الآثار الاجتماعية لظاهرة كورونا


لعل مقاربة المجتمع ودراسته وفهمه من المهمات التي لا تخلو من صعوبة وتعقيد، على اعتبار أن المجتمع هو ذلك المجموع والشامل لعدة عناصر مركبة في زمن ومكان محددين، ويتركب من تاريخ ومجال وثقافة وأسلوب عيش. وبالنظر إلى المجتمع العالمي والمحلي في زمن كورونا سوسيولوجيا، يتم اعتماد منهج مقارنة المتغيرات. فالنسبة لمتغير كورونا كمدخل لمحاولة فهم الواقع المعيش فهما مبنيا على مقاربات متعددة بالاعتماد على أدوات منهجية علمية محكمة، ستقود إلى نتائج واستنتاجات وخلاصات تتحول إلى أسئلة وفرضيات وأرضية للنقاش ومجال للشك وموضوع للنقد.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    والحديث عن كورونا كمرض ناجم عن فيروس انتشر في العالم، ووصل تأثيره إلى ما هو محلي. تاريخيا فقد عرفت البشرية عدة أوبئة وأمراضا فتاكة أودت بحياة الملايين من الناس وغيرت تاريخ شعوب وأمم. ومنه نستنتج أن الأوبئة والأمراض ظاهرة تتكرر في المجتمعات عبر التاريخ. وتتعدد أسبابها وطرق انتقالها وحدة خطورتها ومدى الوعي بها، حسب ما تتداوله الروايات والتأويلات.  كيف أثرت كورونا على العالم نفسيا، وصحيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وبيئيا؟ وكيف أثرت على التنظيمات والمؤسسات والقوانين محليا؟

    يحتاج فهم المجتمع في ظل وباء كورونا وقفة تأمل رصينة وعدم الجري وراء تسارع الأحداث وتوالي الأخبار وانقسام الرأي العام حولها في هذه المرحلة.

    وهذا ما يحتم الانطلاق من الرواية الرسمية للدولة كمرجعية يحكمها منطق القانون والمسؤولية.

    وبعدها أراء الخبراء والأطباء في مجال الصحة، ومواقف المؤسسات الاجتماعية وردود فعل المواطنين التي تشكل تمثلات المجتمع للصحة والمرض ومخياله الجمعي لفهم ما جرى. وهذه المواقف والأفكار تشكل منطلقا أساسيا لمعرفة وقياس تأثر المجتمع بكورونا. ويبدو أن كورونا يؤدي إلى تغيرات مباشر وواضحة في المجتمع العالمي المحلي. وصف خبراء المعركة ضد كرونا بحرب صحية عالمية، يطلق عليها آخرون حربا بيولوجية ضد البشرية.

     والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما مدى تأثر المجتمع بكورونا؟

     طرأت على المجتمع العالمي والمحلي تغيرات مرتبطة بالأزمة الصحية والبيولوجية، وتشمل جوانب اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية وصحية وتعلمية، فضلا عن تغيرات مست التنظيمات والمؤسسات الاجتماعية.

    من تجليات التغير الذي ألحقته كورونا في عمق المجتمع مجموعة من القوانين التي تنظم سلوك الأفراد قصد حمايتهم، بحيث مثل توقيف الدراسة وإغلاق المؤسسات وتأجيل التظاهرات الرياضية، وإجراءات اقتصادية وتدابير وقائية صحية لتدبير المرحلة والحماية من انتشار الوباء بسرعة.

    - إشهار -

    اقتصاديا توقفت الكثير من شركات الإنتاج والتوزيع والتجارة بين الدول، تكاد تجارة المواد الطبية والاستهلاكية تسيطر على الأسواق.  وتغير بعض قيم الاستهلاك وغاب الزبناء عن المطاعم والمقاهي والمنتجعات السياحية.

     فالاقتصادي اليوم يعتمد على الاكتفاء بإنتاج واستهلاك المواد والسلع الطبية والاستهلاكية التي تلابي الحاجيات الضرورية للإنسان وغابت الكماليات عن لائحة المشتريات. وتراجع القدرة الشرائية بسبب عدم وضوح الرؤية لدى المستهلك حول المدى الزمني للحجر الصحي، وارتفاع أسعار وتزايد الطلب وضعف الإنتاج وتعقد عملية نقل السلع بين المدن.  وتخضع المبادلات التجارية الدولية لحسابات الحاجيات الداخلية والمراقبة الشديدة للجودة وشروط السلامة.

    ما مستقبل النظام الاقتصادي العالمي؟

    وعرفت السياسات العامة تغيرا في تدبر حياة المواطنين وتنظيما، وتركز على إجراءات حمائية لمواجهة أي انفلات ومراقبة سلوك المواطنين. وقام المجتمع المدني بأعمال تطوعية والانخراط في مواجهة الوباء. وسياسة تدبير هذه المرحلة تؤثر على العلاقات الدولية، فيما يخص التحالفات القادمة وتهمل مناطق الصراع إلى حين السيطرة على الوباء نهائيا باكتشاف لقاح فعال ضد هذا الفيروس.

    ودعت الأمم المتحدة إلى وقف الحرب في اليمن وسوريا وليبيا، وتوحيد الجهود لمواجهة أزمة كورونا كمبادرة إنسانية. ويأمل الشعوب أن تكون خدمة الإنسان أولوية الحكومات. وتغيرت القوانين مؤقتا لتواكب ظروف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية الاستثنائية ليس لكبح حريات الناس بل لحمايتهم، وتنظيم حياتهم اليومية وتدبير المرحلة.

    ويعمل القانون على تدبير هذه الأزمة الصحية الاجتماعية، المؤثرة في العلاقات بين الأفراد وممارساتهم وتعاملهم مع ذواتهم ومع غيرهم، والمؤسسات المسؤولة عن الشأن الاجتماعي للمواطنين، التي تغير أسلوب عملها المعتاد. وتغير التعامل مع المجال في أجزائه الخاصة (الحي والدوار) والعامة (المدينة والدولة)، وتؤثر على ذلك الحيز الذي يحتضن المجتمع بجميع عناصره وتفاعلاته الخاصة بمواجهة كورونا وحصرها في مكان محدد للسيطرة عليها والحد من انتشارها.

    غير وباء كورونا نظرة الإنسان إلى ذاته والحياة والعالم. واستمرار أزمة كورونا هو استمرار لتحول الاجتماعي، وفهم الظاهرة بكليتها لن يكون متحا إلا بعد انتهاء الأزمة، ليتخذ البحث العلمي مجراه الطبيعي بعيدا عن ضغط المستجدات المتلاحقة وضجيج التحليلات المتسرعة. لكن الانهجاس وطرح السؤال ومحاولة الفهم عمليات فكرية منهجية مستمرة.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد