وداعا محمد الوفا.. وداعا صاحب أجمل ابتسامة داخل البرلمان (بورتريه)
فاطمة راجي- بدا خبر موته كالصاعقة عند متتبعي الشأن السياسي، يوم الأحد 27 دجنبر الجاري، رحل عن العالم، فقيد حزب الاستقلال محمد الوفا، الذي حكى ذات يوم أن هذا الحزب موشوم على جبهته، وترك خلفه، مسارا استثنائيا، طبعته الصرامة في العمل، والبهجة في الخطاب.
تعددت المهام التي أسندت للراحل الوفا، وكان أبرزها وزارة التربية الوطنية، في ولاية بن كيران الأولى، حيث تبنى منهجية التتبع، واختار أن يكسر الصورة النمطية للوزير المقترنة بالمكتب والتوقيعات، بنزوله إلى الميدان، وكان دوره كما أفصح في أكثر من مناسبة، كشف الاختلالات التي ظلت تنخر المنظومة التربوية لسنوات.
المسار الأكاديمي:
ازداد فقيد المشهد السياسي المغربي، سنة 1948، في مراكش، ودرس العلوم الاقتصادية بكلية الحقوق بالرباط، وسافر إلى باريس لإتمام دراساته العليا في الشعبة ذاتها، فيما شغل منصب أستاذ مساعد بكلية الرباط سنة 1976.
المسار السياسي:
انتخب الوفا نائبا برلمانيا عن حزب الاستقلال سنة 1977، وقضى حوالي أربع ولايات تشريعية تحت قبة البرلمان، كما تدرج في مختلف تنظيمات الحزب، حيث تولى منصب الكاتب العام للشبيبة الاستقلالية ما بين 1976 و1984، وترأس الاتحاد العام لطلبة المغرب، وكان عضوا في اللجنة التنفيذية لحزبه منذ سنة 1982، كما فاز برئاسة المجلس البلدي لمراكش سنة 1983، قبل أن يعين منذ سنة 2000 سفيرا للمغرب في الهند وبعدها إيران ثم البرازيل.
علاقته مع بن كيران:
برزت العلاقة الوطيدة التي جمعت الفقيد مع رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، منذ تعيينه وزيرا للتعليم في يناير 2012، فقد جاء على لسان بن كيران اليوم في كلمة تأبينية على روح صديقه: “عندما عينت رئيسا للحكومة اختلفت أنا ومن كلفهم جلالة الملك في بعض الأسماء، إلى أن اقترحوا علي الوفا، ففرحت، لأنه رجل محترم ولطيف، وكأننا نعرف بعضنا من زمان، واشتغلنا معا إلى أن غادرنا الحكومة”.
وبدوره كان الوفا معجبا بشخصية بن كيران، ومشيدا باستيعابه السريع لقضايا التعليم، لذلك بقي إلى جانبه حتى بعد صدور قرار من حزب الاستقلال يقضي بتقديم جميع وزرائه الاستقالة من الحكومة، مما جعل قيادة الحزب توقفه من مهامه الحزبية في يوليوز 2013، فسارع آنذاك بن كيران إلى تعيينه وزيرا لا منتميا منتدبا لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة.
ودامت العلاقة حتى بعد إعفاء بن كيران من رئاسة الحكومة سنة 2016، إذ ذكر هذا الأخير ذلك في كلمته التأبينية: ” لم يسبق لي أن رأيت رجلا يتطابق اسمه مع حقيقته، كان وفيا، فمنذ أن أعفاني الملك، ظل يزورني باستمرار كل يوم ثلاثاء أو أربعاء، ولا يتخلف إلا تحت ظرف معين”.
ابتسامة فريدة
يستحيل أن تضع اسم محمد الوفا على محرك البحث “غوغل” دون أن تظهر على سطح المتصفح صورة مثيرة له وهو يبتسم ابتسامة جميلة فيما ظهره مقوس داخل البرلمان.
كان الوفا كثير المرح والدعابة، وقلما تجده غاضبا، فما إن يواجهك، حتى يفاجئك بابتسامة عريضة دون أن يبخل عليك بالعديد من النكت، قبل أن تخرسه المنية إلى الأبد.