مطالب الشغيلة التعليمية.. بين التسويف والتشتيت
لعل أبرز ما يلاحظ المرء في سياق ما يحدث الآن في قطاع التعليم، هو التناقضات التي تتسم بها خرجات المسؤولين الحكوميين، والحوارات المراطونية التي تقوم بها النقابات الأربع الأكثر تمثيلية بحسب منطق الحكومة.
ورغم أن الحكومة تدعي استعدادها للتفاوض، فإن مخرجاتها حتى الآن لم تلبي أيا من مطالب الشغيلة التعليمية، كما أن الحوارات التي تجري بين النقابات والحكومة، لا تخرج عن كونها مجرد مناورات سياسية، تستهدف إضعاف الشغيلة التعليمية ومحاولة فرض أجندة الحكومة عليها.
ففي الوقت الذي يؤكد فيه المسؤولون الحكوميون على ضرورة الحوار والتفاوض مع النقابات، يتم في المقابل تمرير تصريحات مضللة للرأي العام وبالخصوص أباء وأمهات التلاميذ/ت، توحي بأن مطالب الشغيلة التعليمية تقتصر فقط على زيادة الأجور، كأن الشغيلة التعليمية همها الوحيد هو “جيبها”.
هذه التصريحات المضللة، والتي يروج لها الإعلام المأجور، تهدف إلى تشتيت الشغيلة التعليمية وإبعادها عن أهدافها النبيلة المتمثلة في تحقيق الكرامة المهنية لأطر قطاع التعليم، وضمان مستقبل الأجيال القادمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية للمدرسة المغربية العمومية.
في سياق ذلك، وبمجلس المستشارين وفي كلمة للوزير المنتدب المكلف بالميزانية، السيد “فوزي القجع”، قال: “الظروف الصعبة والاستثنائية لن تمنعنا من تحسين دخل رجال ونساء التعليم”.
هذه الخطابات السياسية المكيافيلية التي تريد أن تثبت لرأي العام أن الشغيلة التعليمية مادية ومصلحية، وأنها تحاول تشتيت جميع الفئات الشغيلة التعليمية التي خرجت لإرجاع كرامتها أولا، والتي انتهكت منذ أزيد من نصف قرن أو أكثر من ذلك، خرجت كذلك من أجل سحب هذا النظام المشؤوم، خرجت أيضا من أجل إلغاء التوظيف بالتعاقد، ثم في الأخير خرجت من أجل زيادة في الأجور لكافة الشغيلة التعليمية دون استثناء، ورفع الميز بينهم.
كيف سيكون الإصلاح وكيف سيثق رجال ونساء التعليم بالعودة للعمل والبارحة بسرعة البرق تم تمرير مشروع قانون المالية لسنة 2024، والذي لم يأخذ بعين الاعتبار مطالب الشغيلة التعليمية، ويؤكد على استمرار الحكومة في سياستها التقشفية والتي تستهدف بشكل أساسي الشغيلة التعليمية في ظل هذا الاحتقان الذي يعيشه قطاع التعليم؟، إذ تتبع الحكومة سياسة التسويف والتشتيت في تعاملها مع مطالب الشغيلة التعليمية، وذلك من خلال:
✓تأخير بدء الحوار الاجتماعي مع التنسيقيات الموجودة الآن بالميدان، بهدف إضعاف الشغيلة التعليمية وجعلها أكثر تقبلاً للتنازلات.
✓إشراك النقابات الأكثر تمثيلية في الحوار، على الرغم من أنها لا تعبر عن مطالب جميع فئات الشغيلة التعليمية.
✓تهميش التنسيقيات التي معظم رجالها ونسائها يناضلون تحت لوائها.
✓محاولة عزل فئات معينة من الشغيلة التعليمية، مثل أطر الدعم الاجتماعي والتربوي والملحقين التربويين القدامى، كما رأينا في النظام المشؤوم “المجمد” حسب رأي الحكومة، الذي أقصى هذه الفئة من جل التعويضات المادية والترقيات، وأخذ جميع حقوقها، وتركها للعراء تقاوم وتناضل بالميدان مع جميع هيئات الشغيلة التعليمية.
إن رجال ونساء قطاع التعليم اليوم، بكل فئاتهم ومكوناتهم، الذين خرجوا إلى الميدان، وما زالوا يرفضون خبث سياسة التكنوقراط، فإن وعيهم النضالي من أجل الكرامة، ومن أجل تحقيق مدرسة العدالة الاجتماعية التي نادى بها مجلس الأعلى للتربية والتكوين في تقاريره منذ الأزل،لن يقبل رجال ونساء قطاع التعليم بتدمير القطاع بتحقيق مطالب فئة دون الأخرى، أو بقبول بعض الفتات لإحدى الفئات، بينما تُحرم فئة أخرى كانت صامدة في نضالها إلى جانب الشغيلة التعليمية، وحاضرة في كل محطات النضال، مثل الملحقين التربويين القدامى وأطر الدعم الاجتماعي والتربوي، فالقضية هي قضية جميع الفئات بالقطاع، وتحقيقها يستوجب عدم تهميش أي فئة.
فإما أن نكون يد واحدة، وإما أن نساهم في تدمير بيئة اشتغال الأجيال القادمة.
*سفيان الرتبي؛ إطار الدعم الاجتماعي والنفسي