غزة حاضرة في ندوة افتتاح موسم أصيلة
قال الكاتب الصحافي المصري، محمد سلماوي، إن تدعيم قوة الجاليات العربية في الخارج لا غنى عنه في الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية لتلك الجاليات من ناحية، ولمساندة القضية العربية المصيرية من ناحية أخرى.
وأشار في الجلسة الافتتاحية لندوة “النخب العربية في المهجر: التحدي القائم والدور الممكن” التي انطلقت أعمالها في أصيلة، مساء أول أمس الخميس، إلى أن صحوة الضمير الشعبي التي وحدّت الرأي العام العالمي خلف الحق العربي، في الآونة الأخيرة، أزاحت ما علق بالصورة العربية والإسلامية من أمور سلبية.
وتحدث سلماوي الذي يرأس مجلس إدارة مؤسسة “المصري اليوم” الصحافية، عما يشهده العالم من اهتمام غير مسبوق بقضية العرب الأولى فلسطين، وذلك بسبب الصمود الأسطوري الموجود في غزة، ووجه له التحية، متمنياً له الانتصار القريب.
وسجّل أن العام الأخير شهد متغيراً مفاجئاً، لم يكن يتوقعه أحد، هو حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل على غزة، في أكتوبر 2023، حيث حدثت صحوة شعبية في الضمير الإنساني بجميع أنحاء العالم، وخرجت الجماهير تدين إسرائيل وتطالب بحق فلسطين في الحرية. ولاحظ المتحدث أن هذا التطور أحدث تحولاً نوعياً في صورة العرب عند جميع شعوب العالم، فتحوّلوا في المخيلة الجمعية للشعوب من إرهابيين يدينون بدين يدعو إلى القتل وسفك الدماء، إلى أصحاب حق عانوا على مدى عقود طويلة من الظلم والاستبداد.
وتابع قائلاً إن تلك الصحوة التي فجرتها الحرب على غزة ساهمت في تذليل العقبات التي طالما حالت دون توحيد الجاليات العربية في المهجر، إذ وحّدت بين أفراد تلك الجاليات، فأصبحت لهم قضية واحدة يناصرهم فيها الرأي العام العالمي، لاغياً كل ما قد يكون بين العرب من فوارق واختلافات، وأصبح العالم كله ـ على المستوى الشعبي تحديداً ـ يطالب بالحق العربي، ولم تعد الجاليات العربية بحالة دفاع عن النفس ضد الصورة السلبية التي روجتها جماعات الإرهاب.
وكان من نتائج هذا التحول ـ يتابع السلماوي ـ أن ارتفع لأول مرة صوت ممثلي العرب الأمريكيين، فصار مسموعاً في الإعلام وداخل الكونغرس، وأدركت الدوائر السياسية الأمريكية القوة الحقيقية للجاليات العربية المتمثلة في أعدادها وانتشارها على امتداد البلاد.
“ورأينا لأول مرة مرشحاً رئاسياً يسعى علناً لكسب الأصوات العربية، حيث لم تكتفِ المرشحة كامالا هاريس بالتأكيد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، وإنما قامت لأول مرة بتعيين مسؤولة من أصول مصرية هي المحامية بريندا عبد العال للتواصل مع الجاليات العربية ومحاولة الحصول على تأييدها في الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/ نوفمبر المقبل، اعترافاً بثقل الجالية العربية ولأنها مكون أساسي من مكونات المجتمع الأمريكي”، يقول الكاتب الصحافي المصري.
وختم كلمته بالدعوة إلى استثمار الزخم الذي تولّد أخيراً، وذلك بوضع آلية للتواصل والتنسيق بين مختلف التجمعات العربية وقياداتها، مقترحاً تأسيس مجلس موحد يضم هذه المجموعات التي تنتشر في دولة مترامية الأطراف كالولايات المتحدة الأمريكية، وتكون مهمة هذا المجلس هي توحيد المواقف، بحيث يمكن القول في الانتخابات المقبلة إن عرب أمريكا مع هذا المرشح أو ضد ذلك، وهو ما سيجعل كل مرشح في الانتخابات الرئاسية أو غيرها يسعى إلى الحصول على أصوات الجاليات العربية.
أما الكاتب والناقد والروائي المغربي، أحمد المديني، فركز في مداخلته على النخبة العربية في المهجر الفرنسي، لافتاً الانتباه إلى أن حدث “طوفان الأقصى” وتبعاتِه ضاعَف لدى العرب والمسلمين في فرنسا الشعور بنقصان الأمان وتفاحش ظاهرة “رهاب الإسلام” وتصاعد النّعرة المتطرفة التي كان المتعصب إريك زمور قد غدّاها بقوة بترويجه لأطروحة ما سمّاه “الإبدال الكبير”، عنى بها وجود خطة ومؤامرة مدبّرة ضد فرنسا وشعبها لإحلال المسلمين بدلاً منهم.
وأضاف المتحدث إلى ذلك، السياسة المعادية المنتهجة من لدن وزير التربية الوطنية الأسبق مشيل بلانكي الذي خلق سجالاً مفتعلاً حول ما اعتبره وجود تحالف يساري إسلاموي، وصمه بأنه يهدد “العيش المشترك” في فرنسا.
كما أشار إلى قرارات حلّ وملاحقة جمعيات إسلامية، وقطع المساعدات العمومية عنها وإغلاق حساباتها البنكية، وفي آخر هذا المسلسل توجيه تهمة مديح الإرهاب لنائب برلماني لمناصرته القضية الفلسطينية في حدث ما.
وقال المديني: “هكذا، وأمام المشاهد المروّعة في غزة، والاستنكار العالمي لما تعرض له الفلسطينيون من قتل ودمار، وجد كثير من العرب والمسلمين أنفسهم محبطين عاجزين أو متخوفين من التعبير عن تضامنهم واحتجاجهم يُخوَّنون بتهمة جاهزة (معاداة السامية) وتستعملهم أحزاب وقنوات إعلامية كبش فداء بتغويل الإسلام وترويع المسلمين”.
وأفاد الكاتب المغربي بأن هذه المعطيات وغيرها ولّدت ظاهرة الهجرة الصامتة المضادة، متوقعاً أن تستفحل مع الصعود المثير لليمن المتطرف ليس في فرنسا وحدها بل في أوروبا الغربية، مما أصبح يثير مخاوف ذوي الأصول العربية الإسلامية ويدفعهم للبحث عن ملاذات آمنة خاصة تجاه هذا الاستثناء الفرنسي.
وكانت الجلسة الافتتاحية شهدت إلقاء كلمة من طرف محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة “منتدى أصيلة”، الذي تحدث عن أبعاد الندوة والمتمثلة في تقييم ودراسة تجربة النخب العربية في المهجر، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا حيث توجد نسب كبيرة من الجاليات العربية، بالإضافة إلى رصد انعكاسات وجود هذه الأخيرة في بلدان الاستقبال. وتلمس آفاق مستقبلها هناك.
الباحث والأديب المغربي أحمد زنيبر، مدير الندوة، بسط في كلمته الرؤى التي أثرت في الخطاب السياسي الجديد لدى النخب العربية في المهجر، مشيراً إلى أنها تنقسم إلى ثلاثة أصناف: أولها رؤى تأثرت بالتيار المحافظ، وثانيها رؤى تحاول التوفيق بين الحداثة الغربية والأعراف التقليدية، فيما تركز الرؤية الثالثة على التشبث بالهوية الغربية.
ولاحظت الناقدة والباحثة اللبنانية كاتيا غصن أن الثقافة العربية لدى النخب العربية في المهجر هي أسيرة التوجهات السياسية للبلدان المستقبِلة. بينما توقف السياسي الليبي أحمد الهادي الدايري عند تحديات الاندماج في المجتمعات الغربية لدى الجاليات العربية.
وكانت المداخلة الأخيرة في الندوة للباحث الأكاديمي اللبناني خطار أبو دياب الذي دعا إلى ترسيخ حوار عربي- عربي لدى النخب العربية في المهجر، مؤكداً على ضرورة تشكيل مجموعات ضغط من أجل الدفاع عن القضايا العربية العادلة، ومن بينها القضية الفلسطينية.
المصدر: القدس العربي.