بعد شهر ونصف.. معاناة ضحايا الزلال مستمرة


تنظر الشابة “كريمة أيت حمو” إلى من يحدثها بكثير من الأسى وهي تتذكر ما حدث في ليل الثامن من شتنبر الماضي، حين انقلبت حياتها رأسا على عقب بعدما فقدت منزلها وعددا من أقربائها بسبب زلزال المغرب المدمر.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    في منطقة ماريغا العليا الجبلية، وتحديدا قرية ويرغان بضواحي مراكش، تعيش كريمة الآن إلى جانب زوجها وولدها وبنتها داخل خيمة صغيرة، نُصبت بشكل مؤقت فوق ربوة مستوية لم يجد الساكنة غيرها لنصب خيامهم، لكنها معرضة للريح الجبلية الشديدة، مما يجعل السكان يقضون وقتا غير يسير في إعادة تثبيتها.

    تجلس الشابة الثلاثينية القرفصاء لتعد طعام الغذاء، في جزء قصي من خيمتها الصغيرة حوّلته إلى مطبخ، فيما أضفت على ترتيب الأواني لمسة لا تخطئها العين، تخفف من الإحساس بضيق المكان ووحشته.

    عندما طلبنا منها الإذن بالتصوير، لم تكترث للأمر، إذ فقدت حياتها الأسرية كل خصوصية، وفق تعبيرها .

    معاناة مستمرة

    مثل كريمة، يعيش عدد من الأسر -المتضررة من الزلزال- بإقليم الحوز وضعية مزرية، حيث فقدوا أحبتهم وسكنهم، وتزداد معاناتهم بعد هطول الأمطار والثلوج مع حلول موسم الخريف، مما دفع البعض للقول إنهم أصبحوا منسيين تماما.

    تحكي كريمة أنها سمعت عن دعم حكومي لمتضرري الزلزال، لكن إلى الآن لم يصلها شيء منه، فيما يقول السيد حسن بوناصر، إن حوالي 20% فقط من سكان “ماريغا العليا” التي يعيش بها نحو 240 أسرة، وصلها الدعم.

    يسمع بوناصر -وهو ناشط مدني- عن إعادة الإعمار، لكنه يتساءل عن وقت تنفيذه الذي يبدو أنه غير قريب، ويشدد على ضرورة توفير مساكن مؤقتة غير الخيام، خاصة خيام المدارس التي يعاني داخلها التلاميذ أيضا.

    خيام بالية

    قبل وصولنا إلى ماريغا العليا، وعلى طول الطريق إليها من مركز قرية بويرغان أو قرية أسني، تنتشر الخيام هنا وهناك، في منظر أصبح مألوفا منذ الزلزال المدمر، لكن هذه المرة تقادمت الخيام، وتحتاج دوما إلى تجديد، لم يعد السكان قادرين على تحمله، كما يحكي حسن بوناصر.

    عند الانتقال إلى قرية أمزميز، عبر ممر جبلي، لا يختلف المنظر عما شوهد في قرية ويرغان، حيث خيام بالية تنتشر في الفضاء العام.

    عند الدخول إلى مخيم أمادل (أحد المخيمات وسط بلدة أمزميز)، لفت انتباهنا انتشار المياه العادمة التي تمر عبر قنوات صغيرة، ما يدل على صعوبة العيش داخل المخيم بالرغم من أن السكان زينوا المداخل بورود وشجيرات.

    في المخيم ذاته، تواجه السيدة “جميلة أيت لحنش” مشكلة من نوع آخر، فهي تستأجر منزلا، لكنها لا تستطيع العيش فيه بسبب تصنيفه دارا آيلة للسقوط، كما لا تستطيع إخلاءه من جميع أغراضها لضيق خيمتها المؤقتة، لكن صاحب المنزل يطالب بدفع الإيجار أو الإخلاء الفوري.

    تنوه جميلة إلى قرار الحكومة بتخصيص مبلغ مالي لمثل حالتها، لكنها تعيب عليها بطء التنفيذ وتعميم الاستفادة، وتختم بالقول إنها ترى مستقبل أطفالها يضيع منها بعدما لاحظت تدهورا في نفسيتهم ورغبتهم في التحصيل الدراسي.

