النظام الأساسي المرتقب لموظفي التربية والتكوين: أزمة جديدة تلوح في الأفق
تسعى وزارة التربية والوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمغرب إلى إخراج نظام أساسي خاص بهيئة التربية والتكوين بمعية الهيئات النقابية، وقد عملت في هذا الصدد على عقد مجموعة من اللقاعات مع اللجنة التقنية التي تعدت العشرين لقاء، على أن تكون الصيغة النهائية جاهزة نهاية غشت 2023. تراهن مجموعة من الفئات داخل حقل التعليم على هذا النظام عله يكون البسلم الشافي لمعاناتها، المادية والإدراية خاصة وأن فئات عريضة إما أنها وجدت نفسها خارج الترقية في الدرجة لأزيد من 10 سنوات، أو محرومة من بعض المبارايات التي تنظمها الوزارة. هذا ناهيك عن ملف الأساتذة المفروض عليهم التعاقد والذي عمر طويلا دون أن يجد طريقه للحل.
في الحقيقة، ومن خلال اطلاعنا على المسودة التي تم تسريبها مؤخرا والتي خلقت ضجة داخل مواقع التواصل الاجتماعي، فإن هذا النظام لا يتضمن أي تغيير جوهري فيما يتعلق يتعلق بوضعية أسرة التربية والتعليم باسثناء تغيير بعض الألفاظ مع العلم أن المطلب الأساسي لهذه الفئة كان ولا يزال هو الارتقاء بالوضعية المادية والإدارية خاصة في ظل الارتفاع المهول للأسعار وتراجع حافزية القطاع. بل الأكثر من ذلك، نجد هذه المسودة قد حملت تراجعات خطيرة خاصة على مستوى نظام التأديب ونظام الترقي ويمكن إجمال أهم ملاحظاتنا على هذا النظام فيما يلي:
1 تجميد الأجور، حيث لا تشير البلاغات النقابية والوزارية إلى نية الوزارة الرفع من القيمة المالية للدرجات والرتب ومراجعة الأرقام الاستدلالية وسط موجة الغلاء الفاحش الذي تعرفه بلادنا، مما يعنى أن أطر التربية والتكوين سيعانون لسنوات وسنوات من ضعف القدرة الشرائية.
2 النظام المرتقب يتبنى على المستوى التأديبي عقوبات خطيرة جدا في حالة ارتكاب الموظف لهفوة مهنية سواء، فيما يتعلق بالتوقيف المؤقت عن العمل أو القهقرة في الدرجات والرتب، حيث لا يوضح طبيعة المخالفات أو الهفوات التي يمكن أن تؤدي لهذه العقوبات، مما يترك باب التأويل مفتوحا للمجلس التأديبي بإستثناء عقوبة الحذف النهائي من سلك الوظيفة العمومية التي من المفروض أن تبنى على حكم قضائي سالب للحرية يرتكب فيه الأستاذ أو الأستاذة جناية خطيرة تعرض سلامة وأمن المرتفقين للخطر.
3 لم يتم حل معظم الملفات العالقة في هذا النظام بإستثناء ملفات الزنزانة 10 وملف الدكاترة وهو ما سيخلف احتجاجات قوية بسبب الحصيص الذي ستفرضه الوزارة للترقي الأمر الذي سيجعل فئة كبيرة من حملة شهادة الدكتوراه غير قادرين على الاستفادة من تعويضات “الإطار الجديد” كاملة لأنه إذا افترضنا وجود ترقية بالتسقيف بعد الامتحان، في هذا الإطار، فعلى الأرجح لن ترقى الأكثرية إلا بعد الاقتراب من سن التقاعد!.
4 النظام الأساسي المرتقب مؤطر بالفصل4 من النظام الأساسي العام للوظيفة وهو ما يجب أن لا نغفل عنه، لأنه يعطي الحق للإدارات في خلق أنظمة أساسية خاصة بها، وهو ما قد يجعل وزارة التربية الوطنية تضرب الوظيفة العمومية وتشرعن التعاقد في التعليم مع التلاعب فقط بالتسميات ( موظف عمومي جهوي، موظف إطار أكاديمية. ووللإشارة فقط فإن الفصل الرابع من المرسوم 1,58,008 ينص على أنه ” فيما يخص أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي ورجال التعليم والهيئات المكلفة بالتفتيش العام للمالية وموظفي كتابة هيئة الضبط بقطاع العدل وأعوان الشرطة وإدراة السجون روجال المطافئ وأعوان المصلحة العامة بإدراة الجمارك والضرائب غير المباشرة والمفتشين والمراقبين والحراس بالبحرية التجاريةوضباط الموانئ وموظفي المنارات وموظفي المياه والغابات، فإن قوانين أسياسية خصوصية يمكن أن تأتي بمخالفات لبعض مقتضيات هذا النظام الأساسي التي لا تتفق والتزامات تلك الهيئات أو المصالح”
يمكننا أن نلاحظ من خلال هذا الفصل أن هناك إمكانية لصياغة نظام قد يتحرر من بعض ضوابط هذا المرسوم سواء على مستوى كيفيات التوظيف أو الترقي أو حتى التأديب، ومادامت الوزارة قد أخذت بالفعل في اللجوء إلى “التوظيف عن طريق الأكاديميات” فإن هناك مخاوف حقيقية وسط الشغية التعليمية من أن يكون النظام الأساسيي المرتقب تسويعا لهذا النوع من التوظيف الذي ظل إلى يومنا هذا نقطة خلافية تثير الاحتقان بين الوزارة والنقابات ومن طبيعة الحال الأساتذة المفروض عليهم التعاقد.
5 سيؤدي النظام الأساسي الجديد إلى تغول الوزارة على الموظف البسيط ( مدير، أستاذ، حارس عام، إطار الدعم ….) خاصة وأنه يسير في اتجاه مأسسة تفويض الاختصاصات فيما يتعلق بالشؤون التأديبية والترقيات، َهو ما يعني أن الترقيات ستكون تحت رحمة الأكاديميات الجهوية. في حين أن المطلوب هو تقييد هذه الصلاحيات بنصوص قانونية واضحة وأن تكون هناك ضمانات فيما يتعلق بالتأديب مع تبسيط مسطرة الطعن في القرارات الإدارية المشوبة بالشطط في استعمال السلطة.
6 نظام الترقي في النظام الأساسي المرتقب سيخلف ضحايا اكثر من النظام السابق، وذلك راجع إلى التنقيط المقرر اعتماده والمؤشرات المرفقة به، وهو ما سيؤدي إلى تعطيل الترقيات حيث سترقى الأغلبية بالنسق البطيء! إن الوزارة إذ ترتبط الترقي بتحسن نتائج المتعلمين، فهي بذلك، تنظر لمشكل ضعف التعلمات نظرة تجزيئية كما سبق أن تاناولنا في عدة مداخلات في مناسبات فكرية وتربوية، لأن المطلوب هو مراجعة المناهج والمقررات التعليمية فضلا عن توفير الأطر الإدراية والتربوية اللازمة من أجل الحد من ظاهرة الاكتضاض وحسن سير المرفق التربوي بهدف تجويد التعلمات والرفع من مستوى التحصيل العلمي لدى المتعلمات والمتعلمين.
7 لا تشير البلاغات إلى أي تحفيز حقيقي لهيئتي الإرادة والتربوية و التدريس بإستثناء الشواهد التقديرية التي لا تسمن ولا تغنى من جوع بحسب تعبير عدد كبير من نساء ورجال التعليم، في الوقت الذي كانت تنتظر فيه الشغيلة تحفيزا حقيقيا ( منح الأعياد، راتب سنوي إضافي..) بسبب كثرة الأعباء والمهام الجديدة التي سيتم ترسيمها ( الدعم التربوي، المواكبة، تنشيط الحياة المدرسية).
قصارى القول، إن أي إصلاح حقيقي لا يمكن أن يكون إلا إصلاحا شوليا لمنظمومة التربية والتكوين وأن يستهدف أساسا الارتقاء بوضعية الموظفين ووضعية المتعلمين، لأن هذا هو المدخل الحقيقي لإرجاع الجاذبية لهذا القطاع وجعله محفزا أما غير ذلك، فإن كل المحاولات تظل بمثابة هدر للزمن التربوي يضيع على بلادنا سنوات من التنمية والتقدم والرفاه الاجتماعي.
محمد رتيبي: باحث في الفلسفة السياسية ومهتم بقضايا القانون وحقوق الإنسان.