متاهات إعادة إدماج السجناء والرعاية اللاحقة بين مؤسسات شكلية ومهام القوى الديمقراطية


يعتبر موضوع إعادة إدماج السجناء في المغرب موضوعا راهنيا بأبعاد سياسية واجتماعية معقدة، اعتبارا للرقم المهول لعدد السجناء الذي يفوق 102,653 سجين حسب إحصائيات 2023، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المفرج عنهم والذين تركوا يواجهون المجهول والبؤس والأمراض النفسية والجسدية الموروثة عن فترات السجن، والأكثر ألما افتقاد عديدين منهم لمؤهلات تمكنهم من ولوج سوق الشغل والمساهمة في التنمية الاقتصادية.

تدبير قضية إعادة ادماج السجناء والمفرج عنهم أنيط بثلاث مؤسسات رسمية للدولة منها ” المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج”، و” مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء” و ” المجلس الوطني لحقوق الانسان” كل فيما يخصه.

السؤال الذي يطرح نفس بحدة لدى المهتمين والسجناء المعنيين هو حول حكامة وفعالية هذه المؤسسات سواء في إعادة إدماج السجناء أو الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم وكذا مآل الميزانيات المخصصة لهذا الموضوع ووقعها الفعلي والملموس على المواطنين المعنيين؟.

بالنسبة للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، فإن من بين أهم مهامها في هذا الباب، طبقا للمرسوم رقم 2.08.772 الصادر في 21 ماي 2009 هي “إعداد وتنفيذ سياسة الحكومة المتعلقة بالعمل الاجتماعي والثقافي لفائدة السجناء وبإعادة إدماجهم”.

هذه المندوبية تهتم أساسا بساكنة السجون من حيث الإدماج والتأهيل وضمان بعض الحقوق الدستورية في حدودها الدنيا دون أن ترقى إلى مستوى إدماج حقيقي شامل يتيح للسجين/ة التأهيل وتنمية مقدراته المهنية والعلمية ليصبح قادرا، بعد الإفراج عنه، على المساهمة في الدورة الإنتاجية للاقتصاد الوطني.

فواقع السجون بالمغرب، بشهادات مؤسسات رسمية وحقوقية، يؤكد أنها فضاءات لعزل اجتماعي مأساوي ينزع إنسانية المواطن السجين في حيز مكاني يعاني الاكتظاظ ويفتقد لشروط الحدود الدنيا للصحة والسلامة كما تحكمه المقاربة الضبطية والأمنية. فضلا أن هذه السجون تفتقر إلى أطر كافية ومؤهلة وميزانيات تتلاءم مع مهامها بالإضافة إلى انفلاتها من مساطر التتبع والرقابة والتدقيق.

أما بالنسبة لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء والتي أحدثت سنة 2002 بهدف إدماج السجناء من خلال تمكين ” نزلاء المؤسسات السجنية ومراكز حماية الطفولة من إمضاء عقوباتهم في ظل ظروف تصون كرامتهم…” وكذلك بالرعاية اللاحقة بـ”المفرج عنهم من المعتقلين لتسهيل ادماجهم في نسيج المجتمع”، حيث إنه ورغم نبل هذه المهمة، فإن الواقع يشهد أنها كجميع “المؤسسات” و”الصناديق” شكلها لا يعكس روحها ومضمونها من جهة، وتدبيرها غير شفاف من حيث التمويل والنفقات، كما تفلت من أي مراقبة مؤسساتية وشعبية، ويتم الكيل بمكيالين في الاستفادة من خدماتها.

الكيل بمكيالين هذا واقع سواء وسط سجناء الحق العام وكذلك وسط معتقلي حرية التعبير والرأي. إذ أن هناك عديد من الأمثلة تؤكد هذا التمييز خاصة بين المفرج عنهم حسب مشاربهم الفكرية والسياسية أو انتماءاتهم الإجتماعية، وذلك حسب وساطات ” و “تدخلات ” لفائدة البعض دون غيره. ومن حيث التدبير والمراقبة المالية، يطرح المهتمون تساؤلات حول تعطيل مصالح مجلس الحسابات لمهمتها الرقابية لهذه المؤسسة، فضلا عن تمرير ميزانيتها، ومثيلاتها الكثيرة، بالبرلمان دون نقاش حقيقي.

