هل ينجح التدخل العسكري لدول “إكواس” في إزاحة الجيش من السلطة في النيجر؟
تعيش منطقة غرب إفريقيا على صفيح ساخن منذ أن أعلن جيش النيجر إزاحة الرئيس محمد بازوم من السلطة في السادس والعشرين من يوليوز 2023 الأمر الذي تسبب في حدوث إضطرابات، ليس فقط على مستوى دولة النيجر التي ظلت ترزح تحت نير الفقر لسنوات وسنوات، وإنما أيضا إلى مخاوف وقلق بالغين على مستوى النظم السياسية المتاخمة التي ترى خطرا وشيكا ينذر بأفول سلطتها، الأمر الذي دفع تكتل دول “إكواس” إلى التفكير في إمكانية اللجوء للخيار العسكري. غير أن هذا الأمر يبدو من وجهة نظرنا أمرا صعبا لماذا؟
1 تدخل بطعم الفشل:
من حيث المبدأ يبلع عدد دول “إكواس” إثنتا عشرة دولة إذا استثنينا دولتي مالي وبوركينافاسو اللتان أعلنتا مساندتهما للسلطة الجديدة، هذا فضلا عن أن أغلب دول الإكواس ليست ذات قوة ضاربة عكسريا حتى يتسنى لها حسم معركة قد تتدخل فيها قوى إقليمية أخرى. علاوة على أن الدول التي تتزعم الإكواس تعاني بالفعل من مشاكل داخلية كالسنغال على سبيل المثال التي بدأت فيها موجات المعارضة للتدخل، ونيجيريا التي باتت موافقة البرلمان فيها أمرا غير مؤكد، نظرا لوجود معارضة قوية للرئيس “بولا تينوبا”.
تبقى إذن الدولة القادرة على التدخل المباشر هي “الرأس الاخضر” رفقة الدول الصغرى الأخرى، غير أن تدخلا كهذا قد يوسع من دائرة الحرب لتدخل مالي وبوركينافاسو لجانب السلطة الجديدة في النجير. وهذا من طبيعة الحال سيكون بمثابة النار التي ستحرق المنطقة سياسيا واقتصاديا وربما قد تدخل دول أخرى مجاورة في صراعات داخلية نتيجة ضعف السلطات المركزية في تلك البلدان.
هناك عامل آخر قد يفشل أي تخدل عسكري ويتمثل في “قوات فاغنر الروسية” ذلك أن هذه القوات تمتلك خبرة كبيرة في مجال القتال، هذا فضلا عن ميزانيتها الضخمة التي تبلغ قرابة عشرة مليارات دولار الأمر الذي يجعل قوات فاغنر تتفوق على عدد كبير من جيوش دول الإكواس.
إذا أخذنا بعين الاعتبار موقف الجزائر الرافض للتدخل، وموقف الحياد الذي تبنته تشاد، فإن الحل الوحيد سيكون احتياج النيجر عبر نيجيريا بحكم الحدود المشتركة التي تصل لقرابة 1400 كلم وهذا بدوره أمر صعب حيث ستكون القوات المتدخلة أمام درع دفاعي ضخم سيسقط العديد من القتلى في الطرفين فضلا عن الخسائر الكارثية على اقتصادات تلك الدول.
2 السيناريوهات القاتمة :
في حالة الفشل في إزاحة السلطة الجديدة ما هي النتائج المتوقعة؟
في الحقيقة، فإن ملامح الفشل قد بدأت تبرز منذ البداية، عندما لم تلتزم دول “إكواس” بالمدة الزمنية للتدخل وهو ما يعطي انطباعا بضعف تلك الدول، فإذا لم تتدخل في الأصل ستكون تلك نهاية تلك الانظمة على المدى القريب والمتوسط، حيث سيشجع ذلك جيوشها على تنظيم إنقلابات ضدها. أما في حالة تدخلت وفشلت فستكون تلك كارثة أكبر ستدخل المنطقة في زلازل سياسية واقتصادية سيتطلب التعافي منها عقودا وعقود.
وفي كل هذه الأحوال، فإن الرابح الأكبر هم الروس والصينيون الذين سينجحون في لجم الهيمنة الغربية والحد من “سرطان الاستغلال الفرنسي” وبالتالي، إنشاء استثمارات بمليارات الدولارات وهو ما يعني حرفيا موت الدولار ونهاية عصر الهيمنة الأمريكية، وسيكون ذلك الضربة الثانية القاسمة بعد عملية البريكس المقرر إطلاقها من طرف تكتل بريكس قبل نهاية هذه السنة.
في كل هذه الأحوال، وسواء أتم التدخل العسكري أم اتخذ الضغط شكل عقوبات اقتصادية، فإن الخاسر الأكبر هو مشروع “الوحدة الإفريقية” وحلم التنمية الإفريقية وشعب النيجر.
3 ضعف اقتصادي وشبح أزمة إنسانية:
إن التدخل العسكري لا يمكن أن يكون حلا، خاصة في دولة كالنيجر والتي تعاني أصلا من الفقر حيث يصل لمستوى 49,9 في المائة كما لا يتعدى دخل الفرد الواحد 420 دولار أمريكي، إضافة إلى أنها تحتل المرتبة السادسة ضمن الدول الأسوء على مستوى مؤشر التنمية البشرية، مما يعني أن أي تدخل بالقوة قد يؤدي إلى أزمة إنسانية وموجات نزوح قد تمتد آثارها إلى كل دول القارة.
وعليه، فإن المطلوب من وجهة نظرنا، ليس إدخال “غرب إفريقيا ” في آتون حرب مدمرة، بل المطلوب هو مساعدة شعب النيجر اقتصاديا بعد العقوبات الغربية الأخيرة وحماية هذه الدولة وتوفير شروط السلم حتى تنعم بالتنمية اللازمة والسيادة على ثرواتها. فالشعب النيجري هو وحده الذي من حقه اختيار حكامه وليس لأي دولة الحق في انتهاك سيادة هذا البلد، لأن السيادة وسلطة اتخاذ القرار تبقي حقا شعبيا غير قابل للتفويض.
محمد رتيبي/ المغرب
باحث في الفلسفة السياسية، وقضايا القانون وحقوق الإنسان.