مشروع قانون المسطرة المدنية والتراجعات المنكرة
احالت الحكومة على مجلس النواب مشروع قانون المسطرة المدنية، الذي تم ادخال عدة تعديلات على نصه من قبل لجنة العدل والتشريع، ثم بعد ذلك الجلسة العامة.
وحيث ان هذا المشروع الذي من المنتظر ان يخضع للمناقشة والتعديل امام مجلس المستشارين، يواجه احتجاجات غير مسبوقة، خاصة من قبل عموم المحامين وكذا المفوضين القضائيين، لذلك ارتأيت أن اتوجه الى كل من يهمه الأمر بالتوضيحات التالية:
أولا، ان هذا المشروع تأخر كثيرا عن الاحالة على البرلمان، وكان بالامكان احالته قبل هذا الوقت، خصوصا وان بداية بلورة النسخة الأولى لمسودته كانت سنة 2013 ومنذ ذلك الوقت وهو يخضع للمراجعات المتوالية والاستشارات المتتابعة، لذلك فانه من الواجب شكر كل من ساهم في انجازه، واحالته على المسار التشريعي البرلماني وعلى راس ذلك وزارة العدل والأمانة العامة للحكومة، وكافة الجهات المختصة.
ثانيا، ان مقتضيات المسطرة المدنية تدخل في اطار ما يطلق عليه اصطلاحا النجاعة القضائية التي ورد ذكرها في الخطاب الملكي السامي ل 20 غشت 2009 والذي جاء فيه على الخصوص: الرفع من النجاعة القضائية للتصدي لما يعانيه المتقاضون من هشاشة وتعقيد وبطىء في العدالة، وهذا ما يقتضي تبسيط وشفافية المساطر، والرفع من جودة الاحكام والخدمات القضاءية، وتسهيل ولوج المتقاضين الى المحاكم، وتسريع وثيرة معالجة الملفات وتنفيذ الاحكام..
ولقد دفع هذا الخطاب وزارة العدل الى الاشتغال على المسطرة المدنية، حيث كان من نتائج ذلك بعض التعديلات المصادق عليها برلمانيا سنتي 2009 و 2011.
ثم ان الدستور الجديد الصادر سنة 2011 خص لاول مرة موضوع حقوق المتقاضين بمقتضيات جد هامة، ومن ذلك على الخصوص، الفصل 118 الذي جاء فيه مايلي ( حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون).
كما جاء في الفصل 120 منه مايلي:
لكل شخص الحق في محاكمة عادلة ، وفي حكم يصدر خلال اجل معقول.
حقوق الدفاع مضمونة امام جميع المحاكم).
كما ان ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي كان نتيجة حوار واسع وشامل وصادق عليه جلالة الملك، تضمن الهدف الاستراتيجي الرابع ضمن اهداف استراتيجية ستة، وقد تضمن هذا الهدف الاستراتيجي 46 هدفا فرعيا، تعتبر معالم هامة للنهوض بالنجاعة القضائية.
وقد تمخض عن ذلك كله اصدار قانون التنظيم القضائي رقم 15.38، والذي جسد مخرجات ميثاق اصلاح منظومة العدالة، و اطر المعالم العامة للمسطرة المدنية، وكذا المسطرة الجنائية المنتظرة.
ثالثا، ان هذا المشروع المعروض حاليا على البرلمان، وان استند اساسا الى ماتم انجازه خلال سنوات 2013 و ما بعدها، وبالرغم مما ادخل عليه من تعديلات هجينة منكرة، يتضمن مقتضيات جيدة، ينبغي الاشادة بها، وبالمجهود المبدول فيها خلال السنوات الماضية المتعاقبة، وايضا في المرحلة الحالية، وهي كثيرة ومتعددة، يصعب حصرها في مداخلة مختصرة، ومن ذلك على الخصوص
.1 جمع النصوص المسطرية الموزعة على ستة نصوص في نص واحد ( قانون المسطرة المدنية القانون المتعلق بتنظيم قضاء القرب، القانون القاضي باحداث المحاكم التجارية القانون المحدث بموجبه المحاكم الإدارية القانون المحدثة بموجبه محاكم الاستئناف الإدارية، الظهير المنظم لمحكمة النقض).
2 عدم جواز التصريح بعدم القبول بسبب الاخلالات الشكلية الا بعد الانذار ( المادة 11 والمادة 77 بالنسبة للمرحلة الابتدائية ، والمادة 216 بالنسبة للمرحلة
الاستئنافية، والمادة 375 بالنسبة لمحكمة النقض).
3 توقف اجل قبول الطعن بإلغاء قرار اداري بسبب التجاوز في استعمال السلطة اذا رفع الى جهة غير مختصة ولو كانت محكمة النقض، كما الحال بالنسبة للجوء الطاعن الى مؤسسة الوسيط (المادة (49)
4 عدم جواز اثارة الدفوع بعدم القبول لاول مرة امام محكمة الاستئناف الا بالنسبة للاحكام الغيابية ( المادة (62).
5 اعتماد قاعدة بيانات البطاقة الوطنية في التبليغ (المادة 86 والمادة (610).
6 الغاء مسطرة القيم التي كانت تؤثر على السير العادي للقضايا، وبالتالي تاخير البت فيها ، وكذلك الامر بالنسبة لمسطرة الاستدعاء بالبريد المضمون
7. التأكد من شكليات الدعوى قبل البت تمهيديا باي اجراء من اجراءات التحقيق (المادة (116).
8. لا موجب لاستدعاء المسؤول مدنيا في حالة عدم النزاع في ثبوت الضمان ( المادة .(175
9. يترتب عن استئناف الحكم الفاصل في الموضوع استئناف جميع الاحكام التمهيدية الصادرة في الدعوى ( المادة 213).
10 امكان اثارة وسائل اضافية من قبل المستانف مالم يتم اعتبار القضية جاهزة.
11. تصدي محكمة الدرجة الثانية للحكم في جوهر القضية اذا ابطلت أو الغت الحكم المطعون فيه في جميع الأحوال حتى ولو لم تكن القضية جاهزة .. ( المادة .(221
12. النطق بالاحكام وهي محررة ( المادة (330)
13 اعتبار الطعن بالنقض بمثابة تنازل عن الطعن بالتعرض (الفصل (380)
14 – منح محكمة النقض عند نقضها حكما او قرارا كليا أو جزئيا، أن تتصدى للبت في القضية بشرط ان يكون الطعن بالنقض قد وقع للمرة الثانية، وان تتوفر على جميع العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة الموضوع ( المادة (391).
15 – تقنين التقاضي الرقمي في اطار منهج متدرج . ( الفصل 623 وما يليه ، اضافة الى فصول اخرى ).
ان ماذكر اعلاه مجرد امثلة لتعديلات جد ايجابية كثيرة يحفل بها النص المعروض، غير أن تعديلات اخرى سلبية شابت النص وهي عديدة ومتعددة.
وجدير بالذكر ان بعض المقتضيات المنكرة تم تعديلها من قبل مجلس النواب مما قلل من حدة الإنحراف التشريعي نسبيا، ومن ذلك من مثل المادة 78 التي كانت في اصلها تنص على أن مكتب المحامي يعتبر موطنا للمخابرة مع موكله، وتبلغ اليه الاجراءات، باستثناء تبليغ الحكم الفاصل في الدعوى، غير ان التعديل البرلماني قضى باضافة الاحكام التمهيدية القاضية بتحملات مالية، وهو تعديل جيد ومعقول.
وكذلك ما كانت المادة 87 من المشروع تنص عليه من امكانية تسلم الطيات المتعلقة بالاستدعاء من قبل الطرف المدعي او محاميه، وذلك من كتابة الضبط، تحت طائلة الحكم بعدم قبول الطلب، بعد توجيه انذار له، قصد السهر على تبليغها إلى المدعى عليه بواسطة مفوض قضائي.
وقد تم اصلاح هذا الاختيار التشريعي السيئ بمقتضى يكتفي بالنص على التبليغ بواسطة المفوض القضائي دون ترتيب اي اثر على مصير الدعوى.
اما التعديلات المنكرة حسب رابي، والتي ينبغي اصلاحها امام مجلس المستشارين
فهي كالتالي:
اولا ، المادة 17 لامعنى لها.
اني استغرب شديد الاستغراب اقحام المادة 17 في مشروع المسطرة المدنية، هذا مع العلم انها كانت تنص في المشروع كما احالته الحكومة على مجلس النواب على ما يلي: (يمكن للنيابة العامة، سواء كانت طرفا في الدعوى ام لا، ودون التقيد باجال الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة ان تطلب التصريح ببطلان الحكم المخالف للنظام العام ، عن طريق ممارسة طرق الطعن القانونية.
