لن تخدم قرارات الرجال حاجات النساء


يتجسد وعي الجمعيات النسائية بحجم وأشكال العنف ضد النساء من خلال مبادراتهن المتنوعة،  في رغبة واضحة لتحقيق نوع من الالتقائية والتكامل، يعززه مجموع التعبيرات المشتركة في إطار تحالفات وتشبيكات ومراصد تنسيقيات…أو أشكال تعزيز ودعم كالتوقيعات على البيانات والبلاغات والنداءات…وهنا تكمن قوة عمل الجمعيات النسائية التي تدرك وحدة القضية والهدف، وأن تعدد أشكال الانتظام نابع من حقيقة أن العنف يمارس بدرجات وأشكال متعددة ومواجهته يستوجب استراتيجية متكاملة، لذلك نجد أن اصطفافات الجمعيات النسائيات تسير في تناغم وانسجام وإن لم تخطط معا، لكن ما يمكن أن يلاحظ في مناسبات كهاته التي نعيشها الآن-الأيام الاممية لمناهضة العنف ضد النساء- أن المؤسسات التي تحملها الجمعيات النسائية مسؤولية التطبيع مع العنف كمؤسسات الاعلام بكل أشكاله هي نفسها تنتصر مناسباتيا للمرأة، ومن جهة أخرى تسبق مؤسسات الأمن والقضاء إلى الاعتراف بمحدودية القوانين وضبابية مواده، إلى غير ذلك من الوضعيات التي يصعب فيها التمييز بين حاملي الخطاب، ولهذا تجد مناضلات الحركة النسائية أنهن ملزمات دائما بتغيير موقعهن وزاوية نظرهن، وبالتالي تجديد خطابهن وتدقيق مطالبهن، وتعيد طرح مواضيع تهم الأسس والمرجعيات التي انطلق منها النضال النسائي، بدءا بمطلب المساواة الذي سيبدو فارغا إذا لم يظهر من خلال الفعل. وطالما لم يمارس بشكل جماعي وانحصار حمله من لدن فئة دون غيرها، فالمساواة لا يمكن ان تتحقق إلا من خلال المشاركة التي ستجبر النساء والرجال على أن يكونوا واقعيين في أهدافهن/م وتصوراتهن/م، وهو امر ليس بالهين ما دامت مشاركة النساء تنحصر في الفضاء الخاص والمرأة غير حرة في الفضاء العام، فلن تكون مشاركتها حرة[1] ومعقولة وستتحدث من منطلق المظلومية وستستعمل أسلوبا دفاعيا يتيه في التفاصيل التي تفرغ مطلب المساواة من محتواه.

ولان مطلب المساواة في الحقوق يعد شرطا للمواطنة وممارسة هذا الحق أكثر أهمية والأكثر إشكالية في المغرب، تبدو اللامساواة بين الجنسين ظاهرة وجلية[2] عندما تنتصب أمامنا المؤشرات والأرقام التي تعكس غياب النساء في مواقع صنع القرار، مقابل تصاعد حضور النساء في مجموعات ولجان العمل، هذا الوضع أصبح يستوجب الآن من الجمعيات النسائية والحقوقية أن تتدرب على التقييم الذاتي وأن لا تقتصر على دور المراقب الناقد للسياسات العمومية فقط، على اعتبار أن المقدرة على التقييم والتدريب عليه هو بمثابة تأهيل ملائم للمشاركة الفعالة وأساس لتقاسم المسؤولية التي جرى نزعها استنادا للكفاءة المتخصصة [3] التي لا يمكن لها إلا أن تكتسب وتصقل عبر التجربة.

وهنا تستحضرني المفارقة الرياضية لأخيل: في مسألة حضور النساء في مراكز صنع القرار والتي تقول ما ملخصه

“لا يمكن لأسرع العدائين وهو (أخيل) أن يلحق بالسلحفاة في السباق، في حال أعطيت السلحفاة الافضلية في البدء”.

وبهذا فإن سيادة واقع الهيمنة الذكورية قد أفرز حراس للأنظمة القائمة، مشكلا بذلك سدا منيعا ومقاوما للتغيير، ومواجهة هذا السد والعمل على كسره يجعل من أداء الجمعيات النسائية يتموقع في صف المظلومية، وينسج خطابا بئيسا يسائل ظاهر الأشياء وتجلياتها أكثر من النبش في أسبابها العميقة، بل ويحوِّل الشركاء المحتملين في التغيير إلى محايدين أو أعداء وناقدين وقد يتعداه الامر ويحولهم الى مهاجمين، وبذلك نجد أن مجموعة من المبادرات التي كلفت الحركة النسائية جهدا كبيرا تظل حبيسة الرفوف أو نالها التعتيم.


- إشهار -

[1]  النسوية والمواطنة ريان فوت ترجمة ايمن بكر وسمر الشيشكلى الطبعة 2004 المجلس الاعلى للثقافة ص 242

[2]  نفس المرجع ص  143

[3] نفس المرجع ص 198

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد