أزمة طلبة الطب.. مسار من التصعيد


رغم أن ورش التغطية الصحية والاجتماعية يحظى بالعناية الملكية، وينتظره المغاربة من سنوات طوال، ولاسيما الطبقة الهشة في المجتمع، وبعد إن استبشروا ببداية تنزيله على أرض الواقع، وتنفسوا الصعداء، دخل عبد اللطيف ميراوي وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بحكومة عزيز أخنوش، في أزمة حادة مع طلبة الطب، الأمر الذي يهدد بفقدان دفعة من الأطباء، وخسارة كبرى للقطاع الصحي، الذي يعد ركيزة أساسية لأي مشروع للتغطية الصحية، حيث يعاني من خصاص يبلغ 34 ألف طبيب.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    وبالعودة إلى مسار الأزمة، سنجد أنها قد مرت بعدة محطات، ولعل من أبرزها :

    ● بداية الأزمة

    كانت بداية الأزمة حينما أعلن طلبة الطب قبل 9 أشهر عن إضراب قاطعوا خلاله الدروس النظرية والتطبيقية، لأيام متفرقة من بداية الموسم الدراسي 2022/2023، وبناء على بلاغ اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة، فإن هذا القرار جاء على خلفية عدم تنفيذ وزارتي التعليم العالي والصحة وعودهما، و ردا على عدم إشراك الطلبة من الوزارتين في اتخاذ القرارات التي تخصهم.
    وقد كان قرار تقليص سنوات الدراسة من سبع إلى ستِ سنواتٍ، من أبرز تلك القرارات التي رفضها الطلبة بقوة، بحجة حقهم في جودة تكوينٍ يرقى لتطلعاتهم وتطلعات المواطن المغربي، إلى جانب مطالب أخرى من بينها ما يتعلق بالتعويضات عن المهام، وضمان حقهم في الاستفادة من التغطية الصحية، والحماية من حوادث الشغل والأمراض المهنية، و هيكلة الشق التطبيقي للتكوين…

    ● الإنزال الوطني الأول أمام البرلمان بالرباط الخميس 7 دجنبر 2023

    بدعوة من اللجنة الوطنية لطلبة الطب، نُظم يوم الخميس 7 دجنبر 2023 بالعاصمة الرباط مظاهرة وطنية، مصحوبة بإضراب وطني شامل عن الدروس النظرية والتطبيقية و التداريب الاستشفائية والمداومات الليلية والنهارية يومي الخميس والجمعة 7 و 8 من نفس الشهر، من أجل الضغط على الوزارتين ودفعهما للرد على مطالبهم بشكل واضح، غير أن كل ذلك في رأي الطلبة كان دون جدوى، و أن الوزارتين تمارسان سياسة الآذان الصماء، الأمر الذي دفعهم إلى الدخول في إضراب مفتوح.

    ● إضراب شامل ومفتوح ومقاطعة الامتحانات 16 دجنبر 2023

    ابتداء من يوم السبت 16 دجنبر 2023، قرر طلبة الطب الدخول في إضراب شامل ومفتوح عن التداريب الاستشفائية والدروس النظرية والتطبيقية، مع مقاطعة جميع الامتحانات، وحملوا الوزارتين المسؤولية التامة عن كل أشكال التصعيد والشلل الذي طال كليات الطب والمستشفيات التابعة لها.

    ● الإنزال الوطني الثاني أمام البرلمان بالرباط 19 يناير 2024

    بعد مرور أكثر من شهر من مقاطعة الدروس والامتحانات، وكذا التداريب الاستشفائية عاد الطلبة إلى الشارع بسبب عدم وجود أي جواب مرضي ومقنع من الوزارتين كما صرحوا حينها، منظمين مظاهرة وطنية للمرة الثانية أمام البرلمان يوم الجمعة 19 يناير 2024 ،متهمين السلطات بمنعها والتضيق عليها، رغم وضع بلاغ تنظيمها لدى السلطات 72 ساعة قبل وقوعها، وقد عرفت مشاركة عدد كبير من الطلبة من كافة مناطق المغرب.

    ● الإنزال الوطني الثالث أمام البرلمان بالرباط 29 فبراير 2024

    ورغم كل “التضيقات” و”منع التنقل”، بناء على تصريحات الطلبة، حج إلى العاصمة الرباط الطلبة رفقة أولياء أمورهم ، يوم الخميس 29 فبراير 2024، بعد أزيد من شهرين و نصف من مقاطعة الدروس والامتحانات وكذا التداريب الاستشفائية في كليات الطب والصيدلة، ردا على تصريح وزيري الصحة والتعليم العالي اللذان أعلنا في ندوة صحفية عن التشبث بقرار تقليص سنوات التكوين، الذي وصفه زميل عبد اللطيف ميراوي في الحكومة، وزير الصحة خالد آيت الطالب بالقرار السيادي، مشددا أنه لا رجعة فيه، متهما الطلبة بشكل مبطن بالرغبة في الهجرة قائلا : الدولة تكون 1600 طبيب كل سنة، يهاجر منهم 600 كل عام، ولا يمكن السكوت عن هذا الوضع.

    كما أعلنا عن البدء في اجراءات “زجرية” ضد الطلبة المضربين كمنح نقطة الصفر لمقاطعي الامتحانات، وكذا تصريح وزير التعليم العالي الذي يفيد أن الطلبة “محرضون” من أفراد أو أقليات معينة و”مرغمون” على الخوض في هذه المقاطعة دون رضاهم تحت ظروف ترهيب وتخويف تمارس عليهم من طرف زملائهم.

    - إشهار -

    ● حل مكاتب الطلبة و توقيف ممثليهم ابتداء من 19 مارس 2024

    قررت عميدة كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء : ابتداء من 19 مارس 2024 حل جميع مكاتب الطلبة، وحظر أنشطتها، نفس الشيء حصل بجامعة محمد الخامس بالرباط، ولم تكتف إدارات الجامعات بذلك بل بدأت في مسلسل التوقيفات، والتهديد باعتبار الطلبة المقاطعين للامتحانات راسبين، ليتأزم الوضع أكثر، ويزيد الطلبة من تشبتهم بمواقفهم، ويبدعوا أشكالا احتجاجية متنوعة مثل وقفات الشموع، ويدخلوا في مسلسل طويل من مقاطعة الامتحانات التي تدعوهم الحكومة لاجتيازها.

    ● مسيرة الغضب 16 يوليوز 2024

    تظاهر طلبة الطب يوم الثلاثاء 16 يوليوز 2024 أمام البرلمان في وقفة احتجاجية، بعد منع السلطات “مسيرة الغضب” الوطنية التي كان مقررا تنظيمها في نفس اليوم، وجاء التظاهر في سياق الرد على دعوات وزير التعليم العالي لهم لاجتياز الامتحانات، ومن أجل التأكيد على مطالب الطلبة التي لم تتغير منذ بداية الأزمة.

    ● تفاعل الحكومة

    قال مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة، يوم الخميس 18 يوليوز 2024، خلال حديثه في الندوة الصحفية الأسبوعية، بعد انتهاء أشغال الحكومة، “أنها تفاعلت بشكل إيجابي وبحسن نية مع أزمة طلبة الطب، وتجاوبت مع مختلف النقاط المدرجة على طاولة الحوار، وأضاف، “لا أعتقد أن الحكومة قصرت بل بالعكس”، وكان عبد اللطيف ميراوي وزير التعليم العالي قد صرح، أمام مجلس المستشارين الثلاثاء 16 يوليوز 2024، أن الحكومة تجاوبت بشكل إيجابي مع مطالب طلبة الطب، وبأنها قد عقدت معهم منذ شهر فبراير 2024 ما يصل إلى 14 اجتماعا كان بعضها ليلا، غير أن الحكومة تتفاجأ بعد عودة لجنة طلبة الطب للجموع العامة، بتغيير موقفها ورفض العرض الحكومي.

    ● مقاطعة الامتحانات لخمسِ مرات متوالية

    في إطار الإضراب المفتوح، قاطع طلبة الطب امتحانات الدورة الخريفية، و الدورة الربيعية، للمرة الرابعة، وذلك ردا على ما وصفوه بـ “القرارات التعسفية” التي لم يتم التراجع عنها، منتقدين قول الحكومة بأنه سيتم التراجع عن القرارات بعد اجتياز الامتحانات، ومن آخر محطات تلك المقاطعة : مقاطعة أغلب طلبة الطب، امتحانات الخميس 5 شتنبر 2024 وهي المرة الخامسة، في تعبيرٍ عن إصرارهم على مطالبهم، معلنين أنهم “إذا خيروا بين السنة البيضاء وبين القبول بما قدمته الحكومة فإنهم سيختارون السنة البيضاء دون تردد”، مشددين على أن “المطالب المشروعة والعادلة التي حملتهم على مقاطعة المحطات السابقة (من الامتحانات) ما تزال عالقة”، فيما لجأت كليات الطب إلى الامتناع عن تقديم شهادات التسجيل للطلبة، مطالبة إياهم باجتياز الامتحان أولا، الأمر الذي يهددهم بفقدان الاستفادة من الأحياء الجامعية.

    ورغم كل الاجتماعات بين لجنة الطلبة ووزيري التعليم العالي والصحة، وعقد مجموعة من الكليات لقاءات مع أولياء أمورهم، قصد خلق مجموعة عمل تشكل جهة ثالثة بين الطلبة والإدارة، وعدة محاولات وساطة قامت بها مجموعة من الأحزاب في المعارضة وحتى الأغلبية، لم يصل ملف طلبة الطب إلى مرحلة الحل، وبعد انصرام 9 أشهر قضاها الطلبة في أشكال احتجاجية متنوعة، طرقوا بوابة وسيط المملكة، وتعتبر مؤسسة وسيط المملكة طبقا للفصل 162 “مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية”. وفي بلاغ للجنة الطلبة، قالوا فيه “إن ممثلين عن شعبتي الطب والصيدلة عقدوا اجتماعا مع وسيط المملكة ، تم فيه بسط وتفصيل مختلف نقاط ملفنا المطلبي، وتصحيح المغالطات التي يتم الترويج لها بخصوص ملفنا، مع التطرق لسردية الأحداث والسياق الذي جاءت فيه المقاطعة، وكذا الأسباب التي أسهمت في تأجج الأوضاع واستفحال الأزمة”.

    وفي انتظار مخرجات اجتماعات وسيط المملكة مع أطراف الأزمة، وقبيلَ تنظيم نقابة الأساتذة ندوة صحفية، لتوضيح وجهة نظرها في الملف، وجهت اللجنة الوطنية لطلبة الطب، مساء الخميس 12 شتنبر الجاري، نداء لأساتذتهم، حمل الكثير من الآمال والرجاء، وختموه بجملة : “نحن أبناؤكم وبناتكم، فلا تخذلونا”.

    …فهل سيستطيع وسيط المملكة محمد بنعليلو، وباقي الجهود…، حلحلة الأزمة التي مازالت – منذ 9 أشهر – تراوح مكانها، وإعادة طلبة الطب إلى مقاعد التحصيل العلمي، وإنهاء أزمة تهدد الآلاف منهم بضياع سنة من مسارهم الأكاديمي ! وينقذ حكومة أخنوش من ورطة أساءت لتدبيرها، و شككت في انسجام وزراءها !؟

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد