السياسة.. الديمقراطية.. الاحصاء
ما الذي يربط الديمقراطية والسياسة بالاحصاء؟.
هل الاحصاء لحظة تقنية صرفة أم أنه لحظة سوسيولوجية وسياسية وثقافية خاصة؟.
لماذا يهتم السياسيون بالانتخابات، ولا يهتمون بنفس القدر بمعايير الاحصاء ووظائفه ورهاناته؟.
فاذا كانت الديمقراطية تعبيرا مباشرا عن ارادة الشعب في اختيار مؤسساته ( على الأقل على المستوى النظري)، بما يعنيه ذلك من تعبير ارادي يمر عبر أدوات الاقتراع المباشر أو غير المباشر، فإن السياسة هي الوعاء الذي يحتضن هذه العملية من خلال مختلف التعبيرات التي تؤطر هذه العملية، وتشارك فيها، بشكل مباشر أو غير مباشر.
لكن لماذا يظل الاحصاء بعيدا عن اهتمامات الفاعل السياسي؟ ولماذا تظل هذه العملية مسألة ادارية بعيدة عن أجندة الديمقراطية في أبعادها المختلفة، على الرغم من كون الاحصاء هو القاعدة البيانية الجوهرية في تجميع واستقراء وتقييم المعطيات ذات الصلة بالأحوال الراهنة والمستقبلية للبلاد؟.
نعم، لقد ظلت العمليات الاحصائية (لأسباب تاريخية) موكولة للادارة في ترتيب مجرياتها ونتائجها. ولم يقترب الفاعل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمدني من مضمون هذه العمليات ولم يتطلع يوما الى المشاركة في تحضيرها أو الاسهام فيها طالما أن التقاليد الموروثة عن هذه العملية اقتضت أن يظل الفاعل السياسي متفرجا على مجريات هذه العملية، متطلعا ( في أحسن الأحوال) الى معرفة كم نحن؟ وكم أصبح عدد المغاربة بعد عشر سنوات عن اخر احصاء؟.
إن الاسهام في عملية الاحصاء لا يعني بالضرورة المشاركة الميدانية في انجاز هذا الورش الوطني، بل يعني ( من ضمن ما يعنيه) المشاركة على الأقل في النقاش العمومي بشأنها، واثارة مختلف الأسئلة والقضايا المرتبطة بها. فكيف تهتم النخبة الحزبية بالانتخابات ولا تهتم بالاحصاء؟.
ألا تهتم النخبة السياسة بقضايا السكن؟
ألاتهتم بقضايا الماء والكهرباء؟
ألا تهتم بوضعية النساء والشباب؟
ألا تتهم بأحوال الأاشخاص في وضعية اعاقة؟
الا تهتم بأسئلة الأمن الغذائي؟
الا تهتم بوضعية الشغل؟
الا تهتم بأحوال الأسرة المغربية؟…..الخ….
انها أسئلة كثيرة تشكل الأرضية لمعرفة أحوال المغرب والمغاربة. لكن هل يمكن للسياسة وللديمقراطية أن ينجزا وظائفهما الكبرى في المجتمع دون الاهتمام بمؤشرات تجميع المعطيات، وقياس الاحصاءات، وتقييم البيانات…؟
قد يقول قائل، ان السياسي لا يهتم الا بأصوات الناس، وبحسابات العمليات الانتخابية، وأن العملية الديمقراطية هي محصلة هذا الوعي السائد في نهاية المطاف.
غير أن هذا الادعاء ( وهو من صميم الواقع مع الأسف) بقدر ما يفسر تخلف النخبة السياسية عن أداء وظائفها الحقيقية، بقدر ما يفسر انتظاريتها القاتلة، وتحولها الى نخبة لاصدار بيانات المباركة والتصفيق.
ان انحراف النقاش العمومي بشأن الاحصاء العام للسكان والسكنى، مرده في المقام الأول فراغ المشهد السياسي والاعلامي، وتخلف الفاعلين عن أداء أدوارهم المفترضة .
ان الديمقراطية والسياسة ( بمعناها العملي) لا ينفصلان عن معرفة أحوال الناس. بل وحتى بالمعنى النظري ( وفي مختلف حقول المعرفة) لا يمكن للسياسة أن تنجز مهامها دون نقاش عمومي ، وهو من صميم الديمقراطية، ومن مرتكزاتها.