أربع ضربات موجعة في انتظار الخامسة لتشييع المحاماة


في خمس سنوات فقط ، أربع ضربات موجعة لمهنة المحاماة، في انتظار الخامسة لتشييع المحاماة إلى مثواها الأخير:

تلقت مهنة المحاماة في الخمس سنوات الأخيرة اختبارات صعبة نتيجة توالي الضربات من طرف عدد من مؤسسات الدولة. لكن و رغم ذلك استطاعت المهنة بفضل مقاومتها الشرسة أحيانا و المعتدلة أحيانا أخرى الخروج إما منتصرة أو بأقل الخسائر. و قد تجسدت هاته الضربات فيما يلي:

– الضربة الأولى:الرفع المجنون من أعداد الناجحين في كل امتحان للحصول على شهادة الأهلية لمزاولة المهنة. فبعدما كان عدد الناجحين يصل بالكاد إلى الألف وافد جديد في كل امتحان، أصبح العدد الآن لا يقل عن أربعة آلاف. ففي فوج 2019 وصل العدد إلى 4700 و في فوجي 2023 وصل العدد إلى أكثر 4600. أي أنه في أربع سنوات فقط التحق حوالي 9300 محام و محامية أي ما يوازي العدد الذي استقبلته المحاماة على مدى أكثر من 60 سنة. و هو ما أظهر عجزا كبيرا لدى الهيئات في توفير بنية استقبال لائقة و في التكوين و التأطير و المراقبة بالنظر لضعف الإمكانيات المادية و البشرية للنهوض بهذا الدور الذي كان إلى أقرب وقت ميسرا. و قد شكل هذا الارتفاع الصاروخي في أعداد الملتحقين بالمهنة تحديات كبرى في فرص العمل المتاحة أمام المحامين و ينتظر أن تظهر آثاره السلبية أكثر في المستقبل القريب .

-الضربة الثانية: شكلت الدورية الثلاثية الموقعة بين وزير العدل و رئيس النيابة العامة و الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في دجنبر 2021 التي تم بموجبها منع المحامين من ولوج المحاكم إلا بعد الإدلاء بجواز التلقيح اختبارا حقيقيا لمدى صلابة الجسم المهني للمحاماة. حيث أظهر المحامون و المحاميات عبر ربوع الوطن قوة و شموخ مهنة المحاماة و اختاروا المرابطة أمام أبواب محاكم المملكة حاملين الشعارات المنددة بهذا القرار الجائر لمدة خمسة عشر يوما كاملة على أن يدخلوا صاغرين مطأطئي الرؤوس أمام موقعي الدورية الثلاثية. و هو ما اضطر هؤلاء إلى التراجع عن مضمون دوريتهم و السماح للمحامين بولوج المحاكم دون قيود. و هي النتيجة التي لم يتم هضمها فكان لها ما بعدها.

-الضربة الثالثة:شكلت هجمة إدارة الضرائب من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2023 ثالث أقوى الضربات و التي كان هدفها محاولة تفقير المحامين و العصف بمهنة المحاماة لولا يقظة المحامين و تضحياتهم التي استمرت حوالي شهر و نصف من التوقف التام و المستمر عن العمل. مما اضطرت معه وزارة المالية بعد شد و جذب إلى التراجع عن مجموعة من المقتضيات الضريبية المجحفة في حق المحامين و المحاماة ليتم الخروج بأقل الخسائر.

-الضربة الرابعة: صادق مجلس النواب يوم الثلاثاء 23/07/2024 على مشروع قانون المسطرة المدنية ليؤكد بذلك الاستهداف المستمر و الممنهج لمهنة المحاماة . فرغم الأصوات المنددة بما يحمله المشروع من ضرب خطير لحق المتقاضين في محاكمة عادلة بمرتكزاتها الحقوقية المتعارف عليها دوليا و في مقدمتها مبدأ التقاضي على درجتين و حق ممارسة كافة أنواع الطعون و الحق في الدفاع و مجانية التقاضي ، لكن وزير العدل متسلحا بأغلبيته البرلمانية ظل متشبتا برؤيته التي حكمت المشروع و هي الحد من اللجوء إلى القضاء بكل الوسائل بما فيها تقليص اللجوء إلى حق الطعن بالاستئناف و النقض و فرض غرامات على ممارسة بعض الحقوق من قبيل الدفع بعدم القبول في حالة عدم الاستجابة له، و ذلك من أجل التغلب على معضلة نقص العنصر البشري في صفوف القضاة وكتابة الضبط رغم أن الأمر يتعلق بالتزامات تقع على الدولة في مرفق حيوي لا يمكن لعجلة الدولة أن تدور بدونه. لكن تبقى المحاماة الضحية الأكبر في هذا التعديل. فالمتقاضي قد يحرم من حق الدفاع أو حق الطعن مرة واحدة في حياته بمناسبة نزاع قضائي، أما المحامون و المحاميات فإن معاناتهم ستزداد. فبعد إغراق المهنة بأكثر من 9300 محام في ظرف خمس سنوات ، و بعد إثقال كاهلهم بالضرائب، جاء المشروع ليقلص من فرص عملهم بشكل كبير ، و ذلك من خلال غلق باب الاستئناف أمام القضايا التي تقل قيمتها عن 30.000 درهم و غلق باب اللجوء إلى محكمة النقض في القضايا التي تقل قيمتها عن 80.000 درهم وفي المقابل فتح الباب أمام السماسرة و النصابين لممارسة المساطر أمام القضاء باسم المتقاضين أمام مختلف أنواع المحاكم بما فيها الإدارية و التجارية بل و حتى أمام محكمة النقض في قضايا بعينها. و هو ما سيؤثر سلبا على جودة العدالة التي تئن تحت وطأة مجموعة من السلوكات المنحرفة التي كان يتعين البحث عن آليات للحد منها عوض خلق بيئة خصبة لتسيدها المشهد. و الأنكى من ذلك أن وزير العدل لا يرافع عن مشروعه بشكل موضوعي دفاعا عن سياسة حكومية، بل إنه أطلق في البرلمان مجموعة من التصريحات المستفزة تمثلت في كيل الاتهامات المجانية للمحامين أمام البرلمان، محاولا تصوير المحامي و كأنه بلا دور في منظومة العدالة. فهل يستعمل وزير العدل و باقي الوزراء نفس اللغة بمناسبة دفاعهم عن مشاريع قوانين تهم قطاعات مهنية أخرى؟

- إشهار -

-الضربة الخامسة: من المنتظر أن تعرف الأيام القادمة مواجهة أخرى بين المحامين و وزير العدل حول مشروع قانون المحاماة الجديد.و هو المشروع الذي يريد من خلاله واضعوه أن يدقوا آخر مسمار في نعش المحاماة من أجل تشييعها إلى مثواها الأخير من خلال ما يحمله من مقتضيات خطيرة تمس باستقلالية المحاماة و حصانتها و بفتح الباب على مصراعيه أمام المحامين الأجانب.

إن السر وراء هذا الهجوم المتكرر و المستمر على مهنة المحاماة ليس بريئا و لا هو نتيجة انفعالات نفسية لحظية يقودها وزير في حكومة، بل هو سياسة مدروسة غرضها الأساسي تدمير مكانة المحاماة في الوطن و المس برمزيتها وسط أطياف المجتمع. فالمحاميات و المحامون الذين تصدوا لجبروت الدولة في سنوات الرصاص، و لا زالوا يفضحون انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان سواء في ملف الريف أو في ملفات المعتقلين السياسيين أو ملفات حرية الرأي و التعبير ، و يرافعون ضد الخروقات التي تمارس في حق المتقاضين في مواجهة كل التعسفات التي يتعرضون لها ، و تصدوا لدوريتها الثلاثية التي قيدت ولوجهم للمحاكم بضرورة الإدلاء بجواز التلقيح حتى أسقطوها ، و أوضحوا للمغاربة أنه لا يمكنهم سياقتهم كالقطيع للتلقيح من أجل تحقيق مصالح الشركات العالمية الكبرى المنتجة للقاح كورونا و المتعاونين معها في المغرب.هؤلاء المحامون و المحاميات الذين يفعلون كل هذا بكبرياء و شموخ إيمانا برسالتهم الكونية تريد الدولة من خلال بعض أبواقها ممن هم على شاكلة وهبي أن تصورهم للمغاربة بأنهم مجرد أشخاص عاديين يقومون بأدوار ثانوية يمكن الاستغناء عنها. لكن واهم من يعتقد ذلك. فالمحاماة تشكل الجناح الثاني للعدالة في كل دول العالم.و من يريد عدالة بدون محاماة قوية في مغربنا فإنه لا يستحق أن يكون بيننا.

إن دقة المرحلة تتطلب رص الصفوف من أجل موقف مهني موحد بين جميع مكونات الجسم المهني:جمعية هيئات المحامين بالمغرب، الإطارات المهنية ، عموم المحامين و المحاميات تحت شعار واحد”نكون أو لا نكون”. موقف موحد لا مجال فيها للاختباء في منازلنا، بل موقف بخطى نضالية قوية و مفتوحة أمام مختلف محاكم المملكة يصل صدى مشروعية مطالبها لأعلى السلطات في البلاد.

الأستاذ رشيد ايت بلعربي ، محام بهيئة القنيطرة.

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد