هل يستفيد مسؤولو الدولة من “إمتيازات قضائية مخالفة للفانون”؟
لماذا تحال شكايات بعض المسؤولين المتعلقة بادعاء السب والقذف على الشرطة القضائية دون حثهم على سلوك مسطرة الإدعاء المباشر امام القضاء ؟؟
في شتنبر من سنة 2019 وجه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض الأستاذ محمد عبد النبوي رسالة إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الإستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الإبتدائية، وانقل اليكم بعضا مما جاء في تلك الرسالة:
“إن السياسية الجنائية في قضايا الصحافة بالمغرب تحرص على تحقيق التوازن بين دعم حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير من جهة، واحترام القانون وصون النظام العام من جهة أخرى، وهو ما يقتضي ملاءمة المتابعات بقضايا الصحافة بما يتلاءم مع هذا التوجه، لا سيما فيما يتعلق بقضايا السب والقذف” .
وأضافت رسالة رئيس النيابة العامة:
“ان بعض النيابات العامة تخرج عن هذا التوجه وتحرك المتابعات الجنائية في حق الصحافيين من أجل جرائم السب والقذف رغم أن المتضرر بإمكانه أن يقدم شكاية مباشرة في الموضوع”.
و”من أجل توجيه عمل النيابات العامة فيما يتعلق بقضايا الصحافة، ومسايرة للتطور الذي تعرفه بلادنا فيما يتعلق بصون الحقوق والحريات الأساسية، ومنها حرية التعبير والرأي”، دعا الاستاذ محمد عبد النباوي الوكلاء العامين للملك إلى “التقيد بتوجهات السياسية الجنائية في هذا الشأن، وعدم تحريك أي متابعة بشأن جرائم السب والقذف في حق الصحافيين، إلا بعد موافاتي بتقرير حول القضية مشفوع بوجهة نظركم وما تقترحونه من إجراءات قانونية في الموضوع، مع ضرورة القيام بذلك بوقت كاف قبل تقادم الجرائم “.
وانسجاما مع هذا التوجيه وتنفيذا لمضمونه فان النيابات العامة (وكلاء الملك ) يحرصون على توجيه ضحايا السب والقذف إلى التقدم بشكايات مباشرة امام القضاء عن طريق الإدعاء المباشر ويرفض وكلاء الملك تبعا لذلك احالة الشكايات على الشرطة القضائية لإنجاز الأبحاث على ضوئها
لكن ما الذي حصل لهذا التوجيه الذي أراد أن يجعل السياسة الجنائية في مجال جرائم السب والقذف المرتبطة بالنشر والصحافة اذن سرعان ماتم الإنقلاب عليه من طرف بعض المسؤولين انفسهم ؟؟
وهكذا لاحظنا كيف ان بعض الوزراء (وزير العدل خاصة )وبعض المسؤولين على المستوى المحلي والجهوي يستغلون مواقعهم ويتقدمون بشكايات إلى وكلاء الملك والذين يحيلون تلك الشكايات على الشرطة القضائية لإنجاز الأبحاث الضرورية دون توجهيهم بضرورة سلوك مسطرة الإدعاء المباشر ورفض تسلم شكاياتهم امام القضاء اسوة بباقي المشتكين العاديين الذين لا سلطة لهم انسجاما وتنفيذا لتوجه رئاسة النيابة العامة المذكور .
وهكذا ورغم هذا التوجيه فانه يتم احالة شكايات هؤلاء المسؤولون على الشرطة القضائية رغم ان الموقع او الجريدة او الصفحة التي نشرت اخبارا او معلومات يمكن ان تشكل سبا وقذفا معروفة لدى الجميع كما ان اصحابها ومديري نشرها معروفون ولهم هويات معروفة ويمكن انجاز المعاينات المجردة واللجوء إلى القضاء عن طريق الشكاية المباشرة (الإدعاء المباشر) وجعل النيابة العامة كممثلة للحق العام والمجتمع على نفس المسافة من اطراف الخصومة الجنائية مهما كانت صفة المشتكي
إلا ان هؤلاء المسؤولون ولكونهم يستغلون سلطتهم ونفوذهم فإنهم بسلوكهم هذا المجسد للتمييز يستفيدون من امتياز غير متاح للجميع على قدم المساواة ويريدون استغلال احالة شكاياتهم على الشرطة القضائية لجمع الأدلة والقرائن وإعفاء انفسهم من أي مجهود في هذا الإتجاه وهو امر يستبطن ايضا الرغبة في ترهيب وتخويف الصحفيين والحقوقيين
نتمنى من السيد رئيس النيابة العامة الساهر على تنفيذ السياسة الجنائية ان ينبه السادة وكلاء الملك بضرورة التقيد بالتوجيه أعلاه والصادر عن عنها خلال سنة 2019 حرصا على سواسية الناس امام القانون وتفويت الفرصة على بعض المسؤولين المهووسون بالسلطة وموقع القرار والمتعطشين لجرحرة الصحفيين والحقوقيين امام القضاء ورسم صورة قاتمة عن اوضاع حقوق الانسان ببلادنا وخاصة حرية التعبير والرأي.
محمد الغلوسي؛ رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام.