المطالب الملحة لقضيتنا.. من أجل نهضة جماعية للشغيلة التعليمية، ورهان الحفاظ على وحدتها النضالية
لقد ساهمت “الإصلاحات” المتوالية على قطاع التعليم في بلقنة هيأة التدريس وباقي مكونات الشغيلة التعليمية؛ مما عرضها للتشتت والتشرذم، بل ودفعها إلى مراكمة نكسات وانهزامات على مدى عقود من الزمن، بفعل إفراغ أدوات النضال النقابية من مضمونها، وفصل قياداتها عن صوت القواعد، إلى درجة بدأت تلوح في الأفق ملامح الغاية التي رسمتها الدولة وهي “فرق تسد”، لفسح المجال أمامها من أجل تنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي، والتخلص من تكلفة التعليم وتفكيك الوظيفة والمدرسة العموميتين.
غير أن حصيلة التراكم الكمي الذي حصدته الشغيلة التعليمية على مستوى التهميش والإقصاء وضرب مكانتها الاعتبارية داخل المجتمع، أفضى – وكان سيفضي بالضرورة – إلى تغيير نوعي / كيفي سواء على مستوى وعي الشغيلة التعليمية بضرورة توحيد صفوفها من جديد، أو على مستوى وعيها بضرورة التمرد على البيروقراطيات النقابية التي ساهمت في تكريس هذه التفرقة وهذا التهميش، لأجل حسابات ضيقة حزبية وسياسية.
ونظرا لأن التضخم الاقتصادي (غلاء أسعار المواد الأساسية) صار ينهش جيوب أغلبية الشعب المغربي، فإن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشغيلة التعليمية، التي تخضع بدورها لنفس النسق، قد انحدر بالتدريج إلى مستوى الطبقة المُفقرة بالمغرب، بعدما كانت تصنف في خانة الطبقة المتوسطة، وجعلها تتجرّع جرعات الازدراء الاقتصادي والرمزي في صمت، لكن دون أن تهضمها.
وبما أن الشروط الموضوعية قد نضجت، ولأن الشغيلة التعليمية تملك من الوعي ما يكفي للانتفاض ضد الظلم، وتملك من الجرأة والقوة ما يكفي لصد هذا الهجوم المُمنهج على مكانتها الاعتبارية داخل المجتمع، فقد أفضى هذا التراكم إلى تبلور وعي جمعي، هيأها لتنتفض وتنتظم في تنسيقيات وتُدشن هذا الحراك التعليمي غير المسبوق، بعدما أدركت أن الحكومة ماضية في مأسسة هذا التهميش وجعله أمراً واقعا، من خلال ما أطلق عليه زورا وبهتانا النظام الأساسي الجديد” الموحِد والمحفز”.
لقد لعب الوضع الاقتصادي دور المحرك الذي دفع بهذا التراكم إلى مداه الأقصى، وأفضى إلى هذه الطفرة واليقظة الجماعية، وإذا كان هذا الحراك التعليمي قد بدأ متفرقا على مستوى التنظيمات / التنسيقيات، باعتبارها نتيجة منطقية للتفييئ والتفريق المُمنهج، الذي أشرنا إليه أعلاه، فإن صيرورة النضال الميداني (جموعات عامة، وقفات مسيرات احتجاجية…الخ) التي عاشتها الشغيلة التعليمية منذ الخامس من أكتوبر 2023، بقيادة التنسيقيات الثلاث: “التنسيقية الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي”؛ و”التنسيق الوطني”؛ و”التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم”، قد بدأ يسير بقوة إرادة القواعد نحو توحيد النضالات، سواء على مستوى البرامج النضالية، أو على مستوى الوعي بوحدة المصير، ما دام نساء ورجال التعليم قد أدركوا أنهم ينتمون إلى نفس الطبقة التي ترزح تحت ثقل نفس السياسة المُملاة من طرف المؤسسات الرأسمالية العالمية. وقد تجلى هذا الوعي في صوت القواعد المطالب بضرورة توحيد سبل وأدوات المقاومة والصمود في الزمان والمكان (التنسيق الميداني) الذي تجلت نتيجته واضحة في مسيرة الكرامة يوم 07 نونبر.
وإذا كانت الحكومة تُسارع الزمن للالتفاف على هذه المعركة وخنق نَفسها النضالي، حيث باشرت مسلسلا من الحوار البيروقراطي مع شركائها في تنزيل “الإصلاحات”، وبما أن نهاية مسرحية هذا الحوار كانت تراجيدية، عند محاولة وأد الكرامة في مقبرة المطلب المادي، واختزال الملف المطلبي في مطلب الزيادة في الأجور فقط، (الزيادة الهزيلة في الأجور مقارنة مع التضخم الذي يشهده الوضع الاقتصادي)، والتطبيل له إعلاميا حتى توهم الرأي العام بأن مطالب نساء ورجال التعليم هي مجرد مطالب “خبزية” لا أكثر !!، ومن ثمة محاولة الالتفاف على المطلب الرئيسي المتمثل في سحب النظام الأساسي، نظرا لما له من انعكاسات سلبية على جودة ومجانية التعليم العمومي، وعلى كرامة العاملين بالمدرسة العمومية؛
بما أن الأمر كذلك، فإن المسؤولية التاريخية والنضالية الملقاة على عاتق التنسيقيات اليوم، تقتضي منها التدخل لتغيير مجرى الأحداث وصناعتها، ما دامت هي الفاعل الرئيسي في الميدان، خاصة بعد الصمود البطولي للشغيلة، رغم كل محاولات الترهيب والترغيب، ورغم الاقتطاعات الجائرة من الأجور الهزيلة في الأصل.
لأجل ذلك، وبغرض المساهمة في الرفع من منسوب هذا الوعي الجمعي، نقترح التركيز على “وحدة الملف المطلبي” من أجل تحقيق نهضة جماعية لنساء ورجال التعليم، أي أن هذا الملف المطلبي يجب أن يتضمن في بنوده العريضة، مطالب موضوعية ومشتركة، والتي نذكر من بينها – على سبيل المثال لا الحصر- ما يلي:
✓ إسقاط النظام الأساسي الجديد، من الداخل عبر المطالبة بإحداث مرسوم يستنسخ بنود الإذلال والاستعباد، مع الاحتفاظ بالمكتسبات؛
✓ إلغاء التعاقد وإدماج جميع العاملين في قطاع التعليم ضمن سلك الوظيفة العمومية، وذلك من خلال المطالبة بحذف المواد رقم 1 و 2 و 3 ؛
✓ الزيادة في الأجور بما يضمن كرامة نساء ورجال التعليم، وتحديدا الزيادة في الراتب الأساسي بنسبة لا تقل عن 80٪؛
✓ إلغاء الساعات التضامنية، مع التنصيص على ساعات العمل وتحديد المهام بدقة؛
✓ تسريع وتيرة الترقي من رتبة إلى أخرى، مع الزيادة في التعويض المادي عن كل رتبة؛
✓التعويض عن العمل بالمناطق النائية والصعبة؛
✓ إلغاء مرسوم “الأجر مقابل العمل” ضمانا للحق الدستوري في الإضراب المكفول بقوة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؛
✓ إحداث درجة جديدة يستفيد منها جميع العاملين في القطاع؛
✓اعتماد السلم المتحرك للأجور يتماشى مع نسبة التضخم؛
✓ رفض ما سمي بإصلاح صندوق التقاعد والعودة إلى العمل بسن التقاعد الذي كان معمولا به سابقا (خاصة التقاعد النسبي: 15 سنة بالنسبة للنساء و 21 سنة بالنسبة للرجال)؛
✓ تيسير مسطرة الاستفادة من التعويض عن الأمراض CNOPS ، ورفض أي زيادة في مبلغ مساهمة المنخرطين…
إن التركيز على مثل هذه المطالب الموضوعية والمشتركة بين جميع فئات الشغيلة التعليمية، هو وحده الكفيل بتحقيق مزيد من الوحدة وتذويب الاختلافات والتناقضات الذاتية، والكفيل بترجيح كفة ميزان القوة لصالحها، بما يضمن كرامتها ومكانتها الاعتبارية داخل المجتمع.
طبعا، هناك ملفات خاصة وجب تسليط الضوء عليها لإنصاف بعض الفئات المتضررة، لكن الرهان الأول هو تحقيق نهضة جماعية تضمن كرامة العاملين بهذا القطاع، وبعدها كل الملفات ستجد طريقها إلى الحل والإنصاف، من موقع قوة لا من موقع الضعف والاستجداء.
لنرفع رؤوسنا اليوم عاليا
فقد لا تتاح لنا الفرصة لرفعها مرة أخرى.
توقيع
ابراهيم شدادي أستاذ مادة الفلسفة