    قوافل التضامن

    الشاب معاذ الغزواني من المخيم ذاته، يقول إن السكان يطالبون بمساكن مجهزة عوض الخيام التي أظهرت الأمطار الأخيرة عدم كفاءتها في حمايتهم، علاوة على أن عددا من الدور الآيلة للسقوط ما تزال قائمة وتشكل خطرا دائما على المارة.

    - إشهار -

    وفي حديثه، ينبه الغزواني إلى أن عددا من الأسر فضلت الهجرة، وتحمل أعباء إضافية، موضحا أن الظروف المعيشية الصعبة دفعت التجار إلى إغلاق محلاتهم، والسكان إلى تنظيم مسيرة احتجاجية رغم علمهم بقرار منعها.

    في مخيم أمادل، ما تزال إحدى الجمعيات تزود السكان ببعض المواد الغذائية، لكن أسرا أخرى تعيش ظروفا أصعب كما هو الحال بدوار بوسكيوض غير بعيد عن مركز أمزميز، وفيه تعيش 9 أسر.

    تلاحظ الشابة “فاطمة الزهراء أيت إيدار” من سكان منطقة الدوار أن قوافل التضامن قلت بشكل كبير إلى أن انعدمت، موضحة أن مياه الشرب التي تستعملها العائلات باتت بجودة أقل. وأضافت، أن الدوار به حوالي 18 طفلا، يقضون كل أوقاتهم في اللعب، محرومين من الدراسة بمدرسة قريبة.

    آمال معلقة

    يعلق السكان آمالهم على وعود الحكومة لتحسين معيشتهم. ووفق مصدر مسؤول في إقليم الحوز، فإن السلطات المحلية ستعمل على توفير مزيد من الخيام لمن لم يتسلمها بعد أو تضررت خيمته بالرياح والأمطار الأخيرة، وأيضا تعميم توفير الماء والكهرباء والمرافق الصحية وروض الأطفال.

    كما ستعمل السلطات على تبديل خيام المدارس ببيوت متنقلة تدريجيا، وإيجاد حل لمشكلة النقل المدرسي وإيواء تلامذة دور الطلاب، وتوفير المحافظ والمقررات والأدوات المدرسية لمن يحتاجها من التلاميذ، وفق المسؤول ذاته.

    علاوة على ذلك، تعمل الحكومة على رفع عدد المستفيدين من الدعم الخاص بمتضرري الزلزال، والتدقيق أكثر في لوائح المستفيدين وتوسيع الدائرة لتشمل المستأجرين كذلك، والعمل على إقامة مستشفى ميداني في أقرب الآجال.

    ويلاحظ الشاب معاذ الغزواني أن كل تلك الوعود ليست لها آجال محددة، لكنه يأمل أن تتطور الأمور إلى الأحسن بالسرعة المطلوبة.

    منطقة منكوبة

    ووفق قرار نُشر في الجريدة الرسمية بناء على استطلاع رأي قامت به لجنة تتبع الوقائع الكارثية، اعتبرت الحكومة المغربية الزلزال “واقعة كارثية”، وأعلنت 169 جماعة محلية بأقاليم الحوز وشيشاوة وأزيلال وورزازات وتارودانت، وعمالة مراكش، مناطق منكوبة.

    وهو أول قرار من نوعه منذ تأسيس صندوق تضامن خاص بالوقائع الكارثية. وحسب قانون التأمين رقم (110.14)، تعتبر “كارثية” كل واقعة نجمت عنها أضرار مباشرة بسبب قوة طبيعية أو بفعل إنساني عنيف.

    وبعدما كانت الدولة قد حددت مبالغ التعويض عن السكن من خلال صندوق تدابير تداعيات الزلزال، يطرح القرار الجديد إشكالية جديدة، تتمثل في كون مبالغ التعويض المعلن عنها أقل بكثير مما يوفره صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية، فيما يرى مراقبون أن المبالغ الأولى قد تصبح جزءا من التعويض الكامل.

    ويتساءل بعض السكان، “هل كان على الحكومة أن تنتظر شهرا ونصف الشهر لتعلن إقليم الحوز (وباقي الأقاليم) منطقة منكوبة؟”.

    المصدر: الجزيرة

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد