زوجها المتهم بالتورط في أخطر قضية محاولة نهب 1186 هكتارا من أراضي وممتلكات جماعة ترابية، بدواويرها وسكانها وبيوتها السكنية وفيلاتها ومتاجرها وإداراتها! هذه القضية، وهي قضية فساد فاضح، هي التي كان الرأي العام ينتظر من “الشريفة” أن تخرج من “رونضتها” وتقدم البيانات اللازمة حول ما يروج من شكوك في ذمتها، بحكم رابط الزوجية مع شخص تتوجّه له هذه الأيام أصابع الاتهام في مجموعة من القضايا الخطيرة، التي تستهدف ممتلكات جماعة بكاملها ومصالح سكانها، وأن تفصح عن موقفها من المعادلة: مصالح زوجها الخاصة ومصالح السكان بجماعتهم وبرئيسها أحمد الوهّابي ومستشاريها…
عوض ذلك، اختارت “الشريفة” اللعب بالكلمات والحركات والإشارات في تعبيرات بوليميكية مكشوفة عند الجواب حول سؤال يتعلّق بمن يثيرون مسألة استقوائها بـ”الفوق”، وهي مسألة جوهرية لا يجب الاستهتار بخطورتها، لأنها هي بيت القصيد في العديد من الممارسات والسياسات والعلاقات والقرارات، التي دفعت “الشريفة” إلى موقف متهوّر عن طريق الطعن في ذمة كل من يثير هذه القضية، وهي إشارة واضحة إلى الدرك السحيق، الذي انهارت إليه ممارسة صيغة من العمل السياسي تستهدف استئصال أي فعل ديمقراطي وأي احترام للرأي المخالف، إذ قالت بالحرف: “هاذو اللي كيكتبوا هاذ الشي (تقصد الاستقواء بالفوق)، ما عندهم تا شي شرعية، ما مصوّت عليهم شعب، ما معيّنهم ملك”، لنتصور ونتأمل ونتدبّر “زعامة حزبية” كل ما تجده لمناقشة المخالفين هو “تجريدهم من الشرعية”، دون أن يعرف أحد ماذا ومن تقصد، هل تقصد كل مغربية ومغربي لم يترشح للانتخابات ولم يعيّنه الملك، أي الطعن في أكثر من 99 في المائة من الشعب المغربي، فهل تريد أن تقول إننا، نحن الشعب، لسنا مغاربة وعديمي الشرعية؟!!
“الشريفة” ستمارس، في جوابها، كذلك، نوعا من “الطنز” المراكشي، لتقول حرفيا: “إلى قصْدوا بالفوق سيدي ربّي، كنتبنّاه، أنا كنآمن بالله، ومومنة ومسلمة ومربية ولادي بدين الإسلام وبنت الصالحين”. سنتجاوز، جدلا، مسألة إقحام الدين في السياسة، التي ظل البام يواجه بها خصمه اللدود البيجيدي، لنطرح عليها الأسئلة الأساسية: هل المؤمن بالله يظلم الناس، هل المؤمن بالله يستهدف المخالفين بالإقصاء والإبعاد بتجميد العضوية وحتى الطرد والتشهير والمس بالسمعة؟ وهل الإيمان بالله يكون بالاستئساد والاستقواء والتعالي على الناس بـ”بنت الصالحين”؟ مُخجل مثل هذا الكلام!
ثم تنتقل “الشريفة”، في نفس جوابها، إلى التدرّج في بلوغ مبتغاها، بالقول: “إلى كانوا كيقصدوا بالفوق الملك، صاحب الجلالة، كنتبنّاه، وكنتبنّى الخطابات والرسائل ديالو”، والحال أنه عوض مثل هذه “الهضرة” الحزبية، التي باتت رتيبة، عن التوجيهات الملكية، كان الأحرى هو تقديم البيانات والمعطيات، التي ساهمت بها باعتبارها “المنسقة الوطنية” للأمانة العامة الثلاثية، في تنزيل الخطابات والرسائل الملكية، ولعلّ أبرزها إذا أردنا التخصيص، هي تلك الرسائل السياسية التي وردت في برقية التهنئة، التي بعثها الجالس على العرش، إلى القيادة الثلاثية، التي ذكر أعضاءها الثلاثة بالأسماء، واعتبرها صيغة “تهدف إلى إرساء حكامة تنظيمية، وإلى أداء الأدوار المخوّلة دستوريا للأحزاب السياسية بشكل متجدد، وإلى ترسيخ مكانته ضمن الأحزاب الجادة المنخرطة في المشروع الديمقراطي والتنموي الوطني”.
فهل ما يجري حاليا في البام، في ظل “الهيمنة” الطاغية لـ”منسقة” القيادة الجماعية، له علاقة بالحكامة التنظيمية؟ وهل الدعوة الملكية إلى أداء دور الحزب الدستوري بشكل متجدّد، صرّفته “المنسقة” في أغرب وأخطر تجديد، ليكون الجديد هو إقحام الحزب في خلاف تجاري خاص واستعمال كل الوسائل بما في ذلك ضجيج التشهير في حالة صلاح الدين أبو الغالي والصمت المطبق في حالة نبيل بركة؟ وهل بهذه الفضائح التي تصل أحيانا إلى حد المسخرة تستحضر “المنسّقة” الإرادة الملكية في ترسيخ مكانة البام ضمن الأحزاب الجادة؟!
وأخيرا، وفي الذروة، التي ليس ما سبق إلا “تفريشة” لها، ستُوجّه “الشريفة”، في نفس جوابها، تحدّيا مباشرا إلى أولئك الذين يشيرون إلى قيامها بالاستقواء بـ”الفوق”، بالقول حرفيا: “إلى كانوا كيقصدوا بالفوق شي آخر، يقولوه لينا، وتكون عندهم الجرأة”! بالنسبةلي، شخصيا، لدي دائما ما يكفي من الجرأة لأسمي الأشياء بمسمّياتها. وإذا كانت “الشريفة” اختارت هذا الأسلوب التناوري المكشوف في التهرّب، أو بالأحرى في ممارسة “الهروب السياسي الكبير”، فإنني أجيبها بشكل واضح ومباشر دون لفّ ولا دوران لأقول لها: إن المقصود بـ”الفوق” تحديدا هو المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، الذي تستعمل “المنسقة” بشأنه إشارات، أحيانا غامضة وأخرى واضحة، للإيحاء بقربها منه ولقاءاتها معه وكأنه مازال في موقع حزبي، وعلى هذا الأساس يتعامل معها الآخرون، ليسوا داخل الحزب فحسب، بل حتى خارجه، وعندما رحلت الحكومة المغربية من الرباط إلى مراكش وفي المقدمة رئيسها عزيز أخنوش، ومثله عشرات المسؤولين والشخصيات الوازنة، للمشاركة في تشييع جنازة المرحومة الفاضلة والدة فاطمة الزهراء المنصوري، لم يُخف العديد من الفاعلين السياسيين والمدنيين أن الأساس في هذا “الحجيج إلى مراكش” هو عندما قام الهمة، في إطار واجب إنساني، بزيارة للمنصوري لتقديم العزاء في وفاة والدتها، وأعتقد أن هذه هي نقطة التحوّل في سلوك “الشريفة”، حتى أن كثيرين روّجوا، من يومها، أنها ستكون هي رئيسة الحكومة الموعودة…
هذه المسألة هي ما كان الرأي العام ينتظر من خرجة المنصوري أن تتطرّق إليها، نظرا لخطورتها القصوى، لأن القضية المثارة حول “الفوق” تتضمّن مسّا صريحا بالمؤسسة الملكية، من خلال محاولة إقحام مستشار ملكي اسمه فؤاد عالي الهمة في ممارسات سياسية لفاعلة حزبية اسمها فاطمة الزهراء المنصوري…
والحال أن الهمة غادر أولا سفينة حزب الأصالة والمعاصرة، الذي اعتبر، في رسالة استقالته، أن البام بات مُخترقا بـ”انحرافات كثيرة”، قبل أن يلتحق بالديوان الملكي، عندما كرّمه الملك محمد السادس وعيّنه مستشارا له، حيث انتفت كل علاقة له مع البام إلا من زاوية وظيفته السامية، التي تضع جميع مكونات الحقل الحزبي المغربي على كفّة واحدة… حتى أن القصر، في حالة مماثلة ومعروفة، تدخّل بحزم مبنيّ على مقتضيات الدستور والقوانين، التي تؤطر العلاقة بين المؤسسة الملكية، وجميع المؤسسات والهيئات الوطنية، بما فيها الأحزاب السياسية، ليشدّد على أن فؤاد عالي الهمة هو “مستشار لجلالة الملك حاليا، ولم تعد تربطه أي علاقة بالعمل الحزبي”، وليؤكد أن “مستشاري صاحب الجلالة لا يتصرفون إلا في إطار مهامهم، وبتعليمات سامية محددة وصريحة من جلالة الملك”.
هذه هي الإشكالية، التي يطرحها العديد من الفاعلين السياسيين والمدنيين والإعلاميين، والتي من شأنها أن تُلحق أضرارا بالممارسة السياسية وبالعلاقات بين المؤسسة الملكية وباقي المؤسسات الدستورية، الأمر الذي يضع فاطمة الزهراء المنصوري في قفص الاتهام، خصوصا وهي تختار سبيل “الطنز” عوض مكاشفة الرأي العام، عمّا يروج حولها هي شخصيا، وحول حزبها، وحول القيادات الملتفّة حولها، من اتهامات مباشرة بالفساد (؟!)، ولعلّها صدفة مثيرة أنه في الوقت الذي تجمع فاطمة الزهراء المنصوري عضوات وأعضاء البام في بوزنيقة، يجتمع حماة العدل، المحاميات والمحامين المغاربة، الذين حجّوا من كل مناطق المغرب إلى الرباط، مساء يوم أمس السبت 21 شتنبر 2024، للاحتجاج على مشاريع قوانين عبد اللطيف وهبي، التي هي مشاريع للبام، زكّتها ودافعت عنها “المنسقة” فاطمة الزهراء المنصوري، التي هي أيضا محامية، ويا للمفارقة، باعتبارها مشاريع فاسدة، وتحمي الفاسدين والمفسدين… إلى الحد الذي استنفرت مشاريع وهبي والمنصوري السواد الأعظم من المغاربة، تتقدّمهم 17 هيئة محاماة، معزّزة بإطارات مهنية وهيئات سياسية ومنظمات المجتمع المدني والحقوقي والنقابي، للتنديد بمشاريع تلحق أفدح الأضرار بمهنة المحاماة، وتوفّر غطاءات قانونية لشرعنة الإثراء اللامشروع، ولتحصين الفساد، ولحماية المفسدين، وكلهم، كل المغاربة إلا حفنة من الفاسدين، عازمون على مواصلة النضال من أجل إسقاط مقتضيات مشروع قانون المسطرة المدنية ومشروع قانون المسطرة الجنائية والقوانين المنظمة للمهنة، وبالتبعية، سيكون إسقاط هذه المشاريع إسقاطا لوهبي وللمنصوري ولحفنة المريدين، حيث لن يبقى لها غير “الطنز”، الذي ألحقت به أيما إساءة لـ”تمراكشيت” ولـ”تمغربيت”…
يتبع…