الجمعيات التي نريد؟
يضطلع الفاعل المدني بمهام مجتمعية كبرى ذات بعد استراتيجي تقوم على التعاطي مع مختلف الظواهر الاجتماعية التي تكتسي طابعا استثنائيا بحس واعي من المسؤولية، وذلك من منطلق تقييم واقعي للأوضاع السياسية والاقتصادية لأي منطقة كانت، وحرصا من الدولة على ضرورة الاستفادة من مواردها البشرية سنت مجموعة من القوانين المتقدمة، والتي تنسجم مع روح الدستور بهدف إشراك المواطنين في تدبير السياسات العمومية التي لها ارتباط بمعيشهم اليومي في إطار الاحترام التام للقانون، كما منحت السلطات العمومية حظوظا أوسع لهاته الفئات لتضطلع بأدوارها المنوطة بها، وذلك من خلال فسح المجال للجميع دون إقصاء أو تمييز للتنظيم في إطار جمعيات أو أحزاب سياسية تكريسا لخيار التدبير التشاركي كآلية لتعزيز الممارسة الديمقراطية مما سيوسع من إمكانية صنع القرارات الحاسمة التي ستقوي من مسار البناء المؤسساتي ببلادنا.
فالسيرورة التاريخية لأي بلد كشفت أن تأسيس الإطارات المدنية لم يكون يوما وليد الصدفة، بل جاء إثر حركية تداخلت فيها عدة محددات انتهت بميلاد مؤسسات للتأطير والتنشئة الاجتماعية حسب مكان تواجدها والغاية من إحداثها وكذا الهدف من تأسيسها، غير أن توسيع هامش الحرية بوطننا أفرز كنتونات جمعوية تقوم على ممارسات مجرمة تقتضي أحيانا فتح أبحاث قضائية في حق القائمين على تسيير هاته التنظيمات التي تتلقى دعومات عمومية من الدولة و تتبنى سلوكيات تنطوي على تحويل العمل التطوعي إلى فعل ذو أبعاد ربحية، وهذا طبعا لا يعفي الفاعل المدني من حقه المكفول قانونا ودستوريا من إعداد دراسات لمشاريع مدرة للدخل محددة الأهداف وتنسجم في الآن ذاته مع البرامج الحكومية، إلا أن تحقيق هذه الغاية قد تعترضها جملة من العراقيل و المشاكل من قبيل حرص السلطات العمومية على إجراء أبحاث عن المبادرين لتأسيس جمعيات و أحزاب، و مراعاة مدى قدرتهم على بلورة تصورات عملية تستجيب لتطلعات المواطنين الطامحين للعيش في مغرب الحريات و الكرامة و العدالة الاجتماعية، و هنا نستحضر كنموذج قائدة الملحقة الإدارية الأولى بتيفلت التي حرصت منذ تعيينها على التعامل الصارم مع كافة العناصر التي تبنت نهج الاشتغال في سياق اللجان التحضيرية لعقد الجموع العامة للعديد من التنظيمات سواء منها المدنية أو السياسية .
فالقائدة المذكورة أصبح سلوكها معروفا لدى البادي والداني حيث بمجرد ما يلج إلى مكتبها مواطنون بهدف تقديم طلب باسم لجنة تحضيرية معينة لتأسيس جمعيات أو أحزاب حتى تفتح ذات المسؤولة نقاشا حول دوافع وسياق تبنيهم لمبادرتهم والغاية منها، وهذا الأمر خلق مناخا سليما من حيث دعم الحق في التنظيم وتأسيس التنظيمات المدنية الجادة التي ستقوي من دعائم بناء المجتمع المدني الفاعل في دينامية التنمية الاجتماعية عوض فسح المجال للمستفيدين من الريع والذين تنعدم فيهم شروط الكفاءة والأهلية المطلوبة والتي تقتضيها الظرفية السياسية الحالية، فواقع المجتمع المدني بمدينة تيفلت اليوم يجسد واقع مرير يعكس بواقعية تصرفات بعض المنتسبين للسلطات العمومية والذين تورطوا بشكل أو بآخر في إصدار قرارات غير مبنية على تصورات منفتحة تتقاطع مع السياسات الحكومية المعلنة إبان حقب زمنية متفرقة وهو ما أفرز لنا وضعا يتطلب اليوم جهودا مضاعفة لمعالجة الأوضاع التي طفت على الساحة عقب أخطاء غير مبررة صدرت خلال الماضي .
فكيف لنا اليوم أن نحتج عن سلوك جمعيات تنشط في إطار الإحسان العمومي وتجمع التبرعات العمومية تحت ذريعة العمل المدني وتتلقى مساعدات وإعانات عبر الوسائط الاجتماعية من جهات غير معلومة وأحيانا من خارج التراب الوطني، وهذا يفتح الباب أمام تساؤلات عدة حول الجدوى من تأسيس بعض التنظيمات التي تزيغ عن مسارها المحدد في عقدها التأسيسي وأهدافها العامة، وهذه الممارسات دفعت ببعض المواطنين العاطلين عن العمل للقيام برصد الحالات التي تشكو من العوز الاجتماعي بهدف استغلالها و ابتزاز المحسنين بعلة مساعدة المستضعفين و الحال أن الأمر لا يعدو أن يكون نصبا و احتيالا؛ إذ يقدم المتورطون على تقديم تأكيدات خادعة للفئات الميسورة بهدف الإيقاع بهم في الخطأ قصد تحقيق المنفعة المالية .
إن السلطات العمومية بتيفلت ومنذ تعيين الباشا الجديد أصبحت تتصدى بكل حزم وفي إطار اليقظة اليومية لكافة مظاهر التسيب والعبث التي تتم في مثل هكذا وضعيات تقتضي المساءلة القانونية، إذ لم يعد متاحا بالمرة تنظيم أنشطة غير قانونية باسم المجتمع المدني دون استيفاء المساطر القانونية و هذه التدابير الجديدة ستعزز من تواجد التنظيمات المدنية التي تزاول أنشطتها في إطار القانون كما ستضعف من مساحات تواجد أخرى تعتريها شبهات تدبيرية .
حسن اليوسفي / إعلامي وناشط حقوقي
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.