الفاشلون
كتبت الأسبوع الماضي عن الحجج التي يُستعان بها لتبرير الحاجة إلى منع العدالة والتنمية من تصدر المشهد السياسي، وتبين أن مضمونها سخيف، لا يمكن أن ينهض به أي داعية إلى التغيير، فضلا عن داعية إصلاحي ديمقراطي، واليوم نسائل المزاج المسكون بفكرة تصدر العدالة والتنمية، والبحث عن أدوات لمنع هذا السيناريو.
لندع هذه الأسئلة، فالمواطن العادي، فضلا عن المنشغل بالحقل السياسي، لن يجد سوى فقاعات وتخمينات وتسريبات، لا يمكن الاطمئنان إليها، ففي اللحظة التي استشعرت فيها الدولة أن مشاركة الإسلاميين، ستكون مضرة بمصالح البلاد العليا، وصل الخطاب مباشرة لقيادتهم، واتخذ القرار عقب تصدر جبهة الإنقاذ الإسلامية للانتخابات للجزائر، برره الإسلاميون بمفردات تؤشر على انضوائهم ضمن السقف الوطني.
والحقيقة أنه لا الإسلاميون ولا العاطفون عليهم، ينبغي أن يفرحوا بسيناريو تصدرهم للعملية الانتخابية، إذ لا يمكن لحقل سياسي مترهل أن يتحمل الاستمرار بتصدر الحزب نفسه للمشهد، وضعف الأحزاب الأخرى، كما لا ينبغي لخصوم الإسلاميين أن ينشغلوا بتكتيكات منع هذا السيناريو، عن سؤال تقوية الأحزاب الأخرى، والرفع من قدرتها التنافسية.
ما نشاهده اليوم، هو المشكلة عينها التي عانت منها السياسات الأمريكية في المنطقة، وهي تحاول تأمين مصالحها، إذ انتهى بها التقييم إلى ضعف حلفائها من الليبراليين والعلمانيين وعزلتهم عن المجتمع وهامشيتهم، فاختلف بها التقدير، بين من يدعم إدماج الإسلاميين المعتدلين، ومن يتجه نحو مجابهتهم، ومن يسعى إلى تنشئة حلفاء مفترضين، من خلال الرهان على من هم خارج الحقل السياسي، أي على المجتمع المدني وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.
التقييم الذي أجرته عدد من مراكز الأبحاث للسياسات الأمريكية، انتهى إلى فشل الرهان على المجتمع المدني، وأن ما يوفره الفايسبوك من قوة نقدية، يفيد في النفي، ولا يفيد في التركيب، وأنه في اللحظة التي يتم فيها الاشتغال على السيناريو البديل، لا ينفع سوى الفاعلين السياسيين على الأرض.
في المغرب، ربما، نعيش المعضلة ذاتها، فبدل الاتجاه إلى إصلاح عطب السياسة، من خلال تصحيح اختلالات الحقل السياسي، والرهان على بناء تعددية نابعة من رحم المجتمع، تستمر ظاهرة التحكم في النخب، وتجميعها، بما في ذلك النخب الإصلاحية التي فقدت بوصلتها، فقط لمنع سيناريو، أما ما بعد ذلك، فأمر لا يهم، لأن هناك من سيكمل العملية.
ما الذي تغير من تكتيكات النخب، بعد مجموعة الثمانية، وإنشاء حزب سلطوي جديد بوضع ملعقة من ذهب في فمه، وخلق قطبية ثنائية دعمت الإدارة الترابية أحد أطرافها بقوة، وبعد بلوكاج حكومي تداعت إليه أحزاب الرباعي، ثم إعادة تجديد هذا الحلف، في معركة القاسم الانتخابي، ودعمه بثلاثي: المجتمع المدني، والإعلام، ومؤثرو الفايسبوك.
الذاكرة تؤكد أنه في استحقاقي 2011 و2016، تصدر العدالة والتنمية المشهد، وفشلت تلكم الرهانات، والظن الغالب، أنها ستفشل أيضا في استحقاق 2021، لسبب بسيط، أن الأخطاء نفسها تتكرر، وأن الأفكار التي تقود السياسة، تتسم بالعقم، وقصر النظر.
لا أفهم أنه طوال المدة التي قادها العدالة والتنمية، لم يستطع الحقل السياسي أن ينتج منافسا سياسيا له قاعدة عريضة، يستطيع أن يتلقف أخطاءه في السياسة والتدبير- وهي كثيرة- ويجعلها في رصيده، ويؤسس سلوكا سياسيا وطنيا منحازا لمصالح الضعفاء، ومناضلين ذوي مصداقية، وخطاب سياسي واضح الاستهداف الطبقي والاجتماعي.
سبب فشل أصحاب الأفكار التي تقود السياسة وتدير النخب، أنهم يفكرون في النخب التي تحمي مصالحهم، ويعتمدون على الذين يقبضون، ويحشدون الأقل مصداقية ضمن أدوات مشروعهم، ويستعملون الأدوات نفسها التي اعتمدت في السابق، دون تقييم لمنسوب مصداقيتها، ومدى استنفادها الأغراض، ويبحثون عن مواقع القوة في الفراغ، ويشجعون على التفاهة التي تخلف الفرجة مؤقتا، لكنها تقوم بمفعول عكسي، لا تدرك عواقبه إلا عند الاستحقاق.
أتفهم أنه لا يمكن الرهان على نخب في الشعب للدفاع عن مصالح غير شعبية، لكن على الأقل، أن يترك المجتمع لنفسه، ينتج تعدديته، وينتج فاعلين آخرين، يشعر معهم الحقل الساسي، أنه بالإمكان التغيير من فاعل ذي مصداقية لفاعل سياسي آخر، له حظه أيضا من هذه المصداقية.