تسمية زلزال 8 شتنبر بزلزال الحوز خطأ وحيف


أصبح الكل يسمي زلزال 8 شتنبر 2023 الأخير بزلزال الحوز وهذه التسمية فيها خطأ وحيف كبير في حق الساكنة المنكوبة، وذلك للاعتبارات التالية:

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    1) مركز الزلزال لم يكن في إقليم الحوز بل في إقليم شيشاوة داخل تراب الجماعة القروية إيمي نْدُّونْيَتْ (أي فم الدنيا بتاشلحيت) على مقربة من حدود الجماعة القروية إيغيل التابعة لإقليم الحوز.

    لقد روجت عدة مواقع على الأنترنيت، ومنها غوغل ماب، لإحداثيات خاطئة لمركز الزلزال. والإحداثيات الصحيحة التي أعلن عنها رسميا المركز الوطني للجيوفيزياء هي كالتالي:
    خط العرض 30,998° شمالا أي 30°59’53”
    خط الطول 8,444° غربا أي 8°26’38”

    وإذا استعملنا تطبيق غوغل إرت Google earth أو خريطة التقسيم الإداري التي تطبعها مديرية الخرائطية التابعة للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، يمكن تحديد مركز زلزال 8 شتنبر بسهولة وبالضبط قرب دواري أزرزو وأمصلوح المتواجدين داخل حدود الجماعة المذكورة إمي ندونيت التابعة لإقليم شيشاوة.

    ويبعد مركز الزلزال هذا عن إيغيل المركز مقر جماعة إيغيل ب 15 كلم. (من منظور طائر distance à vol d’oiseau) وكذلك عن حدود إقليم تارودانت ب 14 كلم. وبالتالي فإن مركز الزلزال وقع تقريبا بين ملتقى الأقاليم الثلاث شيشاوة والحوز وتارودانت.

    ونظرا لقوة الزلزال الذي بلغ 7 درجات على سلم رشتر (وهذا هو الرقم الرسمي المعلن عنه) فإن دوار تِنِسْكْتْ، على سبيل المثال، الواقع بقيادة ويركان على بعد 30 كلم من مركز الزلزال، دُمِّرَ عن آخره. وعدد ضحايا هذا الدمار فاق الأربعين. دوار آخر إسمه تيزي أوسَمْ، تابع لقيادة أسني، ويبعد ب47 كلم عن مركز الزلزال عرف خسائر جسيمة في المساكن وفي الأرواح (5 وفيات) . حتى مدينة مراكش، التي تبعد عن مركز الزلزال ب82 كلم، عرفت بدورها سقوط ضحايا و منازل بالمدينة العتيقة ووقوع خسائر في بعض المآثر التاريخية. هذا يبين هول الفاجعة التي عرفتها المناطق الجبلية القريبة من مركز الزلزال بالأقاليم الثلاث والذي امتدت تداعياته إلى إقليمي أزيلال وورزازات المتاخمين لإقليم الحوز؛

    سمي الزلزال الذي ضرب مدينة أكادير سنة 1960، على حق، بزلزال أكادير لأن مركزه كان بهذه المدينة وأكبر الخسائر كانت فيها (12 الف). وزلزال الحسيمة (2004) سمي كذلك لأن مركزه كان يبعد عن مدينة الحسيمة ب 10كيلومترات وأكبر الخسائر سجلت فيها وفي منطقة إمزورن؛
    2) زلزال 8 شتنبر، رغم شساعة المنطقة المنكوبة، لم يضرب سهل الحوز (وليس إقليم الحوز) بنفس القوة التي ضرب بها منطقة واسعة، من جبال الأطلس الكبير وجزءا من الصغير، تنتمي لعدة أقاليم كما أسلفنا الذكر. إن تسمية هذا الزلزال بالحوز هو حيف في حق سكان المناطق الجبلية المنكوبة.

    وأصل هذا الحيف ابتدأ مع استحداث إقليم الحوز سنة 1991 حيث تمت تسميته اعتباطيا بهذا الإسم، لأن إسم الحوز هو إسم السهل الذي يحيط بمدينة مراكش. وفي مناجد اللغة العربية تعني كلمة حوز: الأرض المحاطة بحاجز. وسهل الحوز هو فعلا محاط جنوبا وشرقا بجبال الأطلس الكبير وشمالا بهضاب الجبيلات، وغربا بهضاب الشياضمة . ولا تشكل المناطق المستوية المنتمية لسهل الحوز إلا 26 ٪ من مساحة إقليم الحوز مقابل 74 ٪ مشكلة من مرتفعات جبلية تنتمي لسلسلة جبال الأطلس الكبير.

    - إشهار -

    فلنتصور إحداث إقليم جديد يضم منطقة تمارة والصخيرات بالإضافة إلى أقاليم بنسليمان وبرشيد وسطات ونسمي هذا الإقليم الجديد بإقليم زعير. سيكون هذا الإسم بكل بساطة عبثا وحيفا وتعسفا في حق الشاوية ومكوناتها الإثنية والثقافية والجغرافية.

    أكثر من ذلك يرى الكتور عبد الله الحلوي في مقال نقدي لإسم “الحوز” أن هذا الإسم “الذي يطلق على المنطقة الممتدة بين الأطلس الكبير ونهر تانسيفت هو اسم مخزني ــ استعماري لا يجوز أن نستعمله اليوم، فليست له شرعية تاريخية، وليس دقيقا جغرافيا، وله استلزامات مرتبطة بتصور المخزن للمجال. واقترحَ أن يسمى إقليم الحوز ب”إقليم أزاغار” (إقليم السهل)، أو “إقليم أزاغار ن مراكش”، أو “إقليم مراكش” بكل بساطة”. ويدعم قوله هذا بأطروحة بول باسكون حول حوز مراكش والتي جاء فيها:
    ليست لإسم “الحوز” أي شرعية تاريخية
    Pascon, P. Le Haouz de Marrakech Tome 1: 18-20
    وإذا تركنا جانبا النقاش حول إسم الحوز
    فإننا نجد من غير الصواب تسمية زلزال 8 شتنبر بزلزال إقليم الحوز ومركزه لم يكن بهذا الإقليم. وتاحناوت مقر عمالة هذا الإقليم تبعد عن مركز الزلزال ب 62 كلم و لم تعرف إلا خسائر محدودة على غرار مدينة مراكش وباقي قرى ودواوير سهل الحوز مقارنة مع نكبة الساكنة الجبلية؛
    3) تسمية زلزال 8 شتنبر بزلزال الحوز سيعني بالنسبة للأجيال القادمة وقوعه بسهل الحوز. لأن التقسيم الإداري وأسماء الأقاليم ستتغير لا محالة، بخلاف أسماء السهول والجبال والمدن التي تتخطى الزمن.
    فإسم جبال الأطلس، على سبيل المثال، أطلقه الإغريق منذ أكثر من ألفين وثلاث مائة سنة على جبال شمال إفريقيا. وحسب الميتولوجيا الإغريقية أطلس هو إسم أحد الألهة الجبابرة الذي نفاه الإله زوس إلى شمال إفريقيا وحكم عليه بحمل الأرض وقبة السماء إلى الأبد.
    الأجيال القادمة التي لم تعش هذا الزلزال وما نجم عنه من تضامن شعبي عفوي وتلقائي منقطع النظير، لن تعرف ربما حجم مأساة ساكنة جبال الأطلس وزخم هذا التضامن الجماهيري المترتب عنها. ولن تعرف أن إسم الحوز كان يطلق في سنة 2023 كذلك على جزء من جبال الأطلس الكبير.
    إن إطلاق إسم آخر على زلزال 8 شتنبر كزلزال الأطلس الكبير أو إمي ندونيت أو أمزميز أو تاحناوت أو إيغيل سيجعل هذا الزلزال في الذاكرة الشعبية مرتبطا بهذا المغرب الآخر، مغرب الجبال المنسي، مغرب “أسردون ” أي البغل هذا الحيوان العجيب والرائع الذي يقوم مقام سيارة الإسعاف لنقل المرضى والنساء الحوامل، اللواتي تلدن أحيانا فوقه، والشاحنة لنقل البضائع والسيارات لنقل الأشخاص والعرائس والهدايا، والحافلة لنقل المسافرين، والجرار لحرث الأرض، وآلة الدرس لدرس محاصيل الحبوب إلخ..مغرب جل أطفاله يغادرون المدرسة في سن مبكر وخاصة الفتيات منهم. مغرب تصل إليه قنينة البوطان بثمن 100 درهم وكيس إسمنت ب 200 درهم لأنها تنقل على ظهر هذا الحيوان المتعدد المهام، بسبب غياب الطرق والعزلة المترتبة عنها. وكنتيجة لهذا الواقع المر والمخزي يضطر أهالي هذا المغرب المهمشون والمنسيون إلى اللجوء لحطب الغابة كمورد للطاقة وما ينتج عن ذلك من تدهور للغطاء النباتي وتصحر وانجراف للتربة وتوحل السدود وتعميق أزمة الماء التي باتت تهدد بلادنا. كما يضطر اهالينا في الجبال إلى بناء بيوت من طين وحجر لاستحالة الحصول على الاسمنت والحديد، وبالتالي الموت تحت الأنقاض بعد الزلزال وأحيانا حتى بسبب الأمطار الغزيرة والثلوج…..
    تسمية زلزال 8 شتنبر بإسم يرمز لجبال الأطلس وساكنته كالحسيمة للريف وأكادير لسوس، هو نوع من تكريم أرواح شهداء الفقر والعزلة، وتحية لذكراهم، هؤلاء الذين قضوا نحبهم بسبب انهيار منازلهم البسيطة فوقهم، لأنهم تمسكوا بأرضهم وهويتهم رغم قساوة الطبيعة والتضاريس والعيش. تسمية ستظل تذكرنا بمغرب أسردون حتى لا ننساه إلى أن يزول.

    الرباط في 21 شتنبر 2023 – عبد الرحيم الهندوف، مهندس وباحث في السياسات المائية

    إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا
    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد