من يحمي الدستور ويصون الخيار الديمقراطي بالمغرب؟
الدفاع عن الوثيقة الدستورية شيء، والتدافع سياسيا مع حزب العدالة والتنمية، شيء آخر!
صحيح أن البيجيدي حزب انتهازي في تعامله مع الوثيقة الدستورية، ومع الاستحقاقات الانتخابية، ومع عدد كبير من القضايا المهمة مثل حقوق الإنسان والحريات العامة، ولكن هذا الأمر لا يمكن التعامل معه كمبرر للاجهاز على الوثيقة الدستورية، وضرب ثابت الخيار الديمقراطي في العمق!
هذا من حيث المبدأ، أما الواقع فإنه مفلس على مستويات عدة، بما في ذلك الجانب المتعلق بالممارسة الدستورية نفسها!
لو كانت لدينا أحزاب سياسية حقيقية، لوقفت سدا منيعا ضد محاولات البلقنة والتحكم في المؤسسات الدستورية من خلال القوانين الانتخابية، ولكن، بما أنها فقدت المصداقية، ولم تعد قادرة على ممارسة وظائفها الدستورية، فإن مشاريع قوانين الانتخابات التي أعدتها وزارة الداخلية، أصبحت هي رهانها الأساسي، لضمان تمثيلية في البرلمان ولو بشكل تدليسي!
احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، ممارسة تدليسية تنتهك أحكام الدستور، وتضرب في الصميم الخيار الديمقراطي للمملكة، كثابت دستوري إلى جانب الملكية، والدين الإسلامي، والوحدة الترابية للمملكة!
الأمور لا تحتاج إلى خبراء في القانون الدستوري لكي نتبين هذا التوجه النكوصي، بل يكفي العودة إلى تصدير دستور المملكة، وبعض فصوله ( 1.2.7.11.30)للوقوف عند مهزلة القاسم الانتخابي، وعند بؤس الفاعل الحزبي، الذي تحول إلى أداة في خدمة المشروع السلطوي التحكمي، وهذا مكمن الخطورة!
كان سيكون من الأفضل لو تم التفاوض مع البيجيدي سياسيا لحل عقدة الفشل الانتخابي في مواجهته، أو تم تشكيل تحالف انتخابي لمواجهته انتخابيا بعد فشل البام مرتين، عوض المس بأحكام الدستور، والمقامرة بثابت الخيار الديمقراطي عبر تمرير قوانين متخلفة، تصادر حق المواطنين في اختيار ممثلي الأمة، عن طريق الاقتراع الحر والنزبه في الانتخابات!
شخصيا ضد مقاطعة الانتخابات، ولكن احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، سيدفع جزء كبير من المغاربة وأنا واحد منهم بكل تأكيد، إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، بالنظر إلى دور هذه الآلية في إفراغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي!
اذا كانت الأمور ستسير بهذا المنطق، فمن الأفضل إلغاء الانتخابات، وتعويضها بتقنية “دارت” بين الاحزاب، في تدبير الشأن الحكومي، وشؤون الجماعات المحلية، لانه بهذه الطريقة، نستطيع على الأقل توفير الكلفة المالية للانتخابات، واستثمارها في أمور تعود بالنفع العميم على الوطن والمواطنين!
أما فيما يتعلق بهؤلاء الذين وظفوا حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لتبرير (غزوة القاسم الانتخابي الجديد) فهم جزء أساسي من مشروع الحرابة السياسية والانتخابية، التي دخلها المغرب مند الخروج عن المنهجية الديمقراطية في 2002، وإذا كان الأمين العام لحزب الاصالة والمعاصرة، يعطف عن الأحزاب الكبرى التي أصبحت مهددة بالانقراض بسبب ضعف التمثيلية، فنحن نطرح عليه السؤال التالي:
من قتل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال؟ من هي الجهة التي عملت على قتل السياسة بشكل عام في البلاد؟
عندما تقبل الأحزاب على نفسها، أن تتحول إلى قطيع سياسي، فهذا معناه أن السياسة في المغرب فقدت كل معانيها النبيلة، وأن هناك إفلاس خطير في الحياة الحزبية بالمغرب، سيؤدي حثما إلى الباب المسدود مهما طال الزمن!
لنكن صرحاء، الواقع يثبت أن المشهد السياسي الوطني تتصارع فيه اليوم قوتين رئيسيتين: وزارة الداخلية وتوابعها من جهة، وحزب العدالة والتنمية من جهة أخرى، وهذا الوضع في تقديري الشخصي المتواضع غير طبيعي بالمرة!