برلمانية الـ”بيجيدي”: بايتاس.. ناطق رسمي بلا مصداقية
تعتبر المشاركة المواطنة من المستجدات الأساسية التي كرسها دستور 2011، بدءً من الفصل الأول الذي جعل من الديموقراطية المواطنة والتشاركية واحدا من المرتكزات التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة؛ كما كرس جملة من القواعد التي تحدد آليات وصيغ تنزيل هذا المبدأ الدستوري العام؛ وضمنها تكريس حق المواطنات والمواطنين في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية (الفصل 15)، إلى جانب حقهم في تقديم ملتمسات في مجال التشريع (الفصل 14)؛ بل إن المشرع الدستوري ألزم السلطات العمومية، من خلال الفصل 13، بأن تعمل على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها؛ فضلا عن تأكيده على إمكانية أن تُساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية (الفصل 12).
وفي سياق تنزيل الأحكام الدستور المتعلقة بالديموقراطية التشاركية، في إطار من التكامل مع الديموقراطية التمثيلية، وتفعيلا لحق المواطنات والمواطنين في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، صدر القانون التنظيمي 44.14 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق، مما يعتبر تطورا إيجابيا ينبغي أن تواكبه الممارسة العملية؛ سواء من جهة تكثيف مبادرة المواطنات والمواطنين وإقدامهم على تكريس هذه الممارسة، ومن جهة الفاعل السياسي الذي يعتبر مطالبا بالتعامل الإيجابي معها، باعتبارها مسلكا يفضي إلى تمكين المواطنين من المساهمة في القرار.
وفي هذا الإطار، أقدم ثلة من أبناء هذا الوطن البررة على تقديم “العريضة الشعبية للمطالبة بإلغاء اتفاقيات التطبيع”…غير أنهم فوجئوا بصد الحكومة وسد الباب في وجوههم ضدا على الدستور والقانون، وضدا على الثقافة الديموقراطية التي يفترض أن تتحلى بها الحكومة.
فبغض النظر عن مضمون هذه العريضة وسياقها، وباعتبارها التفاتة تعبر عن إرادة عموم فئات الشعب المغربي؛ وبالنظر إلى أنها مبادرة بسيطة أمام التضحيات الكبيرة للشعب الفلسطيني الأبي، إلا أنها تمثل أيضا و بالأساس، طريقة دستورية لنقل المطالب الشعبية لدوائر القرار بكيفية مؤسساتية حضارية؛ غير أن صدمتنا كانت كبيرة من التصرف الغريب لحكومتنا؛ التي يبدو أنها ألفت أجواء الاحتقان والاحتجاج وألفت تغذيتها، فأبت الا أن تخلف الموعد كعادتها، وتحول هذا التمرين الديمقراطي التشاركي الترافعي إلى محطة جديدة، تكشف ضعف ثقافة التشاركية لدى الحكومة و رئاستها.
فما كان منها إلا أن رفضت تسلم العريضة، بل ومنعت ممثلي لجنة العريضة من ولوج الفضاء الذي يوجد به مقر رئاسة الحكومة، رغم أن اللجنة سبق أن وضعت رسالة طلب لقاء بذات المقر لرئاسة الحكومة؛ وذلك على أساس إعادة استقبال وفد ممثل عن اللجنة لتقديم سجلات العريضة كاملة بكل ملحقاتها.
والأدهى من ذلك، أن السيد الناطق باسم الحكومة خلال ندوته الأسبوعية ليوم الأربعاء 10 يناير 2024؛ والتي عهدناها ندوة ليست ككل الندوات، وعوض أن يتحلى ببعض الجدية، ويقدم توضيحات مناسبة للرأي العام، فقد خرج علينا بتبريرات أقل ما يقال عنها أنها تفتقد للمصداقية، وعارٌ أن تصدر عن مسؤول حكومي، حيث علل رفض استلام العريضة بكونها يجب أن توضع لدى لجنة العرائض التي يترأسها السيد الوزير، بمقر وزارة العلاقات مع البرلمان…
وهنا نهمس في أذن السيد الوزير ونذكره، أن القانون المشار إليه، ينص، في مادته الثامنة؛ على أن رئيس الحكومة يحيل العريضة المودعة لديه على لجنة العرائض التي تحدث لدى رئيس الحكومة، بمقتضى المادة 9، والتي يناط بها دراسة العرائض المحالة إليها.
ونذكر السيد الوزير المحترم؛ أن القانون رقم 44.14؛ في مواده 2 و8 ثم 9، يمنح الحق في استقبال العريضة للسلطات العمومية أي للسيد رئيس الحكومة والسيدين رئيسي البرلمان، مع إمكانية تقديمها للسلطة الإدارية المحلية والتي تحيلها بدورها على السلطات العمومية. أما لجنة العرائض التي يرأسها السيد الوزير، فيتمثل دورها في التحقق من استيفاء العريضة للشروط المنصوص عليها في القانون التنظيمي، وإبداء الرأي واقتراح الاجراءات التي تراها مناسبة في شأن العرائض المقبولة….
وأخيرا وليس آخرا، نهمس للسيد الوزير المحترم، ومن خلاله لحكومة النخب، إنكم تضعفون بممارساتكم العشوائية هذه منسوب الثقة في المؤسسات، كما تجعلون المواطنين ينفرون من ممارسة السياسة بجميع أشكالها. بل وتسيؤون لمختلف الإصلاحات والمجهودات التي يبذلها بلدنا الحبيب من أجل تكريس الحريات والحقوق الدستورية و التي توجت بانتخاب المغرب على رأس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ويبدو أن دروس الدعم باتت ضرورة ملحة؛ ليس فقط لتلامذة مؤسساتنا التعليمية، بل ولكفاءات حكومتنا….
فاطمة الزهراء باتا- عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية