الصحة النفسية والعقلية.. الآليات القانونية وفعلية الحقوق
تعتبر الصحة النفسية والعقلية حقا أساسيا من حقوق الإنسان المكفولة للجميع. وتشمل الحق في الحماية من مخاطرها، والحق في الحصول على رعاية ولوجة وميسرة وذات جودة دون تمييز، والحق في الحرية والاستقلال والإدماج في المجتمع.
وقد أقرت عدد من الاتفاقيات والصكوك الدولية، صراحة أو ضمنيا بالحق في الصحة، بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 25) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة12)، واتفاقية حقوق الطفل (المادة 24) واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (المادة 25)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (المواد 10 و11 و14 ) واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري (المادة 5)، وجميعها صكوك تم التوقيع والمصادقة عليها من طرف المغرب.
كما حدد التعليق العام رقم 14 للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحددات الأساسية للصحة ومنها الصحة النفسية والعقلية، والتي تتضمن الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي والعنف وسوء المعاملة وفعلية الولوج للحقوق والاقتصادية والاجتماعية.
وأكدت إرشادات منظمة الصحة العالمية ومفوّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان حول “الصحة النفسية وحقوق الإنسان والتشريعات: الإرشادات والممارسة”، على دعم الدول في إصلاح تشريعاتها من أجل وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان وزيادة إتاحة خدمات الرعاية الجيدة في مجال الصحة النفسية.
فالمقاربة القائمة على حقوق الإنسان تبرز العلاقة الوثيقة بين الصحة العقلية والفقر والصعوبات الناجمة عن إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثل الحق في التعليم والعمل والسكن اللائق والغذاء والماء، ومن تم فإن عدم اعتماد تشريعات وسياسات عمومية مستجيبة تراعي هذه المحددات ومدى الوصول إلى إعمالها يعد عائقا أما فعلية هذا الحق.
كما أن محاربة التمييز والوصم والصور النمطية العميقة الجذور بشأن المصابين بأمراض عقلية، وتعزيز الحماية القانونية الضامنة لموافقتهم الحرة والمستنيرة، وإمكانية التماس سبل الانتصاف الفعالة أو غيرها من وسائل الجبر تظل من أهم آليات المواكبة. وهو ما أكد عليه أيضا تقرير مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان حول “الصحة العقلية وحقوق الإنسان” في تنزبل للقرار 32/18 لمجلس حقوق الإنسان بتاريخ 31 يناير 2017.
على المستوى الوطني، أقر دستور 2011 في ديباجاته مناهضة كافة أشكال التمييز أيا كان الوضع، كما أكد في مادته 31 على دور المؤسسات العمومية والجماعات الترابية في تسخير كافة الموارد المتاحة لولوج المواطنين والمواطنات بشكل عادل للحق في الولوج للخدمات الصحية.
وتظل مختلف التشريعات الوطنية المتصلة بالصحة العقلية مكسبا معياريا لا ينكر، ومنها ظهير 30 أبريل 1959 المتعلق ب «الوقاية من الامراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها”، لكنه لم يخضع منذ صدوره لأي تعديل مما يفسح المجال للعديد من التجاوزات والإكراهات.
وتجاوبا مع هذا الوضع أعد القطاع الوصي مشروع القانون 71.13 المتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وحماية حقوق الأشخاص المصابين بها والذي ظل بالمؤسسة التشريعية إلى أن تم سحبه من طرف رئاسة الحكومة في شتنبر 2023.
كما أن التشريع الجنائي يضم العديد من المقتضيات ذات الصلة بالصحة العقلية. ويشمل القانون الجنائي (الفصول 61 ومن 75 إلى 82 ومن 134 إلى 137)؛ وقانون المسطرة الجنائية (المادتان 389و435).
ومن جانبه دأب المجلس الوطني لحقوق الإنسان منذ سنة 2019 سواء من خلال توصياته الواردة في تقاريره السنوية حول وضعية حقوق الإنسان، أو من خلال تقريره الموضوعاتي حول الحق في الصحة، الذي بسط محددات الحق في الصحة ومنها الصحة النفسية والعقلية سواء من الناحية القانونية والمؤسساتية أو من الناحية السوسيو اقتصادية، وقدم مرتكزات جوهرية لبناء وهندسة استراتيجيات على ضوء مبادئ حقوق الإنسان. وذلك في ظل سياق يتسم بقدم النصوص القانونية وعدم ملائمتها مع التشريعات الدولية’ وضعف بنيات الاستقبال اللائقة والملائمة وندرة الموارد البشرية المتخصصة.
تبعا لذلك، ينظم المجلس يوم 29 فبراير 2024، في إطار برنامجه الشهري “خميس الحماية” لقاء تفاعليا عن بعد حول موضوع: “الصحة النفسية والعقلية: الآليات القانونية وفعلية الحقوق” على الساعة السادسة والنصف مساء، يرمي من خلاله بسط هذه الإشكالات، وفي مقدمتها الإطار التشريعي والمؤسساتي. ومناقشة السبل الكفيلة بمعالجتها وفق مقاربة دامجة ومندمجة تضمن فعلية حقوق جميع الفاعلين والمعنيين بالصحة النفسية العقلية.