شعراء الناظور يتألقون في ملتقى بحور الشعر بالأمازيغية والعربية
تألق الشعراء المغاربة المشاركون في الدورة السادسة من ملتقى بحور الشعر بمدينة الناظور، نهاية الأسبوع الماضي، الذي أقيم في شاطئ المدينة، وشهد سلسلة من الفعاليات واللقاءات الشعرية والفنية المفتوحة، التي شكلت فرصة للقاء المباشر بالشعر والشعراء.
انطلقت فعاليات بحور الشعر في مدينة الناظور، نهاية شهر غشت المنصرم، بتكريم الشاعر سعيد أقوضاض، وهو أحد أهم الأصوات الشعرية المغربية التي تكتب بالأمازيغية، في الناظور، عاصمة الشعر الأمازيغي في الجهة الشرقية من المملكة المغربية. وتسلم أقوضاض درع التكريم، معلنا اعتزازه بهذه المبادرة التي تنتمي إلى ثقافة الاعتراف بتجربة شاعر مغربي، وكذا الاعتراف بالتجربة الشعرية الأمازيغية في المغرب، وموقع المدونة الأمازيغية ضمن ديوان الشعر المغربي المفتوح على اللغات والثقافات.
وشهدت بحور الشعر إقامة ليلة للشعر الأمازيغي وأخرى للشعر العربي، استهلها الشاعر جمال أزراغيد مع توقيع ديوانه “كأني عائد من حرب”، الصادر عن بيت الشعر، ومنه قرأ الشاعر: “لا شيء لي على هذه الأرض/ غير أقدام تتوسد خاصرة الخطو/ في عز ليل: يلتقط همس الوجود. لا شيء لي على هذه الأرض/ غير أنفاس تسكنني/ حين أرخي قدمي للفراغ… لا شيء لي على هذه الأرض/ غير اسم يدلي على غيمة/ تحف صوتي المندى/ كلما فصلتها عن طريقي/ تلطفت علي بابتسامة محتشمة/ ومشت بعيدا/ تقتفي أثر الريح”.
أما الشاعر عماد أوفقير، المتوج بجائزة القوافي في دورتها الأخيرة، بإمارة الشارقة، فاختتم مشاركته وهو يردد: في البدءِ كُنْتِ، وكُنتُ الحبرَ والوَرَقَا/ أغازلُ الـــرُّوحَ والعينينِ والخُلُـقَـا. أقُولُ كَالطِّــفــلِ للأشياء إنَّـــكِ لِــي/ لولا التَّملــكُ ذاكَ الطِّفلُ مَا نَطَــقَـا. أمضيتُ عُمرِي طليقا، واعيا، حذرا/ وجئتِ فالصبرُ ماتَ اليومَ واحترَقَـا. أراكِ في حَــدَقِي مــا غِبْـتِ ثـانـيــةً/ فالحُـبُّ مَنــبـعُـهُ منْ حُسنِكِ انـبثَـقَـا. لمْ يَـبْـقَ لي مِنْ فُؤَادِي إلا موضعُهُ/ فبالمجازِ ارتقى في الحُبِّ وانطـلــقَــا. فكـيـفَ أمنَعُــهُ، والعجزُ يخـنـقُـنِي؟/ ونـــارُ لَـوعَــتِـهِ لــمْ تُـبـقِ لـي رَمَـقَــا”.
ومن ديوانها “همس الفصول الأخيرة” قرأت الشاعرة زلفى أشهبون: أعد الأيام في بعدك عدّا، يحبني.. لا يحبني.. يحبني، بلغ الانتظار مليون وردة ووردا. بين ضم العين للدمعة، ووهج الشوق والضمة، يحبني ولا يشتاق لي، ليس يكفي بستان الورد وردا…
واختتم الشاعر ياسين بعبسلام، الفائز بجائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها الأخيرة، ليلة الشعر العربي، وهو ينشد من ديوانه الفائز “سأنشد موالي”:
يا عين ما شئتِ عن درب الهوى زِيغي/ لابُدَّ أن تعشَقي بنتَ الأمازيغِ. تِلكَ الّتي مرَّغَ الحِنّاءُ أنمُلَها/ فليتَ أنمُلَها ترضى بتَمريغي!. إذا اغتَدَتْ.. فبثَوبٍ غير مُفتَضَحٍ/ وإن بدَتْ فبوَجهٍ غير مَصبُوغِ. مُذ جَرَّحَتْ لدغةٌ مِن رِمشها كبِدي/ أُمسي وأصبِحُ حشداً مِن مَلاديغ!. سوّغتُ للّيلِ أشواقي.. ولا عجَبا/ أن يرفُضَ الأرَقُ المجنونُ تَسويغي. ما زالُ يسألُ وَشمٌ فوق جَبهَتها/ عن حالِ قلبٍ بوشمِ الهجرِ مَدمُوغِ. واختتم قراءاته باستحضار مدينة الناظر: منفاكِ.. أم تاريخك المحظورُ؟/ ماذا تبقى منك يا ناظورُ؟ يا من حضرتِ لكي تغيبي.. ربما / خلف امتلائك بالغيابِ حضورُ. فلتقبلي مني العتابَ فإنني/ في لوم من أحببتهم معذورُ… وانتهت الأمسية والشاعر يردد: مُرتجلاً عن صَهوة الأُغنيه/ وموغلا في شهوةِ الأمنيه. سأترك الشعر ليجري عسى/ تصغي إلى وديانه (ملويه). لابد يا ناظورُ أن نلتقي/ لابد ألا تنتهي الأمسيه!.
أما ليلة الشعر الأمازيغي فافتتحها الشاعر المكرم سعيد أقوضاض حين يقول: “إني سأكتب عنك، سأكتب بخيط الضياء، وبؤبؤ العين، لينطق الكلام، حين يتناوم الحبر في رمش العين… أنصتي للريح وهي تنطق، بكلام لا تعرفينه”. وشاركت في الليلة الشعرية الشاعرة نورة أعراب، صاحبة ديوان “صرخة الصمت”، والمتوجة بجائزة الوطنية للثقافة الأمازيغية سنة 2017. وألقت الشاعرة قصائد تغنت بالحرية والأرض والأمل واللغة، من خلال التناص مع مدونة الشعر الشفوي الأمازيغي، ومع مختلف التجارب الشعرية المنحدرة من سلسلة جبال الريف.
الشاعر عبد الرحيم فوزي، وهو من أهم الشعراء الغنائيين في المنطقة، اختار تصوير حالات واختلاجات العزلة في قصيدته الأولى، حين يصدح ملء مواويله الشعرية: “وحيد أنا، وليس معي سوى وحدتي، ما بين معترك الأمواج، كنت أسبح في اليباب. وحيد أنا، أخطو خطو عشواء، أحتمي بالعزلة والغياب. وحين ألقاك يصيبني تيه الحيارى/ عندما تتكلمين، يزيدني الصمت انتظارا… دعيني أتعلم منك، كما تتعلم الشمس منك، كيف تزداد اصفرارا”. وفي محراب العزلة نفسها، تمضي الشاعرة حياة بوترفاس: “تأخذني خطاي في غبش الفجر، أهيم في الثلث الخالي، أبحث عن ظلي لأرافقه، ونبكي معا بكاء غزيرا. لمحني ذلك الراعي الذي كان يجلس تحت شجرة وارفة، سألني: لماذا تبكين؟ دموعك غالية يا ابنة الناظور…”.
وشهد اليوم الأخير من فعاليات بحور الشعر لقاء مفتوحا مع الشاعر المكرم سعيد أقوضاض، حاوره الكاتب والقاص ميمون حرش، والذي قدم قراءات في تجربة الشاعر، ليتوجه إليه بسلسلة من الأسئلة التي تتأمل أهم مكامن التجديد ومواطن الجمال الشعري في تجربته الشعرية الزاخرة. ليتوج اللقاء بتكريم المشاركات والمشاركين في ورشة الشعر والتشكيل، كما أطرها الفنان التشكيلي الأستاذ حفيظ الخضيري، قبل أن يسدل الستار على اللقاء بحفل فني أحيته مجموعة “ثموات” الأمازيغية، التي تتغنى بأشعار وقصائد شعراء الريف، وفي مقدمتهم شاعر الناظور عبد الرحيم فوزي.