هل كانت البوليزاريو حركة انفصالية؟
بعد تصفية جيش التحرير نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من طرف الحسن الثاني، لم تشهد الصحراء تغيرات واضحة، وكان يجب انتظار عشر سنوات كاملة لتتحرك القوى المناهضة للاحتلال من جديد، فقد شهد عام 1968 تأسيس “حركة تحرير الصحراء” من طرف إبراهيم بصيري[1].
وسجلت هذه الحركة نجاحا كبيرًا، حيث ابتدأت “بتوجُه إصلاحي ونهجت المقاربة التدريجية التي بإمكانها تحقيق الاستقلال التام وتحقيق المساواة بين المدنيين الصحراويين عن طريق الوسائل السلمية”[2]، فإبراهيم البصيري كان يتصف بنوع من الذكاء، حين عرف كيف يُوظف استياء قطاع من السكان عندما رفع في 31 ديسمبر 1968 مُلتمسًا يطالب فيه (في الوقت الذي يعبر فيه عن الرغبة في بقاء إسبانيا في الصحراء) بحق الشعب الصحراوي في المشاركة في سياسة البلاد، وكذلك بحرية أكبر في التعبير، وبالمساواة فيما يخص الرواتب[3].
وتُعرف هذه الحركة “بالحزب المسلم”[4]، أو عند السلطات الإسبانية “بالمنظمة الإسلامية”، وتبدو الخطوط العريضة لهذا الحزب في الأهداف الثلاثة التالية: أولا: تحرير الصحراء من الوجود الاسباني. وثانيا: الانضمام إلى المملكة المغربية مع الاحتفاظ بحقوق السكان كاملة، والهدف الثالث يتجلى في أن طريق التحرير هي الحرب المسلحة المعتمدة على جيش وطني من السكان[5].
وقد خاض البصيري معارك عدة مع الإسبان كان آخرها معركة “الزملة” سنة 1970 التي كانت صفعة قوية ضد الصحراويين من طرف قوات الاحتلال الاسباني، وشكلت نهاية البصيري المحتومة بالاختطاف والمصير المجهول إلى حدود الساعة[6].
لقد تخمرت فكرة الحل المسلح بمبادرة صحراوية بعد أن دفعت الأحداث المحيطة وجهة التحرك الصحراوي نحو عزلة “إقليمية” سوف تشكل مستقبلا الأساس الفعلي لتحول الصحراويين إلى حركات انفصالية خصوصًا مع حركة البوليزاريو التي ستتأسس ضمن نفس السياق، بعد أن واجه السيّد بصيري عزلة في نضاله ضد الإسبان بعدما قوبلت مطالبه “بالتجاهل” من طرف المغرب والجزائر وموريتانيا.
لقد أيقظت هذه التجربة المتواضعة الحس الوطني لدى الصحراويين، وانتشلت الصحراء من حالة الركود التي عاشتها منذ تصفية جيش التحرير المغربي في الجنوب أواخر الخمسينيات، كما ساعدت على تبلور فكرة تنظيم مواجهة جديدة تستوعب سلبيات وإيجابيات الحزب المسلم، وتتجاوزها في نفس الوقت، وخاصة في أوساط الشباب الصحراوي المقيم في الخارج[7]، وبعض المجموعات في موريتانيا التي هربت إلى هناك بعد أحداث “الزملة” (مجموعة الزويرات)، وكذا الطلبة الصحراويّين في جامعة الرباط أو ما سميّ وقتئذ (بمجموعة الرباط)، حيث كانت بدايات حركة جديدة أكثر جديّة بقيادة الولي مصطفى السيّد هي ما أضحى يصطلح عليه إلى اليوم “بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”.
إن ظهور دول جديدة في المغرب العربي (والقصد هنا دولة موريتانيا) واستمرار الاستعمار في الصحراء (الغربية)، من العوامل التي ساهمت في ظهور حركة سياسية، ظاهرها مُوحد، وتخفي تنوعا كبيرًا: محاربون قدامى، طلبة، جنود مجتثون من أصولهم، مهانون ومطرودون من أرضهم، قرروا أن يتحدوا من أجل استرجاعها[8]، وقد كان الإعلان عن تأسيس جبهة البوليزاريو في المؤتمر التأسيسي الأول المنعقد بالزويرات (شمال موريتانيا) ببيت أحمد بن القايد صالح سنة 1973[9].
ومباشرة بعد قيام الجبهة، حدثت تحولات وتطورات كبرى نتيجة تحالفاتها وتحركاتها المتعددة، وخوفا من القوة الصاعدة لها والتحالف الذي يمكن أن يحصل بينها وإسبانيا في إطار الاستقلال الممنوح، قام الحسن الثاني في بداية نوفمبر بمسيرة خضراء أدت إلى التخلي الإسباني عن الإقليم والتوقيع على اتفاقية مدريد بتاريخ 14 نونبر 1975، ومغادرة المنطقة في 26 فبراير 1976 بعد الاتفاق على تقسيم المنطقة بين المغرب وموريتانيا، إلا أن نتيجة هذه الاتفاقيات أغضبت الجزائر كثيرا لأنها لم تكن طرفا فيها، فقامت بمساندة البوليزاريو واستضافتها على أراضيها في منطقة تندوف وتم الإعلان عن قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية”[10] في منطقة “بئر لحلو” بالقرب من الحدود الصحراوية مع موريتانيا.
لابد من الإشارة إلى أن الطلبة الصحراويين المؤسّسين للجبهة في بداية نضالهم السياسي، لم يكونوا يطالبون بتكوين دولة مستقلة في الصحراء، بل تجسد تركيزهم على محاربة إسبانيا، ولذلك سعوا في بداياتهم الأولى إلى طلب مساعدة المعارضة المغربية، لأنها كانت أهم مساند لفكرة المغرب الكبير، ولأنها كانت أيضًا ولمدة طويلة تشجب علاقات التعاون بين نظام الملك الحسن الثاني وإسبانيا وانتقاصه من أهمية المسألة الصحراوية[11]، وإذا أخدنا بعين الاعتبار مجموع المحطات التاريخية التي مرّ منها تأسيس جبهة البوليزاريو “والجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية” فيما بعد، سنستخلص دون عناء أنه إلى حدود تأسيس البوليزاريو بتاريخ 10 مايو 1973، كانت الأطروحة السائدة خلال البدايات الأولى للجبهة هي إنهاء الوجود الاستعماري والالتحاق بالمغرب، ولم يبدأ البوليزاريو في تغذية طموحاته الانفصالية إلا بعد مؤتمره الثاني الذي انعقد في غشت 1974 تحت رعاية ليبيا والجزائر كما بدا واضحا من البيان السياسي للمؤتمر[12].
الهوامش:
[1] للتعرف على إبراهيم بصيري يمكن العودة إلى كتاب “محمد بصير أقدم سجين في العالم”، لمحمد أحمد باهي، البيضاوي، ط1، 2010.
[2] رحيمي مونية، نزاع الصحراء في إطار السياسة الخارجية الأمريكية، المطبعة السريعة، ط الأولى 2010، ص، 40.
[3] أنخيلا هيرنانديث، “حرب أعلام في الصحراء” (محنة إسبانيا في الصحراء)، ترجمة ماء العينين مربيه ربه، منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتبادل الثقافي، الطبعة الأولى 2006، ص، 64.
[4] الشامي علي، الصحراء الغربية وعقدة التجزئة في المغرب العربي، دار الكلمة للنشر، بيروت، ط1، 1980 ، ص، 137.
[5] الشامي، نفسه، ص 138.
[6] انظر محمد أحمد باهي، مرجع سابق.
[7] الشامي علي، مرجع سابق، ص، 140.
[8] أنخيلا هيرنانديث، مرجع سابق، ص، 83.
[9] نفسه، ص، 83.
[10] رحيمي مونية، مرجع سابق، ص، 45.
[11] TONY HODGEZ ; ‘’ the origines of sahroui nationalism’’ In War and refugees : the Western Sahara conflicte. Edited by Richard lawless and leila monahan. Pinter publishers, london 1987, p52.
[12] رحيمي مونية، مرجع سابق، ص، 45.