بعد شكايته.. وهبي في مرمى نقد الحو وبلقاضي
في سياق يناضل فيه مثقفو الوطن من أجل الدفاع عن حقوق المغرب التاريخية والمشروعة ضد أزلام إعلام عسكر الجزائر إيماناً منهم بثوابت الوطن الراسخة، ينفرد السيد وزير العدل كعادته ليصف ” بالتافهين وأشباه المثقفين” كل الغيورين على الوطن والذين انتقدوا موقفه’’ الشارد’’ عندما رحب بشكل انفرادي بمساعدات الجزائر للمغرب، بشرط التنسيق مع الخارجية، حيث وصفوه بالموقف المنحرف عن كل الأدبيات والأعراف البروتوكولية.
رد الوزير وهبي يتضمن ”غرور الجاهل” بجوهر نوايا الجزائر وعدائها المذهبي لكل ما هو مغربي، و يتنكر لكل التضحيات الجسام لجموع النشطاء الوطنيين الغيورين على نهج تضحيات الشرف والشموخ لجنود المملكة البواسل والمرابطين في الحدود.
كل هؤلاء الذين تجرأ بوصفهم “بالتافهين وبأشباه المثقفين” على حد تعبيره، هم المرابطون الحقيقيون الذين يعملون على تصحيح جميع مغالطات وزيف وتزوير الجزائر، وإفحام أفواه المدافعين عن الجزائر، واجهاض مؤامراتها الإعلامية، و في المناظرات الأكاديمية واللقاءات الدولية، بعفة وبدون مقابل.
وزير العدل وعوض انكار الشريط، أو ادعاء التصرف فيه بسوء نية، وأنه تعرض للمؤامرة، اختار الهروب الى الأمام، باتخاذه قرار مقاضاة الأستاذ الجامعي.
ورغم عدم ذكره بالإسم فإن الصحافة المغربية نشرت أن المعني بمقاضاة وزير العدل هو عبد الرحيم منار اسليمي، الشخصية الفذة التي لا ينازع في وطنيتها أحد.
ولمن لا يعرف منار فهو أستاذ يضحي بوقته وعلى حساب صحته وحقوق أسرته الصغيرة، دفاعا عن القضايا والرموز والمصالح الوطنية؛ بالرد والتعقيب والنقاش والتحليل والمجادلة و ببلاغة الخطاب و قوة الحجة، حيث تمكن هو وزملائه من هزم الخصوم واقناع الغير بحقوق المغرب.
ورغم الأحقية الدستورية لوزير العدل في التقاضي، وفي توجيه الشكايات من أجل أفعال يراها مخالفة للقانون الجنائي . لنا رأي في شكل ملاحظات وتعليقين قانوني محض وسياسي فيما ذهب اليه.
التعليق القانوني
أولاً: ن وزير العدل، وهو العالم بأصول وقواعد المرافعات، باعتباره محاميا كان عليه أن يعرض تظلمه باعتدال يليق بآداب المرافعات التي تعد اللباقة والاعتدال أولى قواعدها.
ثانيا: إن دعواه بالنفي والانكار للشريط وعدم صدوره عنه، يجب أن توجه للجهة التي بثته ونشرته وليس إلى من تعاملوا مع تصريحه بالنقد والتعليق .
ثالثا: إن وصف السيد وزير العدل للمعلقين على الشريط المنسوب له “بالتافهين وأشباه المثقفين”، يدخل في خانة السب والقذف، وهي مخالفة قانونية تستوجب مساءلته عليها أمام القضاء.
رابعاً: وزير العدل يعلم ايضا بقواعد عبء الاثبات وانتقاله بين مراكز الدعوى والخصومة. فالشريط موجود. و عبء اثبات عدم صدوره عن وهبي يقع عليه وليس على الغير.
خامساً: ان كان لنزاع وهبي محل وموضوع بادعائه عدم صدور الفيديوعنه ، فنزاعه ليس ضد المخاطب والمتلقي للشريط بل مع الجهة التي بثته ونشرته اي قناة العربية.
سادساً: إن وهبي أخطأ هوية طرف دعواه الحقيقي، الذي هو قناة العربية، و إن دعواه في مواجهة الأستاذ عبد الرحيم منار اسليمي غير مقبولة ومآل شكايته الحفظ.
سابعاً: مجرد الانكار المجرد ‘’للفيديو’’ حتى الآن لا ينزع كون ‘’الفيديو’’ لصيق بالوزير وهبي ; و الانكار ليس مرادفا للبراءة وعليه الانتظار. لأن التنكر يوازي الرغبة للتملص من مسؤولية عبء الاثبات الذي يقع دائما عليه.
ثامناً: في حالة اثبات السيد وهبي كوزير عدم صدور الشريط عنه وانه ‘’مفبرك’’، فلا مسؤولية لمن تناول هذا الشريط بالنقد قبل ظهور هذه النتيجة لانتفاء القصد الجنائي كركن معنوي للجريمة التي يشتكي من أجلها.
تاسعاً: النقد مكفول لأنه حق في التعبير . و من حقوق الانسان، وحق دستوري. وهو الحق الذي يبحث الوزير عن مصادرته واعدامه. وله سوابق في محاولات تكميم الأفواه منها مشروع قانون تقنين وسائل التواصل الاجتماعي. ومحاولة نزع حق التشكي على جمعيات مراقبة المال العام…
عاشراً: ان اختيار السيد وزير العدل وهبي تفعيل قراره باللجوء الى القضاء، وهو حق يؤول له بمقتضى الدستور، فانه في اطار شكاية شخصية تخضع لنفس قنوات شكايات المتقاضين ولا تحظى بأي امتياز خلافا للإرادة التي امتلكته وتم التعبير عنها.
احدى عشر: تكليف السيد وهبي لاي قسم او مكتب او جهة في وزارة العدل لتوجيه الشكاية باسم الوزارة ضد الأستاذ وعلى نفقة الوزارة . وأمر وهبي كآمر بالصرف بدفع هذه نفقات كأتعاب يعتبر استغلالا للنفوذ وهدر للمال العام من أجل قضاء مآرب وأغراض شخصية وليست عامة.
اثنى عشر: ان فرضية واحتمال تفاعل النيابة العامة مع شكاية الوزير وهبي على النحو الذي أمر به “بالاحالة” يمس من حيث المبدأ باستقلال السلطة القضائية، لعدم وجود العلاقة بين الوزارة ورئاسة النيابة العامة على النحو الذي عبر عنه وزير العدل.
ثلاثة عشر: كما أن التسليم بذلك التصريح يعطي الانطباع او حتى التأكيد بوجود علاقة التبعية، او مازالت قائمة بين وزارة العدل ورئاسة النيابة العامة. رغم ان الأخيرة جهاز مستقل، وتم نزعه من تبعية الأولى لاتقاء الانتقام الشخصي والسياسي. وكان الله في عون الدكتور عبد الرحيم منار اسليمي لو جاءت شكاية الوزير وهبي ضده في ذلك العهد البائد.
أربعة عشر: لا أظن أن رئاسة النيابة العامة ستقبل بتنفيذ أمر او قرار وزير العدل وهبي القيام بتحقيق وجه لها بالاحالة. خارج طبيعة العلاقة التي يحكمها ميثاق التنسيق الثلاثي فقط. ولا يمتد تدخل وزارة العدل الى اختصاص النيابة العامة.
خمسة عشر: ان توجيه الوزير وهبي الشكاية ضد الدكتور عبد الرحيم منار اسليمي، وفقا للتعبير الواد عنه عندما استعمل عبارة عدم معرفته “الأستاذ مع من” اي الشك في اصطفاف الأستاذ مع جهات معادية للمغرب يحمل اشارة الى طبيعة الاتهام في موضوع الشكاية من أجل العمالة والخيانة. وهو اتهام خطير يفنده كل الشعب المغربي الذين سيقفون شهودا على وطنية الدكتور عبد الرحيم منار اسليمي.
ستة عشر: أكثر من ذلك ان اتخاذه القرار الفردي بإحالة شكاية باسم وزارة العدل او الدولة المغربية رغم عدم وضوح الجهة التي ستتبنى تلك الشكاية يفرض على السيد وهبي كوزير للعدل الحصول على ‘’اذن’’ او ‘’اخبار’’ مسبق من رئيس الحكومة لتقديم شكاية رسمية. وهو الأمر الذي لم يتم التداول بشأنه وبخصوصه. فالوزير وهبي فارس يسبق الفرس.
سبعة عشر: وفي الأخير أقول للسيد الوزير ان الأمر لا يعدو مجرد تلاعب بالكلمات وبعقول المتلقي في الاعلام. فالمساطر القانونية عبارة عن قواعد بروتوكولية شكلية اجبارية يجب احترامها تحت طائلة البطلان. وليس مجرد الرفض وعدم القبول. طبقا للمادة 751 من قانون المسطرة الجنائية. وان مآل شكايته سيكون الفشل وستنقلب عليه.
التعقيب السياسي
أولا: علق الكثير من المهتمين بخرجات وهبي باعتباره وزيرا للعدل وليس كفاعل سياسي، بعدما أصبح ظاهرة استثنائية في سلوك وخطابات وزراء العدل الذين تعاقبوا على هذه ”الوزارة السيادية”، لأهميتها في هرم النظام السياسي المغربي، ولهيبة وزرائها ، لأن كل الوزراء الذين تعاقبوا على هذه الوزارة كانوا وزراء حكماء عقلاء، أنيقين لغويا، قليلو اللغو و”الثرثرة” التواصلية، وإذا ما تحدثوا عن أي موضوع كانوا يركزون على العمق، ومتحكمين وضابطين للغة التواصل القانونية لكونهم وزراء العدل.
ثانيا: خرجة وزير العدل وهبي كانت خارج السياق، ومن سوء حظه أن خرجته مع تلك القناة تزامنت مع بلاغ رقم 10 لوزارة الداخلية والتي وضحت فيه التزام المغرب بالأعراف الدولية في الظروف الاستثنائية، وأن المغرب لن يقبل المساعدات إلا من الدول الشقيقة والصديقة.
ثالثا: دستوريا، كل القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية محفظة لصاحب الجلالة، وإذا كان هناك وزير حكومي مؤهل للحديث عن هذه القضايا بعد موافقة السلطات العليا، فهو وزير الخارجية، لكونه ضابط لكل ملفات قضايا الشؤون الخارجية.
رابعا: وزير العدل له اختصاصات محددة في القانون التنظيمي للحكومة، فهذه الوزارة مرتبطة بالعدل وبالقضاء وليس بالشؤون الخارجية.
خامسا: لم يفهم الكثير من المهتمين أسباب وأبعاد خرجة وزير العدل مع قناة عربية في سياق استثنائي صعب ،يحاول فيه النظام الجزائر استغلال هذا السياق للتشفي وتوريط المغرب ، وهو من أغلق الأجواء الجوية بشكل انفرادي، وبالتالي فإعلان النظام الجزائري تقديم مساعدات للمغرب ليس بريئا او اعتباطيا ، بل انه خطة مسمومة وخبيثة.
خامسا: كان على وهبي وهو وزير العدل، أن لا يخرج أصلا للحديث عن موضوع ليس من اختصاصه كوزير، خصوصا في موضوع يتعلق بنظام يمقت المغرب، ويوظف أي شيئ للإساءة لمؤسسات المملكة، وهو ما تم فعلا في هذه الحادثة، حيث استغل النظام الجزائري، وإعلامه تصريح وهبي للضرب في المغرب، بالقول أن وهبي وزير العدل مع قبول المساعدات الجزائرية والدولة ضد هذه المساعدات، وإن كانت وطنية وزير العدل، ليست موضع شك، فالاعلام الجزائري المريض بكل ما هو مغربي شوه تصريح وهبي البريئ مما نسب إليه من طرف الاعلام الجزائري، وهذا ما تضمنه بلاغ وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية.
سادسا: ما قاله وزير العدل وهبي بالبرلمان فيه ”تهور مفاهيمي”، لأنه لا يعقل أن يستعمل محامي ووزير عدل كلمة الإحالة لملف أستاذ جامعي وموقع الكتروني على النيابة العامة، لأن فيها ضرب لمستويات دستورية عدة، وهذا التهور اللغوي عند وهبي إحدى مشاكله التواصلية، التي سيؤدي ثمنها غاليا،خصوصا وأنه وزير عدل بالمملكة الشريفة.
سابعا: مرفوض أخلاقيا وسياسيا أن ينعت من انتقدوه ب ‘’التافهين وبأشباه المثقفين ‘’، لكونه شخصية عمومية، وبالتالي فهو معرض لكل أشكال الانتقادات، وعليه أن يترفع عن هذه الأوصاف، وأن يتقبلها بصدر رحب.
ثامنا: في حالة ما تشبت وهبي برفع شكاية ضد أستاذ جامعي وموقع الكتروني- ليس له أي ذنب سوى نشر تدوينة لنفس الأستاذ – ،فان ذلك سيتطلب الحصول على ”إذن ” أو ”موافقة ”، رئيس الحكومة قبل تقديم الشكاية، ومن غير المعروف الآن: هل عزيز أخنوش سيقبل ذلك في هذه الظروف الاستثنائية؟
تاسعا: لا يليق بوزير عدل ومحامي وأمين حزب أن يشكك في وطنية أستاذ جامعي يخوض حروبا إعلامية يومية من أجل المغرب – كما رددت بعض وسائل الإعلام-، ضد النظام الجزائري .
وهبي وزير العدل ،فاعل سياسي مشاكس له عدة مميزات، لكن ضعفه هو قلة الرزانة والتعقل والحكمة بصفته وزيرا للعدل، وعدم وعيه بمخاطر التواصل المؤسساتي والسياسي، لأنه لا يميز بين الاستهتار التواصلي، والتواصل المؤسساتي المسؤول.
عاشرا : إذا ما أقدم وهبي على مقاضاة منار اسليمي وموقع زنقة 20، فإن ذلك سيشكل ”فضيحة” لوزير العدل وأمين عام حزب، مشارك في الحكومة ضد أستاذ باحث وموقع نشر تدوينة الأستاذ، مما سيضر بصورة المغرب داخليا وخارجيا خاصة على المستويين الحقوقي وضمان حرية التعبير.
لذا، نعتقد بصفتي أستاذا جامعيا والأستاذ صبري أن المشكل سيحل بين وهبي ومنار السليمي سلميا، لمعرفتنا بطيبوبة قلب الرجلين احتراما للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وأن نبقى موحدين وراء صاحب الجلالة لقهر النظام الجزائري، العدو المتربص بالمغرب.
الأستاذ: صبري الحو – محامي بمكناس – خبير في القانون الدولي وقضايا الهجرة ونزاع الصحراء.
الأستاذ: ميلود بلقاضي – أستاذ جامعي بكلية اكدال الرباط
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا