“إقصاء المغرب” أم دوافع أخرى.. لماذا اتجهت الجزائر إلى “التكتل الجديد”؟
تحدث الرئيس الجزائري لأول مرة بشكل علني، نهاية الأسبوع الماضي، عن مشروع التكتل المغاربي الذي تنوي بلاده إطلاقه مع تونس وليبيا، مشيرا إلى أنه سيكون كتلة لـ”إحياء العمل المغاربي المشترك”، وتنسيق العمل من أجل “توحيد كلمة” هذه الدول بشأن العديد من القضايا الدولية.
وخلال لقاء صحفي، لم يُخف عبد المجيد تبون، طموحاته في إنشاء هيكل سياسي جديد في المنطقة المغاربية، يأتي بديلا لاتّحاد المغرب العربي الذي أسسته الدول المذكورة إلى جانب المغرب وموريتانيا قبل عقود، قائلا، إنه “انطلاقا من الفراغ الموجود حاليا حيث لا يوجد عمل مغاربي مشترك”، تقرر “عقد لقاءات مغاربية بدون إقصاء أي طرف.. والباب مفتوح للجميع “.
واتفقت الجزائر وليبيا وتونس، مطلع مارس الماضي، على عقد اجتماعات كل ثلاثة أشهر، يقام أولها في تونس بعد شهر رمضان، بأهداف “تكثيف الجهود وتوحيدها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، بما يعود على شعوب البلدان الثلاثة التي تشترك في الحدود”.
“هروب إلى الأمام”
وفي أعقاب الإعلان الذي جاء بعد لقاء على هامش القمة السابعة للغاز التي انعقدت في الجزائر، بحضور الرئيس التونسي، قيس سعيد، ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، اعتبرت أصوات مغربية، أن الخطوة الجزائرية تهدف إلى “عزل” المغرب عن محيطه المغاربي، وبأنها محاولات لـ”تقسيم المنطقة وإفشال حلم المغرب الكبير”.
المحلل السياسي المغربي، عبد الفتاح الفاتحي، يرى أن تصريحات عبد المجيد تبون “هروب إلى الأمام، أمام مسؤوليات بلاده الأخلاقية في إفشال مشروع المغرب العربي. ”
وقال الفاتحي في تصريح نقله موقع “الحرة”، إن محاولات الجزائر لـ”توزيع دم تفكيك المشروع التاريخي للمغرب الكبير مع دولتي تونس وليبيا، لا يعفيها من مسؤولية التحجج بأهداف خاصة تتعلق أساسا بنزاع إقليمي مع المملكة المغربية عبر قضية الصحراء”.
وعام 1989، أسست الدول المغاربية اتحاد “المغرب العربي” بطموح صنع تكتل اقتصادي وسياسي قوي، لكن وبعد عقود من التأسيس تحول هذه الهيئة من نشاط محدود إلى توقف شبه نهائي. وكان على رأس أسباب الجمود الأزمات المتكررة بين الجزائر والمغرب، التي تعمقت في غشت 2020، بعد إعلان الجزائر قطع علاقاتها مع الرباط.
وأعرب تبون، في تصريحاته الأخيرة، عن أمله في أن يكون الكيان الجديد “بادرة خير لدول المنطقة من خلال جمع وتوحيد كلمتها حول الأمور التي تهمها، خاصة وأننا نتقاسم تقريبا نفس الإشكالات”.
وشدد الرئيس الجزائري، في معرض حديثه عن الموضوع، على أن “هذا التكتل غير موجه ضد أي دولة أخرى، فالباب مفتوح أمام دول المنطقة”، لأنه من “غير المقبول عزل أي طرف”.
وتعليقا على تصريحات الرئيس الجزائري، قال المحلل المغربي، إن مبررات التخطيط لمشروع مغاربي بديل “منعدمة وبلا أفق”، مما يجعل الغاية من اختلاق تكتل مغاربي جديد غايته “إقصائية”، طالما أن الرباط “لم يتلق دعوة أو إخبارا بالأمر، بينما وجهت دعوة إلى موريتانيا التي رفضت الانخراط في المشروع”.
رد على “الطريق إلى الأطلسي”
من جهته، يرى الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر، محمد سي بشير، أن الخطوة تأتي في “سياق استقطاب جزائري مغربي في المنطقة”، مشيرا إلى أن كلا الطرفين “يحاول فرض رؤيته، وتشكيل بديل مؤقت للبناء التكاملي المغاربي”.
ويقول الجامعي الجزائري، إن التوجه الجزائري لـ”تحريك البناء المغاربي من دون المغرب”، يأتي ردا على المبادرة الأطلسية التي أطلقتها الرباط لـ”تطويق الجزائر من الجنوب الساحلي”.
وطرحت الرباط مؤخرا خطة طموحة لربط بلدان الساحل الأفريقي بالمحيط الأطلسي، تراهن عليها لتعزيز وجودها في القارة، في سياق اهتمام مغربي متزايد بمنطقة الساحل والصحراء.
واتفق وزراء خارجية المغرب ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، خلال لقاء عقد بمدينة مراكش في 23 دجنبر الماضي، على إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة لإعداد واقتراح سبل تفعيل المبادرة الدولية للملك محمد السادس، لاستفادة بلدان الساحل من المحيط الأطلسي.
ويرى سي البشير، أن تحركات الطرفين “سياسات عليا”، يهدف من خلالها كل جانب إلى “فرض رؤيته بمشروع ينال منه المصالح التي يرتجيها”.
لكن على الجهة المقابلة، يقول الفاتحي، إن “ثمة اختلافات كبيرة بين مبررات وأهداف مبادرة تنمية الأطلسي كمشروع جديد غايته النهوض بالوضع الأمني والاقتصادي لدول الساحل والصحراء وبين الخطط الجزائرية، التي تأتي بأهداف إقصاء المغرب”، وإنشاء تكتل يستعمل “أداةً للتوظيف السياسي ضد مصالح ترابية لدولة مغاربية جارة”.
ويقول أستاذ العلوم السياسية الجزائري، إن: “قطع العلاقات وسير الطرفين اللذين يقودان البناء المغاربي نحو مشروعات بديلة”، يعكس أن “التكامل المغاربي يعيش أضعف فتراته”.
وقبل الإعلان الأخير لتبون، اعتبر وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن “سد الفراغ لا يعني خلق بديل لما هو موجود، مضيفا أن “الاتحاد موجود لكنه في غيبوبة”، في رده بشأن ما إذا كان التكتل الجديد بديلا للاتحاد المغاربي.
وأبرز المتحدث، أن الرئيس الجزائري اقترح صيغة جديدة، إذ لا يمكن انتظار عودة الاتحاد المغاربي إلى الحياة دون تحرك، أو تقديم بديل بين الدول الثلاث، حسب ما نقله موقع “أوراس”.
وفي هذا الجانب، يقول سي بشير، إن الأمل معقود على أن يؤدي رد الفعل الجزائري بـ”تحريك الاندماج المغاربي دون المغرب إلى إعادة الحياة إليه”، في أفق حل المشاكل العالقة بين البلدين”.
“غياب موريتاني”
وكان لافتا في المشروع الجزائري والمبادرة المغربية، غياب البلد المغاربي الآخر موريتانيا عن الخطتين، وهو ما اعتبره متابعون رغبة من نواكشوط في تبني “الحياد”، ونأيا بنفسها عن الأزمة بين البلدين اللذين تجمعهما معها روابط اقتصادية وسياسية وأمنية مؤثرة.
المحلل السياسي الموريتاني، عبد الله أسلم، يرى أن بلاده “تفضل الابتعاد عن التكتلات الإقليمية في الظروف الراهنة”، فيما تذهب نحو تقوية العلاقات الثنائية المباشرة مع كل البلدان.
ويؤكد أسلم، أن سياسة موريتانيا “قائمة على الحياد فيما يتعلق بالخلافات بين الأشقاء”، وفي المقابل تجمعها “علاقات قوية مع كل دول الجوار، وبالتالي فهي “تبتعد عن كل المشكلات المرتبطة بملفات المنطقة”.
وبعد الاجتماع الثلاثي، قالت الرئاسة الجزائرية، إن تبون أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس الموريتاني ولد الشيخ الغزواني، أطلعه فيها على “اللقاء المغاربي الثلاثي الذي جمع رؤساء كل من الجزائر تونس وليبيا”، مضيفا أنه “بحث أيضا مع أخيه الرئيس الموريتاني، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، مسائل وقضايا راهنة، ذات طابع إفريقي”.
وفي سياق مرتبط، يوضح المحلل الموريتاني، أن سبب غياب بلاده عن التكتل المعلن، قد يكون أن للجزائر وتونس وليبيا رؤية بأن مشروعها الجديد مبني على القرب الجغرافي وتقاسم البلدان الثلاثة لحدود برية، منا يمكن أن يعطي حياة جديدة للاتحاد ويعالج قضاياها الملحة بعيدا عنه.
ويوضح، أن التكتل الجديد لا يعني بالضرورة “أنه بديل عن اتحاد المغرب العربي الذي يبقى مؤسسة تحتاجها البلدان المغاربية، لتحقيق التكامل المنشود منذ عقود”.
المصدر: موقع “الحرة”