الزلزال يكشف “مغربا” يجهله الكثيرون
كشفت فاجعة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز وامتد إلى مناطق أخرى من المغرب، جزءا من حقيقة المغرب التي كان يجهلها الكثيرون؛ إذ كشف مناطق نائية ومعزولة، لا تتوفر لدى ساكنتها شروط الحياة.
فبعد الزلزال، مضت حوالى 8 ساعات قبل أن تصل المساعدة إلى أردوز، واحدة من القرى الجبلية الكثيرة النائية، ما كشف عن المخاطر التي تواجهها هذه المناطق بفعل عزلتها.
وبعد أسبوع على أعنف زلزال ضرب المغرب منذ أجيال، ما زال من المتعذر الوصول برا إلى بعض قرى أعالي جبال الأطلس، من غير أن تحدد السلطات بدقة عدد هذه القرى.
وثمة طريق ضيق مكسو بالحجارة يقود إلى أردوز، تحيط به أشجار تفاح ويمر بمحاذاته نهر جفت مياهه، غير أنه ينتهي عند المنحدرات الجبلية الوعرة.
وعلى مسافة أقل من عشرة كيلومترات إلى الجنوب، خلف تلك الجبال الشاهقة، يقع مركز الزلزال الذي تسبب بمقتل أكثر من 2900 شخص وتشريد مئات الآلاف.
صدمة الفاجعة
ولا يزال عبد الحكيم حسيني البالغ 28 سنة تحت وقع صدمة تلك الليلة التي أودت بحياة عشرين من سكان أردوز الذين كان يبلغ عددهم نحو 200 قبل الكارثة.
فهو فقد والدته وجدّيه حين انهار منزلهم يوم 8 شتنبر الجاري، واضطر إلى انتظار وصول المساعدات لإسعاف المصابين، وهذا ما استغرق وقتا طويلا، ولو أنه كان أسرع منه في مواقع معزولة أخرى.
وقال: “أقرب مستشفى على مسافة ساعة، ولا يقدم علاجات كثيرة”.
وأوضح حسيني الذي يعمل طاهيا في الدار البيضاء وكان يزور عائلته عند وقوع الزلزال: “لم يكن بإمكاننا نقل المصابين، ولا حتى توفير العناية لهم.. أبقيناهم دافئين وانتظرنا وصول المسعفين، ما استغرق حوالى ثماني ساعات”.
وينتقل الكثير من سكان القرى الصغيرة في جبال الأطلس التي تشكل تربية المواشي النشاط الرئيسي فيها، إلى المدن بحثا عن فرص أفضل.
وتعاني هذه المناطق من الفقر مع وصول الحد الأقصى لإجمالي الناتج المحلي في إقليم الحوز إلى 20 ألف درهم في السنة، بالمقارنة مع حوالى 28 ألف درهم في مدينة مراكش المجاورة.
غير أن الفقر ليس العامل الوحيد الذي يحدد نوعية الحياة في القرى، وقال أحد سكان أردوز محمد العيّوط (62 سنة) “كان الناس هنا سعداء جدا، كانوا يعيشون حياة بسيطة وهادئة”.
وتابع المزارع الذي هرع من الدار البيضاء إلى قريته بعد ساعات قليلة على الزلزال: “بعد الكارثة، باتت الأمور في غاية الصعوبة”.
لسنا معزولين هنا
تحكم ظروف العيش في قرى مثل أردوز على الكثير من أبنائها بوقف دراستهم في سن مبكرة وبدء العمل، وهو ما سيتفاقم بعد الزلزال.
ولا تزال المدرسة الابتدائية في القرية صامدة، لكنها تظهر شقوقا عريضة وثغرات في جدرانها، ولا يزال اللوح في إحدى قاعاتها يحمل درس آخر حصّة دراسية وتاريخها: الثامن من شتنبر.
وقالت فاطمة أجيجو (55 سنة): “لا ندري إلى الآن ما سنفعل بالنسبة للأطفال، لم يعد لدينا مدرسة”.
وتابعت المرأة التي تقيم في مراكش منذ ما قبل الزلزال: “كانت الحياة هنا بالأساس في غاية الصعوبة، القرية معزولة جدا ومع الزلزال بات الوضع أسوأ”.
نشأ عبد الحكيم حسيني في أردوز، وأوقف دراسته في سن الخامسة عشرة لعدم وجود مدرسة ثانوية، وهو يعمل منذ ذلك الحين.
وهو يقر بصعوبة العيش في أردوز حتى قبل الزلزال الذي هدم كل منازل القرية تقريبا أو جعلها غير صالحة للسكن.
ويحتمي الناجون حاليا في خيم وفرتها لهم الحكومة والمتطوعون غير أنها لن تعود صالحة للسكن مع بدء موسم الأمطار والبرد في القرية الواقعة على ارتفاع 1700 متر.
غير أن حسيني يتمسك بذكريات طفولته حين كان يجوب الدروب الجبلية وسط مشاهد الجبال الممتدة على مدّ النظر.
ويقول وعلى وجهه ابتسامة طفيفة: “لسنا معزولين هنا، بل المدن هي المكان الذي لا يمكن التنفّس فيه”.