المغرب والجزائر شعب واحد بحدود سياسية
منذ بداية التوتر بين المغرب والجزائر على المستوى الرسمي، طالبت بعض الأصوات هنا وهناك من المثقفين والإعلاميين والسياسيين والحقوقيين العقلاء بالخروج عن صمتهم لرأب الصدع بين الشعبين الشقيقين، والتصدي لموجة الحقد والكراهية التي تغذيها الطاحونة الإعلامية بمختلف مكوناتها، وإن كانت للأسف هذه الموجة في الجزائر تتم في مرات كثيرة على المستوى الرسمي.
إذن، هذه المقالة هي بمثابة الانخراط الفعال والايجابي للمساهمة في التصدي لهذه الموجة، أي أنها تأتي في سياق تضخم التوتر بين المغرب والجزائر على المستوى الديبلوماسي، حتى وإن كان المغرب قد واجه استفزازات حكام الجزائر الأخيرة بنوع من النضج السياسي، المتمثل تارة بالصمت وتارة بمد يد الصفح والمساعدة من أجل طي صفحة الماضي. وللإشارة، لن نهتم برصد المبررات التي اعتمدتها الجزائر سواء التاريخية أو الراهنة في اتخاذ الإجراءات السياسية والديبلوماسية التي قامت بها تجاه المغرب. لأن الدافع وراء كتابة هذه المقالة، هو استجابة لصوت الضمير، الذي يتجلى في القيام بالدور التاريخي الذي يلزمنا به واجبنا الأخلاقي كمواطنين لنا قناعة تامة بأن التوتر بين البلدين الشقيقين هو ضد مصالح وإرادة الشعبين.
إن التوتر الحاصل بين المغرب والجزائر يروج اعلاميا على أنه يتم فقط على المستوى الرسمي، بينما أمر الواقع يؤكد العكس، حيث صار هذا التوتر ينعكس سلبا على نفسية فئة معينة من كلا الشعبين حتى وإن كانت هذه الفئة لازالت تشكل أقلية.
وبغض النظر عن طبيعة التوتر وتبعاته، فإن التكلفة للأسف يدفعها الشعبين سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وفي الآتي من الفقرات بعض الاضاءات على هذه المستويات:
- سياسيا، هذا التوتر المفتعل هو في الحقيقة نتاج غياب الديمقراطية في البلدين الشقيقين، والذي بدوره يؤدي إلى عرقلة مسلسل الانتقال الديمقراطي في البلدين، وإن كانت هناك تفاوتات في النوع وفي الدرجة بين طبيعة النظام السياسي والخيارات الاقتصادية بالبلدين. مع العلم بأن تأجيل الديمقراطية أو عرقلة مسلسل الانتقال الديمقراطي في البلدين غير مرتبطة بالإرادة السياسية الداخلية وحدها، وإنما الأمر يتجاوز ذلك بتدخل القوى الخارجية، التي في صالحها أن يبقى هذا التوتر قائما، باعتبارها المستفيد الأكبر منه، سواء في بيع السلاح أو في توظيف هذا الصراع للحصول على امتيازات ضخمة كلها تصب في استنزاف ثروات البلدين.
- اقتصاديا، التوتر السياسي بين البلدين الشقيقين، يرخي بظلاله على المستوى الاقتصادي، ويقف كحجر عثرة أمام تشكل كيان اقتصادي ليس بين البلدين فقط، وإنما أمام تشكل كيان اقتصادي محلي أو إقليمي، الشيء الذي ينتج عنه عرقلة معظم المشاريع التنموية الاستراتيجية في البلدين بل في المنطقة بكاملها. علما أن كل الخبراء الاقتصاديين يؤكدون على أن هذا الكيان الاقتصادي قادر على خلق قوة اقتصادية قد تلبي جميع الحاجيات لدول المغرب الكبير، وخاصة أن هذه البلدان لها ثروات متعددة ومتنوعة، بحيث أن ما ينقص البلد الأول فالبلد الثاني قادر على توفيره.
في نظر هؤلاء الخبراء، هذا التبادل الاقتصادي إذا لم يساعد شعوب المنطقة بشكل عام والمغرب والجزائر بشكل خاص في تحقيق الرفاه الاجتماعي، فإنه سيرفع عنهم بشكل كبير ضيق العيش الذي يتخبطون فيه منذ ستينيات القرن الماضي إلى اليوم.
- اجتماعيا، التوتر السياسي وتبعاته الاقتصادية، يرخيان بظلالهما أيضا على المستوى الاجتماعي، مما ينتج عنه ضعف وهشاشة الاستفادة من الخدمات الاجتماعية، وكذا ضعف جودتها في مختلف الميادين، وخاصة في قطاع الصحة، والتعليم، والنقل، والشغل… والشاهد على ذلك، المستويات المخجلة التي تجعل هذين البلدين بالخصوص يُصنّفان في ذيل سلم التنمية البشرية سنويا، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الهجرة سواء النظامية أو غير النظامية، وكذا ارتفاع نسبة معدلات الانحراف والاجرام وكل الظواهر السلبية التي يعج بها المجتمع المغربي ونظيره الجزائري.
عموما، تشكل هذه المستويات العمود الفقري لكل دولة، فإذا صلحت تتقوى الدولة وتصبح رقما صعبا في معادلة العلاقات الخارجية، وإذا فسدت يضعف جسم الدولة وتنهار مقاومته. وإن أخطر فيروس ينخر جسم الدولة هو الفساد، وللأسف لا أحد يستطيع أن ينكر بأن الفساد في هذين البلدين الشقيقين أصبح مهيكلا، فعوض أن يستفيد الشعبين من ثروات بلدانهما، تستفيد منها أقلية تتمثل في النخب الكومبرادورية. وفي الحقيقة هذه الأخيرة ليست صاحبة رأسمال، وإنما هي صاحبة ثروة نقدية كبيرة راكمتها إما بالوراثة المشبوهة أو بوسائل انتهازية طفيلية أو ما شابه ذلك، أي أنها مجرد وسيط للبضائع الأجنبية وخاصة الامبريالية منها الموجهة للاستهلاك والمتاجرة في الأسواق المحلية. وهذا السلوك الاقتصادي الريعي لا يقف فقط سدا منيعا أمام بلورة اقتصاد وطني مستقل، وإنما يعمق التبعية الاقتصادية للدول الامبريالية.
ما أود التأكيد عليه من الإشارات السابقة، هو أنه حينما يصبح الفساد مهيكلا في دولة ما، لابد أن تصنع له النخب الحاكمة ما يحميه ويضمن استمراره، لأنه بشكل أو بآخر يخدم مصالحها ويحافظ على امتيازاتها، وما يضمن استمرار الفساد المهيكل في البلدين هو هذا التوتر المفتعل بين البلدين على المستوى السياسي. والذي يشكل الجدار الفاصل بين الشعبين، برغم من أن الجغرافية، وكل المقومات الحضارية، التي تكمن في اللغة والدين والثقافة بمختلف روافدها الاثنية والعرقية تجمع بينهما. وبالتالي لا يمكن أن يشكلا لبعضهما البعض العدو الموضوعي، كما تحاول الطاحونة الإعلامية ترسيخه. فالعدو الموضوعي للشعبين الشقيقين هو القوى الامبريالية وعلى رأسها الدولة الفرنسية، فهي وبعض أذنابها الوحيدين المستفيدين من هذا التوتر، وإن كانت التحالفات الاستراتيجية الجديدة جعلت النظام المغربي ونظيره الجزائري يتعاملان مع فرنسا بنوع من الندية بخصوص العلاقات الخارجية، وإن كنا نعتبر ذلك مجرد مسرحية هزيلة، لأننا نرجح أن هناك علاقة قوية بين النخب الحاكمة بالمغرب والجزائر والدولة العميقة بفرنسا. بلغة أخرى، فالاستفزازات والصراعات التي تظهر بين الفينة والأخرى على المستوى الإعلامي بين فرنسا وأحد هذين البلدين الشقيقين، ما هي الا سحابة عابرة، وورقة ضغط يوظفها كل طرف ضد الآخر للحفاظ على مصالحه أو للحصول على امتيازات أخرى.
بمنطق التاريخ، هذا الأمر لا يمكن أن يستمر، لأن إرادة الشعوب لا يمكن قهرها بأية قوة كانت. طبعا، قد يتم كبح إرادة الشعوب لمدة زمنية معينة عبر توظيف الأجهزة القمعية والأيديولوجية، لكن لابد أن تتحرر وتنتصر في الأخير، وخاصة حينما يعي الشعب بنهب ثرواته، وبالتفاوتات الاجتماعية والمجالية بين فئاته الاجتماعية أو الطبقية، ومراكمة الاحتقان الاجتماعي، وتغذية الحقد الطبقي بين المواطنين داخل البلدين.
مما لا شك فيه، أن النخب الحاكمة في كلا البلدين لها معرفة دقيقة بالأمور السالفة الذكر، لذلك تحاول أن توجه مشاعر الحقد والكراهية هذه ضد الشعب الآخر. في الحقيقة لا يتم ذلك على المستوى الرسمي، وإنما عبر توظيف أبواق وأقلام مأجورة، همها الوحيد ليس كرامة الشعبين وأمنهما واستقرارهما، وإنما همها الكبير رصيدها البنكي والامتيازات المادية والرمزية التي تكافأ بها من طرف النخب الحاكمة.
في الختام، نؤكد بأن هذه المقالة قد لا تأتي بجديد بالنسبة لكل متتبع حصيف لهذا التوتر القائم بين البلدين، لذلك حاولت بتركيز شديد استجلاء طبيعة هذا التوتر، وإبراز أهم العوامل المتحكمة فيه والجهات المستفيدة منه، وانعكاساته السلبية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي داخل البلدين الشقيقين.
الكاتب: محمد الدحاني
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.