هل “يركب” حزب العدالة والتنمية على “مدونة الأسرة” لإعادة التموضع من جديد؟
قبل حوالي شهر على انتهاء عمل اللجنة المكلفة بصياغة مشروع التعديلات الخاصة بمدونة الأسرة، رفع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله ابن كيران، من حدة الخطاب، تجاه مجموعة من المؤسسات، سواء الحزبية أو الدستورية الرسمية، بسبب المقترحات التي قدمتها، والتي اعتبرها بنكيران في الكثير من المناسبات “مخالفة للدين الإسلامي”.
الملك يأمر بتعديل المدونة
في شتنبر 2023، وجه الملك محمد السادس، رسالة إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، قصد العمل على إعادة النظر في مدونة الأسرة. وأسند الملك، حسب بلاغ للدوان الملكي، مهمة الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع.
ودعا الملك، المؤسسات الثلاث، إلى أن “تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين”.
وبعد الانتهاء من اعداد المشروع، أكد بلاغ الديوان، أنه سيتم رفع مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات التشاركية الواسعة، إلى نظر الملك، أمير المؤمنين، في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان.
عمل اللجنة المكلفة بإعداد المشروع
وفي نهاية دجنبر 2023، أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، وعضو الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة الحسن الداكي، أن الهيئة أنهت جلسات الاستماع للتصورات بخصوص تعديل مدونة الأسرة.
وقال الداكي، في تصريح للصحافة بتاريخ 27 دجنبر 2023، “نحن اليوم في نهاية الاستماع على أن يظل الباب والمجال مفتوحين لكل من يرغب في اضافة آراء أو تحليل أو توصيات أو مقترحات لتزويد الهيئة بها، سواء بمقتضى مذكرة كتابية أو عن طريق الموقع الإلكتروني للهيئة الذي يبقى رهن إشارة الجميع “.
وأوضح أن الهيئة عقدت 130 جلسة استمعت خلالها ” لأقصى ما يمكن من الفاعلين في المجتمع ” (مؤسسات، مجتمع مدني، أحزاب سياسية، مركزيات نقابية، مراكز أبحاث …)، الذين قدموا تصوراتهم ومقترحاتهم حول تعديل مدونة الأسرة.
وأفاد الداكي في حينه أن الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة “ستتداول بشأن الاقتراحات والتوصيات والدراسات التي قدمت لها في مختلف جلسات الاستماع وأيضا في مذكرات مكتوبة”.
المدونة.. المصباح “يشتعل باللون الأحمر”
من خلال متابعة التصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله ابن كيران، وبعض قادة الحزب، يعتقد الكثيرون أنهم “يستغلون الفرصة من أجل إعادة التموضع في المشهد السياسي المغربي، واسترجاع البريق المفقود إثر تجربة حكومية استمرت لـ10 سنوات، خرج الحزب منها منقسما على نفسه، وفقد خلالها الكثير من التعاطف والدعم الذي كان لديه قبل 2011”.
ومنذ خروجه من الحكومة لم يحظ أي موضوع باهتمام “الحزب الإسلامي” كما هو عليه الحال مع مدونة الاسرة، رغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي عانى ويعاني منه المغاربة، بفعل الغلاء وارتفاع أسعار أغلب المواد الاستهلاكية، ورغم الوضعية الصعبة التي باتت ترزح تحتها الأسر المغربية بفعل الوضعية الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات البطالة.
بنكيران “كايشير” يمينا وشمالا
هاجم عبد الإله ابن كيران رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمينة بوعياش، ووصف مذكرة المجلس بـ”المارقة، والتي لم تراع المرجعية الإسلامية للأمة ولا التأطير الملكي ولا التأطير الدستوري ولا مصلحة الأسرة”. معتبرا أن تعديلات المجلس “لا تهدد الأسرة فقك بل المجتمع، وهي تدافع عن إيديولوجية عفا عنها الزمن”.
ووجه بنكيران كذلك انتقاداته إلى زعيمي حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، الذي اعتبر أنهما يريدان “تغيير كلام الله”، بعد أن سبق لهما المطالبة بإخراج قانون ذي “نفس تحديثي قوي”.
وقال ابن كيران، في تصريحات سابقة، موجها كلامه للأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، “الرجوع لله أسي نبيل، هل سنلعب في هذا، هذا كلام الله، الله يعلم وأنتم لا تعلمون”، مضيفا، “حتى بورقيبة الذي غير المدونة في الخمسينات أو بداية الستينات لم يتجرأ على مثل هذا، وهؤلاء قالوا هذا الكلام لأننا حسَبهم بحال بحال”.
ونهاية الأسبوع المنصرم، هدد ابن كيران بتنظيم “مسيرة مليونية” لـ”التنديد بالتعديلات التي تنوي الحكومة إدخالها على مدونة الأسرة”، معتبرا أنها “تتعارض مع الدين والدستور ومع التأطير الملكي، ومع ما يريده المواطنون وما تؤكده استطلاعات الرأي حول تشبث المغاربة بإصلاح المدونة وفق المرجعية الإسلامية”.
وذكّر بنكيران بالمسيرة التي سبق أن تم تنظيمها في مارس 2000 ضد “خطة إدماج المرأة في التنمية”، وقال خلال مهرجان حزبي حول إصلاح مدونة الأسرة: “على المغاربة أن يتحركوا، وإذا استدعت الضرورة القيام بمسيرة مليونية فنحن مستعدون مرة أخرى”.
الرميد.. صوت الـ”بيجيدي” “المعتدل”
من جهته، أكد وزير العدل وحقوق الانسان الأسبق، مصطفى الرميد، أن تعديل مدونة الأسرة يستوجب الوسطية من طرف القطبين المختلفين في المجتمع؛ “القطب الحداثي والقطب المحافظ”، لافتا النظر إلى أن الملك محمد السادس كلف ثلاث مؤسسات بالسهر على إعداد مشروع المدونة، وسينظر فيها “بصفته أميرا للمؤمنين، وليس بصفته ملك البلاد”. مذكرا بقوله: إنه “لن يحل ما حرم الله ولن يحرم ما أحل الله”.
وأضاف الرميد خلال ندوة، عقدت يوم الأربعاء 28 فبراير الماضي بالعاصمة الرباط، من تنظيم الجناح الطلابي لحزب العدالة والتنمية، تحت عنوان “الأبعاد القانونية لورش تعديل مدونة الأسرة”، “من أراد أن يكون في صف المحافظين الملتزمين فله ذلك، لكن عليه أن يأخذ ذلك بشكل من الاعتدال، ومن أراد أن يكون حداثيا أو علمانيا فله ذلك، ولكن عليه ألا يذهب بعيدا، لأننا إزاء مجتمع مسلم يريد العيش ضمن القيم الإسلامية السمحة ونظام دولة لا يسمح بالانفلات الذي يطالب به البعض”.
وتابع: المغرب “له ميزة عن باقي البلدان، ليس فقط لكونه حريصا على هويته، بل بكونه بلدا يرأسه أمير المؤمنين، وهي صفة تجعل من واجباته حفظ الدين كما حفظ وحدة الوطن واستقرار البلد”.
وأوضح الوزير السابق أن “مشكلة الأسرة لا يمكن معالجتها بالقانون فحسب؛ صحيح أن القانون لا بد من تجويده، ولكن الأسرة تصلح بالأخلاق أكثر مما تصلح بالقوانين، فالزواج يتم بشيء من القانون، ولكن بكثير من الأخلاق، والفراق يكون بالقانون ولكن يجب أن يكون بالأخلاق أكثر”.
وزاد الرميد: “ما يمكن أن تنتهي إليه اللجنة لا يمكن إلا يكون معززا للأسرة بكل مكوناتها، لا يمكن أن أقول لكم اطمئنوا بشكل مطلق، لأن الأمر يتعلق بعمل بشري، يحتمل الصواب والخطأ، ولكن من الناحية المبدئية أنا جد مطمئن مع كل الحذر اللازم”.