PPS.. عشر ملاحظات حول مشروع قانون الإضراب
إنطلق، يوم الثلاثاء الماضي، نقاش مشروع القانون التنظيمي للحق في الإضراب من داخل مجلس النواب، وتواصل في جلسة ثانية يوم أمس الخميس 18 يوليوز الجاري، وسط أجواء تنذر بتصاعد “الغضب” من طرف بعض مكونات المعارضة والنقابات والفاعلين في المجال.
وخلال جلسة تقديم المشروع من طرف الوزير يونس السكوري، في لجنة القطاعات الاجتماعية، عبرت نائبة فدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، ونواب الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية عن الكثير من الملاحظات، في الوقت الذي أبدى فيه النواب المنتسبون لأحزاب الأغلبية دعمهم للمشروع، الذي هو بالمناسبة نفسه الذي تقدمت حكومة سعد الدين العثماني سنة 2016.
وخلال اجتماع اللجنة البرلمانية الذي عقد يوم أمس، تقدمت عضوة فريق التقدم والاشتراكية، النائبة زهرة المومن، بملاحظات حزبها العشرة حول المشروع.
وأورد الفريق، من خلال مداخلة نائبته، أنه “بالنظر إلى المشروع الذي بين أيدينا، وفي انتظار أن نبلور مقترحاتٍ تعديلية تفصيلية ومدققة، نسجل 10 ملاحظات عامة وأولية:
• أولاً: بخصوص المقاربة التشاركية، ولا سيما مع النقابات، لا يكفي إطلاقُ تصريحات مُطَمْــــئِنَة في هذا الاتجاه من قِبَلِ الحكومة، لأنه لا يوجد لدينا أيُّ دليل (تصريح رسمي أو بلاغ مشترك) على أن الحكومة والنقابات وهيئة المشغِّلين متفقون فعلاً حول التصور العام لهذا المشروع. ولا نريدُ أن نغرِّدَ في مجلس النواب، أغلبية ومعارضة، خارج السرب، أو أن نـــــــــــــــــــكــــــــــــــــــــــــــون Hors sujet؛
• ثانيا: إذا كان فعلاً للحكومة الحالية تصور مختلف جوهريا بخصوص المشروع الموضوع منذ 2016. فلماذا إذن لم يتم المجيئ بمشروع جديد؟ (للتذكير: الحكومة الحالية سبق وأن سحبت مشاريع قوانين منذ بداية الولاية، لكن دون أن تُعيدها إلى طاولة النقاش البرلماني للأسف). هل نفهم من هذا الإبقاء على نفس النص محاولةً لربح الزمن التشريعي؟ أم أن الإصلاحات الحكومية الموعودة سوف لن تكون سوى مجرد روتوشات على النص الحالي؟
• ثالثاً: نرفض مُـــــغالطة “ربط هذا النص الجوهري والتاريخي بما تُسمِّــــيهِ الحكومة “دينامية الحوار الاجتماعي”” حاليا، لأن الحقيقة أنه رغم بعض المكتسبات الطفيفة في ميدان الحوار الاجتماعي، إلا أن هناك احتقاناً اجتماعيا في عدة قطاعات، وهناك استياء عارم للطبقة العاملة إزاء تدهور قدرتها المعيشية، وهناك تملص واضح للحكومة من الوفاء بعدد من التزاماتها (قطاع الصحة مثلاً)، كما أن هناك خروقات بالجملة لقوانين الشغل (فمأسسة الحوار الاجتماعي ليست هي النجاح في تقديم الإعلانات والتصريحات الوردية المصحوبة بالصور الجميلة، بل هو عمل شاق في العُمق ويتطلب نفساً طويلاً)؛
• وفي هذا السياق، نُــــعبِّـــــر مرة أخرى عن رفضنا لأيّ منطق حكومي يقوم على مقايضة المكتسبات الاجتماعية بتمرير نصوص تشريعية أو إصلاحات مُفَصَّلَة على المقاس أو تُضِرّ بمصالح الشغيلة المغربية (وخاصة قانون الإضراب وإصلاح منظومة التقاعد)؛
• رابعاً: نؤكد على أنه، من حيث الممارسة الفعلية، يجب أن يكون القطاع العمومي نموذجاً وقاطرة وقُدوة للقطاع الخصوصي في احترام الحقوق النقابية وللحق في الإضراب، وفي الوفاء بالالتزامات؛
• خامساً: من حيث مضمون النص في توجهاته العامة، من الواضح أن المشروع الذي بين أيدينا لا يستجيبُ لانتظارات النقابات ولا لتطلعات الشغيلة، ولا يرقى إلى مستلزمات التلاؤم مع روح ومقتضيات الدستور والالتزامات الدولية لبلادنا في مجال الشغل والحقوق الاقتصادية والاجتماعية (أي أنه ببساطة ليس القانون الذي نريده، رغم بعض إيجابياته)؛
• سادساً: معنى ذلك أننا مُطالبون جميعاً، حكومة وبرلمان، وفرقاء اجتماعيين وسياسيين، الاجتهاد أقصى ما يمكن، لإخراج قانونٍ تنظيمي، حتى وإنْ لم يُرضِ الجميع، فعلى الأقل لا يُثيرُ الرفض القاطع من الجميع؛
• سابعاً: يتعين معالجة النص الذي بين أيدينا مراجعة عميقة، انطلاقاً من الاقتناع الجماعي بأن الإضراب حق، والمنع استثناء، والتأطير القانوني يجب أن يكون متوازناً، مع تنقية المشروع من كافة الصيغ السلبية واستبدالها بصيغ إيجابية؛
• ثامناً: لا يوجد في العالَم عاملٌ أجير يقوم بالإضراب أو يشارك فيه حُباًّ في الإضراب، بل إنه يفعل ذلك مضطراً للضغط من أجل نيْلِ حقوقه، لذلك ينبغي تعزيز النص بمقتضيات قوية حول آليات ناجعة وملزمة للحوار والتفاوض وإبرام الاتفاقات الجماعية، كأساليب فُضلى واستباقية لحل نزاعات الشغل الجماعية، وكحلٍّ لخفض حالات الاضطرار إلى خوض الإضرابات؛
• تاسعاً: يجب التخلي النهائي عن النظرة الضمنية إلى الإضراب على أساس أنه “مساس بالنظام العام”، وإحلال نظرة جديدة، حقوقية وديموقراطية، مسؤولة ومواطِنة، تقوم على تقدير الدولة والقطاع الخصوصي لهذا الحق وإحاطته بالضمانات اللازمة لممارسته في أحسن الظروف، مع صَوْنِ حرية العمل ومصالح المقاولة والاقتصاد الوطني وخدمات المرفق العمومي؛
• عاشِراً: “يكمن الشيطان في التفاصيل”، لذلك سوف لن يكون كافيا أن نتفق حول المبادئ العامة. بل علينا، إلى جانب المقاربة التشاورية الواجبة مع الفرقاء الاجتماعيين، أن نعطي الوقت الكافي، بعيداً عن التسرع، للمناقشة التفصيلية، مع منح آجالٍ كافية للتعديلات. وذلك لأن مواضيع هامة تحتاج إلى التدقيق والتوافق، ولا سيما منها: تعريف الإضراب؛ تحديد الجهة الداعية للإضراب؛ التحديد الدقيق لحالات مُخالَفَة قانون الإضراب من طرف الأجراء والمشغِّلين؛ شروط وكيفيات الإعلان عن الإضراب واتخاذ قراره والمسؤولية عن ظروف خوضه والأسباب الداعية إليه؛ تحديد مفهوم الحد الأدنى للخدمة الحيوية؛ ثم إعادة النظر في المخالفات والعقوبات حمايةً للمضربين ولغيرهم. وهنا لا بد من مواكبة هذا العمل بإلغاء الفصل 288 المشؤوم من القانون الجنائي.