والغريب انه تم التوافق بين مكونات لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، مع وزير العدل على حذف هذه المادة، وكان ذلك قرارا حكيما، الا ان الحكومة في شخص الوزير عادت واقترحت في الجلسة العامة صيغة اسوأ ، وهي التي صوتت عليها الاغلبية تقول هذه الصيغة ما يلي: يمكن للنيابة العامة المختصة، وان لم تكن طرفا في الدعوى، ودون التقيد باجال الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة، ان تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شانه الاخلال بالنظام العام.
يتم الطعن امام المحكمة المصدرة للقرار، بناء على امر كتابي يصدره الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تلقائيا او بناء على احالة من الرئيس المنتدب للمجلس الاعلى للسلطة القضائية في حالة ثبوت خطا قضائي اضر الاطراف ضررا فادحا).
ان الملاحظ على هذا النص هو انه اسوأ بكثير من سابقه الذي تم حذفه من قبل لجنة العدل والتشريع، ففضلا عن اقحامه لعبارة ) من شانه مخالفة النظام العام وهي عبارة ذات حمولة مرفوضة حقوقيا، وتم حذفها والاستغناء عن ايرادها في النصوص التشريعية الوطنية ( الغاء ظهير كل ما من شانه، والغاء العبارة في قوانين الحريات العامة، وغيرها فان اسوء ما تضمنه هذا النص انه يشرع للطعن امام ذات المحكمة المصدرة للقرار او الحكم لما يعتبره الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، أو بناء على احالة من الرئيس المنتدب خطأ قضائيا أضر بحقوق احد الاطراف ضررا فادحا.
ان هذا المقتضى يصادر تماما استقلال القضاء، ويضربه في الصميم، اذ كيف سيكون حال قاض أو قضاة في محكمة الدرجة الأولى مثلا تم اعتبارهم مرتكبين لخطا قضائي من قبل الرئيس المنتدب للمجلس الاعلى للسلطة القضائية، أو الوكيل العام المحكمة النقض، وتم الطعن امامهم في احكامهم على هذا الاساس؟ ما هذا ؟ هل هي سلطة قضائية، ام ادارة ترابية ؟
انه اختيار تشريعي سيء، ماكان ليكون، ويكفي هنا التذكير بما هو مضمن بقانون المسطرة الجنائية الذي منح الوكيل العام لمحكمة الاستئناف في المادة 402 من قانون المسطرة الجنائية حق تقديم الاستئناف خلال اجل ستين (60) يوما تبتدئ من يوم النطق بالحكم.
ولو سلك المشروع هذا المسلك الرصين الذي ورد بالمسطرة الجنائية، ماكان عليه من تثريب، اما ان يكون النص على الوجه الذي جاء به فهو انحراف تشريعيي يستوجب الالغاء، خاصة وان المسطرة المدنية الحالية تتضمن الفصلين 381 و 382 ، واللذين تم ایرادهما في مشروع المسطرة المدنية في المادتين 407 و 408 وذلك كالتالي:
المادة 407
اذا علم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض انه صدر حكم انتهائي على وجه مخالف للقانون او لقواعد المسطرة، لم يتقدم احد الاطراف بطلب نقضه في الاجل احاله الى محكمة النقض.
اذا صدر عن محكمة النقض حكم بالنقض، فلا يمكن للاطراف الاستفادة منه ليتخلصوا من مقتضيات المقرر المنقوض.
اما المادة 408 فانها تنص على الآتي:
يمكن لوزير العدل او للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ان يحيل الى هذه المحكمة ( محكمة النقض المقررات التي يمكن ان يكون القضاة تجاوزوا فيها سلطاتهم.
تقوم الغرفة المعروض عليها القضية بابطال هذه المقررات ان اقتضى الحال ويسري اثر هذا الابطال على جميع الاطراف فيها.
اذا تعلق الامر بقرار صادر عن محكمة النقض بت في القضية بهيئة تتكون من مجموع الغرف ، باستثناء الهيئة المصدرة للقرار.
كما ان المسطرة الجنائية تضمنت في المادة 559 منح للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض في حالة حكم غير قابل للاستئناف صدر خرقا للقانون او للصيغ الجوهرية المتعلقة بالإجراءات ولم يتقدم احد الأطراف بطلب نقضه داخل الاجل
غير ان المؤسف انه عوض الاكتفاء بتغريم التعسف في رفع الدعاوى، سواء كانت اصلية او مضادة ( مثلا الطعن بالزور الفرعي، او مخاصمة القضاة او تجريحهم ….. اشتط النص المقترح، ففرض غرامات على الدفوع بسوء نية على الاطراف المعنية بها.
ومعلوم انه اذا كان الاطراف مسؤولون عن دعاويهم سواء كانت افتتاحية او مضادة، فانه من غير المقبول تحميلهم مسؤولية الدفوع التي تبقى عملا مهنيا محضا، يتقدم بها المحامي حسب اجتهاده دفاعا عن حقوق موكليه.
لذلك، فان تغريم الاطراف عما يمكن ان يعتبر تعسفا في الدفوع، لهو مس خطير بمبدا المسؤولية الشخصية عن الخطأ، اذ ان المحامي لا يستشير موكله في الدفوع ولو اراد ان يستشيره فاني لهذا الأخير ان يدرك مدلولها وحدود ممارستها؟، كما انه مس غير مقبول بحق الدفاع المقرر دستوريا.
لذلك لا مناص من حذف تغريم التعسف في تقديم الدفوع.
وجدير بالذكر ان المادة 62 من المشروع نصت على انه لا يمكن إثارة الدفوع بعدم القبول لاول مرة امام محكمة الدرجة الثانية باستثناء الأحكام الغيابية) وهو توجه محمود لترشيد الدفوع، وفيه كفاية .
ثالثا : الاختصاص القيمي، وضبابية التحديد.
معلوم ان المشرع ينبغي ان يؤسس اختياراته التشريعية على اسباب واضحة ومعطيات مقنعة.
ومعلوم أن التشريع الحالي يؤهل اقسام قضاء القرب الاختصاص في البت في الدعاوى الشخصية والمنقولة التي لا تتجاوز قيمتها 5000 درهما بمقتضى القانون رقم 42.10 الخاص بقضاء القرب.
كما كانت المادة 19 من قانون المسطرة المدنية تنص على ان المحاكم الابتدائية تختص بالنظر ابتدائيا مع حفظ الاستئناف امام غرفة الاستينافات بالمحاكم الابتدائية الى غاية 20.000 درهم، وابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف امام المحاكم الاستئنافية، في جميع الطلبات التي تتجاوز 20.000 درهم.
الا ان مشروع قانون المسطرة المدنية اختار هندسة اختصاص جديدة تناسس على رفع قيمة الاختصاص الانتهائي للمحاكم الابتدائية الى حدود 30.000 درهم، بعد ان كانت الصيغة الاصلية للمشروع تنص على مبلغ 40.000 درهما ( المادة (30)، وحدد اختصاص قضاء القرب في حدود 10.000 درهما (المادة (331) .
كما منع الطعن بالنقض في القرارات الصادرة في الطلبات التي تقل قيمتها عن 80.000 درهم، بعد ان كان المشروع في صيغته الاصلية يحدد هذا المبلغ في 100.000 درهما ( المادة (375) ، وذلك على خلاف ماهو معمول به بمقتضى القانون الجاري به العمل الذي لا يجيز الطعن بالنقض في القرارات الصادرة بشان الطلبات التي لا تتجاوز )353( 20.000 درهم. (المادة
وهكذا يكون الاختصاص الانتهائي للمحكمة الابتدائية قد انتقل من 5000 درهم بالنسبة لقضاء القرب الى مبلغ 10.000 درهم ، وبالنسبة لغيره الى 30000 درهما، و منع محكمة النقض من البت في الطلبات التي لا تتجاوز 80000 درهم بعد ان كانت في حدود 20000 درهم.
وبما ان هذا الارتفاع القيمي بلغ هذا المستوى، فانه كان يتعين تقديم المعطيات الرقمية عن القضايا التي ستكون معنية بهذه المقتضيات.
للاسف لم تسمع اي شيء سواء من جهة اصحاب المشروع، أو من الجهة التي عبرت عن رفضها له.
