في الحاجة إلى حكومة سياسية خالصة
رئيس الحكومة مطالب بالتحرك، وفي وقت قياسي، لكي لا يسجل التاريخ أن وصوله كان متأخراً، فهناك صدمة لدى المغاربة في بعض أعضاء الحكومة الذين قدموا للمغاربة على أنهم الأكفأ والأكثر نزاهة، لذلك حظوا بشرف التعيين الملكي وحظوا بثقة البرلمان، فهذه الثقة اهتزّت. ما حصل يُعدّ سقطةً أخلاقية لا يحتاجها المغرب في هذا الظرف بالذات.
إن المرحلة الحالية تقتضي حكومة سياسية، باعتبار أن أزمة البلاد مركبة، والكفاءات الإدارية تحتاج إلى توجيه سياسي. في وقت نحتاج إلى إصلاحات جذرية في كل المجالات باعتبار أن الأزمة الحالية هي أزمة هيكلية وليست ظرفية.
لهذا فإن التعديل ينبغي أن يكون على أسس واضحة المعالم والأهداف، على مستوى برنامج عمل حكومي يتسنى معه للفريق الحكومي العمل باستقرار وبتجانس وفق بوصلة واضحة لتنزيل البرنامج الحكومي.
إن إعادة الثقة في الحكومة تستوجب تحديد من المسؤول السياسي الأول عنها، عزيز أخنوش باعتباره رئيسا لها والمبادرة لطرح التعديل الحكومي باتت ضرورية وليست خيارا سياسيا فحسب فهناك حالة فراغ على مستوى عدد من القطاعات الحكومية، إضافة إلى شبهات وتضارب مصالح لدى بعض الوزراء، مما يستوجب من رئيس الحكومة التحرك في إجراء التعديل قبل منتصف الولاية الحكومية، بغاية المحافظة على بعض من مصداقيتها وإضفاء مزيد من الفعالية على عمل الحكومة، واستدراك نقط ضعفها فكيف للحكومة تنزيل برنامجها، وهناك تضارب للمصالح يتطلب محاربة الفساد، وبعض أعضائها تدور حولهم شبهات. وكيف الحديث عن دولة المؤسسات وتصريحات بعض الوزراء كشفت كون بعض أعضائها استخفوا واستهانوا بالرأي العام؟
وينبغي لرئيس الحكومة في مرحلته القادمة أن تكون أولوياته الكبرى محاربة الفساد؛ عبر إعادة هيكلة بعض القطاعات وإحداث كتابة الدولة في الماء وإعادة هيكلة وزارة الفلاحة بضخ فيها كفاءات لكون واقع الحال وأزمة الغلاء أظهرت أن بعض أطرها باتت محدودة العطاء.
إننا أمام تنزيل الحمولة الاجتماعية للدولة ينبغي مواجهة التحديات الحالية بغية تحقيق الدولة الاجتماعية ولا يمكن تحقيق هذه الانطلاقة في ظل وجود وزراء شرعوا في استغلال مناصبهم الحكومية.
إن التعديل الحكومي في هذا الوقت بالذات هو من مصلحة رئيس الحكومة والأحزاب المشاركة في حكومته الذين بنوا البرنامج الحكومي على تحقيق الدولة الاجتماعية، وبعث رسالة سياسية أن هناك تقييمًا للأداء الحكومي بعد مرور أزيد من سنة على تنصيبها، وفي هذه المرحلة بالذات الذي يإن في المواطن المغربي في موجة غلاء يجب بعث رسالة أن أطراف الحكومة متفاعلة مع الشعب وتؤكد حرص الحكومة على دفع التنمية ومعالجة القضايا الجوهرية التي تتعلق بمصالح المواطنين.
فمن المفروض أن يرتفع عمل البرلمان في إطار الرقابة والتشريع ولا يبقى فقط ماكينة تصويت توفر الدعم لمشاريع الحكومة.
الهدف من التعديل الحكومي هو الرفع من الفاعلية والنجاعة بما يتلاءم مع التحديات التي تواجهها الحكومة وتنزيل مخططاتها.
لهذا فإن منطلقات التعديل ينبغي أن تكون بروح وطنية وعدم خضوع لأي شكل من أشكال الابتزاز والمقايضة، ينبغي في أعضائها أن يكونوا من وزراء لا يرتقي شك إلى نزاهتهم، وأنه لا مجال لتعيين أشخاص تحوم حول سيرتهم وتصرفاتهم شكوك.
كما إن رئيس الحكومة ينبغي أن يقيم فريقه الحكومي خاصة أن هناك تقييمًا سلبيًا لعمل الحكومة كشفتها نتائج على أرض الواقع في ظل تفاقم الأزمة الاجتماعية وتعثر برامج الإصلاح وممارسات بعض أعضاء الحكومة التي لا تنسجم مع شعارات الحكومة وبالتالي ضرورة رحيل أعضائها غير القادرين على تقديم حلول في ظل سياسات الحكومة اللااجتماعية المفقرة لعموم الشعب المستهدفة لقوت المغاربة والتي أنتجت الزيادات المجحفة في الأسعار مما انعكس سلبا على المقدرة الشرائية لمختلف الشرائح.
فمناخ عدم الثقة المشحون بالتوترات، خاصة في ظل الخناق الذي تفرضه الحكومة على مواطنيها، سيؤدي إلى زلزال وانفجار اجتماعي في عدة قطاعات، بسبب الأزمة الاقتصادية، وعدم قدرة الدولة على معالجة الأوضاع المعيشية الصعبة.
فالغلاء أصبح زاحفا وشاملا وجامحا، والحكومة نهجت أسلوب الصمت في ظل العجز عن كبح الأسعار، في ظل إجراءات غير مجدية نتيجة ضعف الأجور، وهو ما يجعل وطأة الغلاء مضاعفة.
تواصل النسق التصاعدي للأسعار يحبط كل المحاولات الرسمية للمعالجة، وفي ظل غياب برنامج لتحفيز الاستثمار وزيادة نسب النمو.
تردّي المشهد السياسي، وفقدان الثقة في الأدوات الحزبية والزعامات الحزبية التي من المفترض أنها تحمل مشروعا للعدالة الاجتماعية والمناضلة ضد السياسات اللبيرالية المتوحشة، سيفاقم من حجم الحركات الاجتماعية لمواجهة آلة سحق الحقوق الاقتصادية ــ الاجتماعية، هذه المطالب الاجتماعية يمكن أن تتحول إلى مطالب سياسية في ظل جيل غاضب، يراكم النضالات لإبقاء جذوة المواطنة والكرامة، في انتظار أن تختمر الظروف أكثر وتتطور وتكبر وتخرج من محابسها المؤسساتية إلى الشارع.
د. رشيد لزرق
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.