احك يا شكيب : ” المنبوذة “
قد يتبادر إلى ذهن القارئ أو القارئة صورة إمرأة عجوز أو زوجة أو بنت مراهقة طردن بشكل تعسفي أو لسبب أخطاء ارتكبت من طرفهن ، في حين أن الموضوع أكبر من كل ما ذكرت ، المنبوذة قد تكون إمرأة أو قد يكون رجلا ، و لكن في غالب الأحيان تكون إمرأة ، و لمزيد من التوضيح الأمر هنا يتعلق بالإرث ، تكون علاقة زوجية و تكون علاقة مصاهرة بين أسرتي الزوجين و تقع وفاة أحدهما ومن هنا تبدأ الحكايات ، حكاية منبوذة أو منبوذ ، و للتوضيح أكثر أسوق لكم حكايات من واقعنا المعيش على لسان بعض من وقعت لهم مواقف مؤلمة مع قليل من التغيير زيادة أو نقصانا في الوقائع والأحداث ، و لكن تبقى الحكايات حقيقية .
” توفي زوجي و تركني أنا و بناتي الصغار بعد مرض مزمن ألمّ به و بعد دفنه في المقبرة و في أول يوم و بعد ان خرج الزوار ليلا لحال سبيلهم ، أردت الدخول لغرفة نومي حتى آخذ قسطا من الراحة و اختلي بنفسي من وجع الصدمة ، فإذا بي أفاجأ بأشقاء و شقيقات زوجي يقفون سدا منيعا أمام باب غرفة نومي و منعوني من الدخول إليها لأنها أصبحت ملكا لجميع الورثة و كل ما بداخلها و داخل الدار أصبح إرثا و تركة لهم جميعا من الملعقة إلى الفرش و الأثاث و الحلي ، لحظتها لم أتمالك نفسي و سقطت مغشيا علي حتى وجدت نفسي في غرفة في مصحة لا أقوى على الحركة و لا على الكلام من هول ما شاهدت …”
” توفي زوجي بحادثة سير مميتة ، و ترك لي أبناء صغارا وله أم ، و كانت صدمتي كبيرة ، و كنت محتاجة لمن يسندني و يقف إلى جانبي ، و لكن صدمتي تضاعفت عندما فاتحتني أم زوجي في موضوع لم يكن الوقت مناسبا لفتحه معي ، أيام قلائل بعد الوفاة الفاجعة ، أخبرتني أنها قررت بأن أتزوج بعم أولادي و هو ابنها شقيق زوجي ، حتى تضمن أن أولادي الذين هم حفدتها سيعيشون في أمن و أمان و أن تركة والدهم لن تخرج عن العائلة الكبيرة ، و إلا فإنني سأعيش أتعس أيام و أسابيع و شهور و سنين و بقية حياتي في عذاب ، فكان جوابي هو الرفض و أنني حرة في اختياراتي و اختياري هو أنني سأعيش مكرسة كل جهودي لأولادي و أني لست محتاجة لزوج و أن ابنها عم الاولاد وشقيق زوجي هو بمتابة أخي ، و بسبب موقفي عشت بالفعل سنين ذوات العدد في حرب غير منتهية و تضييق علي و على مصادر رزقي مضاف إلى كل ذلك إشاعات و حرب نفسية إلى الآن …”
” توفيت زوجتي و تركت لي أولادا خمسة كانت حياتنا هادئة مستقرة ، كنا نصل الرحم مع العائلة الكبيرة و لم نكن نستثني أحدا أقارب و أصهار ، و لكن حدث ما لم يكن في الحسبان ، أم زوجتي على غير عادتها و طريقة كلامها طلبت معرفة متخلف بنتها التي هي زوجتي و التي كانت ربة بيت و لم يسبق لها مزاولة أي عمل سوى تربية أولادنا ، فلما أجبتها يا خالتي تعرفين بأن الظرف الان ليس مناسبا للخوض في هذا الموضوع الجرح لا زال في بدايته وبإمكانك تأجيله لوقت لاحق و لك ما طلبت ، بل مباشرة بعد وفاة زوجتي بدأت أشعر بحركات غير عادية من طرف اخت زوجتي و فهمت المقصود و في كل مرة أحاول التجاهل و الابتعاد ، و لكن حماتي كانت مصرة ، و قلت لها رأفة بأحفادك و رأفة ببنتك تريتي ، فكان جوابها صادما من كانت تجمعنا فقد ماتت و نحن أبناء اليوم ، فانقطعت صلتي بأسرة زوجتي رحمها الله و قطعوا هم صلتهم بأولادي منذ عشرة أعوام إلى الان …”
نعم هم أناس كانوا يعيشون حياة طبيعية لم يكونوا يتوقعون في يوم من الأيام و بعد وفاة زوجة أو زوج ان يجدوا معاملة سيئة لم يعهدوها أيام حياة موتاهم زوج أو زوجة ، و الحقيقة أن التعامل الذي أظهروه أقارب المرحومين هو الأصل و ليس هو تعامل طارئ و انما ظهرت حقيقتهم و حقيقة معادنهم عند الوفاة . هي حكايات من واقع معيش مرير واقع إرث دمر و شرد و شتت عوائل بسبب فهم خاطئ و تقدير فاسد و تربية معوجة