ذلك انه اذا كان المقصود هو تخفيف الطعون امام محكمة الاستئناف، وامام محكمة النقض، فانه ينبغي ملاحظة انه إذا كانت القضايا التي تقل قيمتها عن 30000 بالنسبة لمحاكم الاستئناف، وتلك التي تقل عن 80000 بالنسبة لمحكمة النقض كثيرة، ومن شأن هذه المقتضيات ان تؤدي الى التخفيف عنهما، فان السؤال يطرح بخصوص ما إذا كان ذلك سيؤدي الى حرمان مواطنين ومواطنات من حقهم في استيفاء كافة درجات التقاضي، مع ما يترتب عن ذلك من مس بحق الاشخاص في الدفاع عن حقوقهم ومصالهم ؟
ثم ألم يشرع المشروع غرامات على التقاضي بسوء نية في كافة المراحل سواء امام محاكم الدرجة الاولى او الدرجة الثانية او امام محكمة النقض ؟
اعتقد ان الحكم بالغرامات في حالة ثبوت التعسف في التقاضي كاف لردع الطعون الزائدة او المتعسفة .
لذلك نفضل الاقتصار على ماذهب اليه المشروع من رفع الاختصاص القيمي القضاء القرب الى مبلغ 10.000 درهم دون غيره مما تضمنته المادة 30 من المشروع.
غير انه اذا كان لابد من الابقاء على هذا الاختيار التشريعي المثير للجدل، فانه ينبغي ملاحظة ان المشروع جاء بالنسبة للمحاكم الابتدائية بمسطرة الإلغاء (المادة (32) ، وهي مسطرة مطابقة لمسطرة الالغاء الخاصة بقضاء القرب
كما أن حرمان المتقاضين من الطعن بالنقض في القرارات الاستئنافية التي تهم الطلبات التي تقل قيمتها عن 80000 درهما، لا يمنعهم من حق الطعن باعادة النظر طبقا لما هو مقرر في المادة 429 من المشروع.
رابعا : المشروع يخرق مبدا المساواة امام القانون المقرر دستورا.
معلوم ان الدستور نص في الفصل 6 على ان القانون هو اسمى تعبير عن ارادة الامة والجميع اشخاصا ذاتيين او اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية، متساوون امامه وملزمون بالامتثال له.
الا ان الملاحظ ان المادة 383 من المشروع نصت على ان ( الطعن بالنقض لا يوقف التنفيد في مجموعة من الاحوال ، منها حالة المقررات الصادرة في القضايا الادارية ضد الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها و هياتها وباقي اشخاص القانون العام.)
ثم اضافت ايضا، المقررات الصادرة عن المحاكم في مواجهة شركات الدولة المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشاءات العامة وهيات اخرى.
وفي المقابل منح محكمة النقض أن تامر بصفة استثنائية، بايقاف تنفيذ المقررات التنظيمية والفردية، وقرارات السلطات الادارية المشار اليها في البند 2 من المادة 375 اعلاه)
ومعلوم ان البند المحال عليه انما يهم ( الطعون الرامية الى الغاء المقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن رئيس الحكومة، وقرارات السلطات الادارية التي يتعدى نطاق تنفيدها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة ابتدائية ادارية او لقسم متخصص في القضاء الإداري بمحكمة ابتدائية، بسبب التجاوز في استعمال السلطة.
وهذا يعني ان خرق مبدا المساواة بين الاشخاص الذاتين والاعتباريين تم من وجهين
الوجه الأول، وهو ان القرارات القضائية الصادرة بشان قرارات السلطات الادارية التي لا يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة ابتدائية ادارية
او قسم متخصص في القضاء الإداري بسبب التجاوز في استعمال السلطة، ليس بالامكان طلب الامر بايقافها امام محكمة النقض، مع العلم ان هذا النوع من القضايا يمثل كما كبيرا من الموظفين والمرتفقين.
الوجه الثاني، انه وبعكس الموقع المتفوق، الذي وضع فيه المشروع الادارة بكافة مكوناتها وتوابعها، مما هو مشار اليه اعلاه، فان القضايا التي يكون فيها باقي المتقاضين من اشخاص طبيعيين او معنويين لا يحق لهم طلب ايقاف التنفيذ، الا في حالات محدودة، وبالتالي يكون التنفيذ واجبا عليهم بمجرد صدور القرارات الاستئنافية ضدهم.
ان هذا المسلك التشريعي معيب جدا، وغير مقبول مطلقا.
لذلك لابد من التسوية بين اطراف الخصومة القضائية، وذلك بسن مقتضيات تشريعية، تمنح محكمة النقض، بصفة استثنائية، الامر بايقاف التنفيذ في القضايا التي تكون الادارة والجماعات الترابية وغيرها، طرفا فيها، بغض النظر عن الجهة التي صدر القرار في مواجهتها او لفائدتها، سواء تعلق الأمر بالادارة او الاشخاص.
ومن شان هذا الاختيار، ان يضمن الحقوق المشروعة للادارة والجماعات الترابية وغيرها، في اطار من التساوي اللازم مع باقي الاطراف المتقاضية ضدها، سواء منها الأشخاص الذاتية او الاعتبارية.
خامسا: المادتان 97 و 352 من المشروع تقلصان من استقلال القضاء.
لقد نصت المادة 97 من المشروع على انه يمكن لرئيس محكمة الدرجة الاولى او من ينوب عنه، عند الاقتضاء، أن يغير القاضي المكلف، كلما حصل موجب لذلك بامر ولاني.
كما نصت المادة 352 من المشروع نفسه على انه يمكن لرئيس محكمة الدرجة الثانية، أو من ينوب عنه ، بصفة استثنائية، أن يغير المستشار المقرر، كلما حصل موجب لذلك.
وقد جاءت الصيغتان على خلاف ما كانت تتضمنه مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية لسنة 2015 التي كانت تنص في الحالتين على التعيين بواسطة برنامج معلوماتي، وهو المقتضى الذي تم الحفاظ عليه، مع اضافة انه ( يمكن للجهة المشرفة المذكورة، والمقصود هو الرئيس المختص، أو من ينوب عنه، تغيير القاضي المقرر او المكلف المعين، كلما حصل موجب لذلك، بقرار معلل
واذن، فقد تم اعتماد صيغة المسودة، مع بتر شرط ( قرار معلل)، وهو اختيار غير صائب سيثير الشك كلما وقع تغيير للقاضي المكلف بالقضية، ومهما كانت اسباب ذلك وجيهة ومشروعة، خاصة وان تعليل القرارات هو الذي يؤدي عادة الى الاطمئنان اليها، كما انه يمنع في الغالب التعسف وتجاوز السلطة، لذلك فقد من المشرع قانون تعليل القرارات الادارية رقم 03.01 الذي نص في المادة الثانية منه، على انه تخضع القرارات الادارية للتعليل ، ومن ذلك القرارات القاضية بسحب او الغاء قرار منشئ لحقوق.
واعتقد ان من حق المتقاضين الاطمئنان على حياد القاضي المكلف بقضاياهم وذلك لايتم الا اذا كان تعيينه يتم من خلال برنامج معلوماتي لا يحابي ولا يعادي احدا.
ومن تم، فاذا وقع التعيين بهذه الطريقة، فيمكن القول ان حقا قام للمتقاضين في ان يبت القاضي المعين في نزاعهم، مما يجعل اي تدخل ارادي يؤدي الى تغيير القاضي المكلف واجب التبرير والتعليل للحفاظ اولا على اطمئنان الناس في قضاتهم، وثانيا، للحفاظ على استقلال هؤلاء القضاة بعيدا عن أي تأثير كيفما كان نوعه.
ان هذه الملاحظات الخمسة، لا تعني عدم وجود ملاحظات اخرى، قد تكون وجيهة لكنها تبقى في رأينا اقل اهمية بعكس هذه الخمسة التي اعتبرناها تعديلات منكرة ويمكن ان نضيف انها معيبة، وغير مقبولة، ومن شانها ان تسيء الى نص جيد جاء بمجموعة من التعديلات الوجيهة والتحسينات الجيدة.
وأخيرا، اني اذ اعلن تفهمي لغضب المحامين، أدعو السيد رئيس الحكومة والسيد وزير العدل الى فتح باب الحوار مع مؤسساتهم المهنية، التي ينبغي أن تتحلى بالمرونة اللازمة، وذلك للتعاون على تجاوز الازمة القائمة بالتوافق على الحلول الملائمة.
ان الرجوع الى الحوار البناء المتمر ضرورة حتمية، وفضيلة مطلوبة، تفاديا لضياع حقوق ومصالح المرتفقين الذين لا شك سيكونون هم الخاسر الأكبر في هذه الازمة التي لا مبرر لها، والتي من الممكن جدا تجاوزها بما يجب من تبصر وحكمة.
والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.
المصطفى الرميد؛ محام بهيئة الدار البيضاء.