الواقع أن مؤسسة إدماج السجناء هي مؤسسة عمومية تحت الوصاية الفعلية للسلطة الحكومية المكلفة بتدبير المسألة السجنية بالمغرب والتي تعاقب على تسيير مجلسها الإداري عدة مسؤولين من بينهم رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش كمسير لمجلسها الإداري.

- إشهار -

ومن خلال البحث في موضوع هذه المؤسسة تبين أنه تم الحرص على إحاطتها بكثير من الكتمان والسرية بما في ذلك الإطار القانوني المحدث لها بالإضافة إلى شح المعطيات المتعلقة ببرامج عملها ولاسيما مواردها المالية والمساعدات والمنح التي تتلقاها من جهات وطنية رسمية وخاصة أو جهات خارجية منذ حوالي 22 سنة من إحداثها.

ويتساءل عدد من السجناء، خاصة المعتقلون لأسباب سياسية أو أمنية، عن أسباب عدم استفادتهم من أي مشروع لإدماجهم معبرين عن استيائهم من المساواة في تلك العروض بين المجرم والبريء فضلا عن هزالة عروض هذه المؤسسة التي تفتقر إلى أبسط مقومات جبر الضرر أو إعادة الإدماج شكلاً ومضموناً، كل ذلك رغم زخم بلاغات هذه المؤسسة وسياساتها التواصلية التي تنفق عليها أرصدة مالية مهمة عطفا عن ميزانيات التسيير التي لا تتلاءم مع حصيلتها الهزيلة في برنامج إعادة الإدماج.

أما عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كمؤسسة دستورية مستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وتتولى تفقد أماكن الاعتقال والمؤسسات السجنية، ومراقبة أحوال السجناء ومعاملتهم، وكذا مراكز حماية الطفولة وإعادة الإدماج، ومؤسسات الرعاية الإجتماعية… في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال، فإن هذه المؤسسة، رغم طابعها المستقل وسلطاتها التقريرية الواسعة، تبقى عاجزة عن تقديم برامج عملية جريئة في عملية إدماج سجناء مفرج عنهم وخاصة معتقلين إسلاميين ويساريين في حاجة مستعجلة لإعادة إدماجهم وجبر ضررهم إنصافا لهم وإثباتا لبراءتهم أمام المجتمع المغربي. وقد يعزى ذلك لرقابة ذاتية مفرطة لدى مسؤولي هذه المؤسسة وتوجهات بعض مكوناتها غير المستقلة حسب المتتبعين.

مقترحات هذا المجلس بالرعاية اللاحقة للسجناء المفرج عنهم في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية محط انتقاد بسبب الشروط التعجيزية والإقصائية كشرط 45 سنة للإستفادة من برامج هذه المبادرة عطفا عن هزالة القروض الممنوحة.

نحن أمام مؤسسات شكلية بأساليب تدخل محتشمة ومحدودة في موضوع إعادة إدماج ساكنة السجون والرعاية اللاحقة للمعتقلين المفرج عنهم، مؤسسات تتسم بصوريتها وتواضع ومحدودية منجزاتها، وكأن الإيمان بهذه القضية الاجتماعية والاقتصادية غير حاضر فعلا في السياسات العمومية للدولة المغربية.

وتبق السمة الأساسية للتدخلات العمومية المختلفة في الموضوع هي التخبط وغياب الرؤية في متاهات إرتجالية لا تفي بأغراضها الوطنية إلا لماما ولا بالالتزامات الدولية لبلدنا في هذا الإطار.

وتبقى مهمة إعادة الإدماج مؤجلة في العمق وملقاة على عاتق التنظيمات السياسية والحقوقية الجادة.

العلمي الحروني، قيادي في الحزب الإشتراكي الموحد.
تمارة في 22 يوليوز 2024.

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد