فوزي لقجع.. يامْزَعلهم
لم تعد بلاد “الكراغلة”، كعادتها، منشغلة بالرد على زعماء السياسة، وأقوال المؤرخين، وشهادات المقاومين…
ولم يعد الشرق، يهتم بمبدعي بلادنا، ولا عن عروبتنا المفترضة، ولا عن سِحر طبخنا وجمال حواضرنا…
اتفق الكراغلة والمشارقة، على اختزال بلادنا ورجالاتها في “ظاهرة” فوزي لقجع…لماذا يا ترى؟ فلقجع، لم نقرأ له ما يفند مقولة “الحدود الموروثة عن الاستعمار”، ولا دفاعا عن “مدنية السلطة”، ولا مرافعة بشواهد تاريخية لعلاقة قبائل الصحراء بحاضنتها المغربية، وهو ما كان سيقلق الكراغلة لا محالة.. كما أننا لا نعرف حديثا لفوزي لقجع، عن “الخصوصية المغربية”، و”العبقرية المغربية” المزعج للشرق الذي يصر أن يرى فينا، مجرد صورة أو صدى له…
انشغال الجميع بفوزي لقجع، يرجع، بعد بحث طويل في الأسباب والمسببات، إلى نجاح الرجل في قيادة الجامعة الملكية لكرة القدم، والمكانة التي بوأها لبلادنا على مستوى الهيئات الكروية قاريا ودوليا (الكاف/الفيفا)، وأيضا للنتائج التي بدأت تحققها منتخباتنا الوطنية، والتي يبحث لها عن تفسير-تبرير خارج منطق العمل الجاد، والتفاني، ووضع التصورات المناسبة ومتابعة إعمالها…
لهذا، كان لا بد “للمنهزم”، رياضيا، من مشجب يعلق عليه فشله.. فالكراغلة لم يستوعبوا أن رجالات العسكر يتساقطون تباعا من مدني، لا يستعمل ضدهم أي سلاح، ولا يتبجح بأموال الريع، ولا بعتاد السوفيات، والألاعيب النارية لصبية شنقريحة.. فالرجل أزاح، بالتتابع، كلا من روراوة، وزطشي، وزفيزف (ما هذه الأسماء الغريبة).. ولم يعد للقوة الضاربة أي ممثل في المكتب التنفيذي للكاف، بل إن ممثل ليبيا يحظى بأكبر التقدير لدى المنتظم الإفريقي، قياسا بممثل “القوة الضاربة”.. أما مصر، فلا تريد أن تعترف بأن معادلة الرياضة فيها خسران، فصحافتها، تبعا لذلك، تفقد رباطها، وتخرج عن وعيها، وتحول فضاءات الحوار إلى مشتمة أو إلى حائط مبكى.. فتتحدث عن ظلم لا دليل عنه، وعن سرقة لا وجود لأركانها، وعن مؤامرة موجودة في ذهن من تخيلها.. متناسية أنها تحتضن مقر الكاف، وإقامة بعض الحكام، وأن من بين أبنائها من أنطقه الحق، فأدلى بشهادته أمام الملأ، مقرا بأن ذويه، إنما ملئوا خزائنهم بالألقاب، عن طريق شراء الذمم وتواطؤ أصحاب البذلات السوداء…
كيف يمكن لرجل أعزل، أن يمتلك كل ما يُحكى عنه، من قوة وتأثير وكولسة ودهاء؟…وكيف يمكن لرجل واحد أن يصنع قرارا هو في النهاية قرار جماعي؟ وكيف يخرج هذا الرجل من كل ما يُحاك ضده سالما، فائزا مظفرا؟ ما لا يريد الكراغلة وأهلنا في الشرق، الاعتراف به، هو أن فوزي لقجع يهددهما بصراحته، ومشروعه الإصلاحي… يؤرق مضجعهما لأنه يقول الحقيقة للذين يحنون إلى فترة الكاميروني عيسى حياتو، ولأنه يستثمر في التكوين وفي البنيات التحتية وفي الكفاءات الوطنية… ويحلم بمغرب يقارع الكبار، ويصل إلى البوديوم…
وعوض أن تفتخر شمال إفريقيا برجل من هذه الطينة، نجد أن إفريقيا السوداء هي التي ترحب به، وبمشروعه، وتقدمه على أنه مثال يحتذى…لماذا؟ لأنها ملت من خطاب التواطؤ، والمعاملات المريبة وشراء الذمم… وتريد أن تنعتق من هذه الدوامة عبر تبني نهج آخر يقوم على الكفاءة والحكامة، وهو ما لا تجده خارج تجربة بلادنا…
لهذا نفهم لماذا “يُزعلكم” فوزي لقجع يا صحافة أم الدنيا….ولهذا نستوعب لماذا تُتهم “بالكولسة” من قبل صحافة العسكر، لأنك تضيف أسماء جديدة إلى قائمة المليون شهيد…
د. حنان أتركين – عضو مجلس النواب
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.