وَرَقَاتٌ مِنْ شَجَرَةِ مَا لاَ يُرَى (قصيدة)
1
الْأَفْكَارُ الَّتِي لَا تُوَاصِلُ تَرْحَالَهَا
فِيمَا لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهْ
هِيَ نَبِيذُ عَطَلِ الْأَشْيَاءْ.
2
مِنْ نَافِذَةِ الْغَسَمِ
يُخْرِجُ رَأْسَهْ
ذَلِكَ الصَّمْتُ الْقَانِي
لِيَرَانِيَ
أَغْتَسِلُ بِالْفَرَحِ وَالْأَسَى
فِي شَمَارِيخِ الزَّمَنْ
كَوَعِلٍ
تَتَأَوَّدُ عَلَى قَرْنَيْهِ الْحَيَاهْ.
3
فِي شَجَرَةِ الْمَاءْ
تُبَحْلِقُ الصَّخْرَةُ
بِعَيْنَيْ ضِفْدَعَهْ،
لِلَّيْلِ تَقُولْ:
سَأَقْطِفُ فَاكِهَتَهَا
عَارِيَةً مِنْ وَرَقِ الذُّكُورَهْ،
إِخْلَعْ عَنْكَ وَجْهَكَ
وَاتْبَعْنِي
تَجِدْكَ خَارِجَ ذَاتِكْ.
4
الْفَراغُ سُبْحَةُ الْمُسِنِّينْ
كُلَّمَا حَبَّةٌ مِنْهَا
فِي الْأَسْفَلِ سَبَحَتْ
فَتَحَ ذِرَاعَيْهِ الْغِيَابْ.
5
بَيْنَ أُصْبُعَيَّ
حَبَّةُ طِينْ،
لِصَبَاحٍ
مَلْفُوفٍ فِي الزَّقْزَقَاتْ
تَحْكِي
قِصَّةَ جَدِّي
مَعَ شُقُوقِ الْمَوْتْ،
تِلْكَ الَّتِي فَاجَأَتْهُ
مُعُانِقاً طِفْلَةَ الْأَزَلْ
بِذِرَاعَيْ صُوفِيٍّ
مَخْمُورٍ
بِانْخِطَافَاتِهْ.
6
مَشْيُكِ إِلَيْكْ
جِدَارُ ظِلٍّ،
وَمَشْيِي إِلَيْكْ
جِدَارُ طَلٍّ.
فَمَتَى الْجِدَارَانِ يَلْتَقِيَانِ
فِي بَرْزَخِ الرُّؤْيَا؟
يَنْفَتِلاَنِ مِنْ ثِيَابِ الْحَالْ
فِي رَقْصَةِ الْمُحَالْ؟.
كُلَّمَا بِالنُّقْطَةِ طُفْنَا
غَابَتِ الْمَعَانِي
وَكُلَّمَا بِنَا طَافَتْ
عَصَرْنَا خَمْرَ التَّدَانِي.
7
رُوَيْدًا..رُوَيْدًا
أُزَحْزِحُ عَنِّي
ظِلاَلَ الْكَوَائِنِ
حَتَّى بِقَلْبِي
أَرَى
خَرِيرَ السَّلَامِ
يَخِيطُ
جِرَاحَ التُّرَابِ
بِخَيْطِ قَصِيدَهْ.
8
الْبَيْدَاءُ جَسَدٌ
فِيهِ الشَّمْسُ
تَقْرَاُ ضَوْءَ الْمَاءْ،
كُلَّمَا اللَّيْلُ
صَبَّ عَلَيْهِ حِكْمَتَهْ.
9
غَجَرِيَّةٌ كَوْنِيَّةٌ
تَرُشُّ الزَّمَانَ
بِرَنِينِ خَلْخَالِهَا
تِلْكَ هِيَ الْقَصِيدَهْ،
مِنْ مَسَامِّ اللُّغَةِ
تَخْرُجُ
مُرْتَدِيَةً صَفَاءَ الْآتِي؛
زِينَتُهَا الدَّهشَهْ
كُلَ يَوْمٍ هِيَ في شَكْلٍ
لاَ مَوَاقِيتَ لَهَا
فِي الأْبَدِ تَرْحَلُ
مُخَلِّفَةً السَّاكِنِينَ فِي غُرْفِ الْمَاضِي
عَلَى إِبْرَةِ الْعَدَمْ.
10
عُصْفُورٌ أَزْرَقُ
عَلَى غُصْنِ مَاءْ
لَوَّحَ بِجَنَاحَيْهِ لِوَرْدَةٍ،
مِنْ ثَدْيِ الْفَجْرِ
تَرْضَعُ
عِطْرَ الْأَسْرَارْ،
فِي النُّورِ كَانَ قَلْبِي
وَفِي الْعَتْمَةِ جَسَدِي
حِينَ بِي عَرَجَا
إِلَى نُقْطَةِ الْفَيْضِ الْأُولَى.
هَلِ الْعُصْفُورُ مَعْنىً
وَالْوَرْدَةُ حَرْفٌ
يُوقِظَانِ الرُّوحَ مِنْ فَوْضَاهَا؟.
11
(لَوْ لَبِسْتَ خُضْرَةَ دَاخِلِكْ
لَرَأَيْتَ الْكَوْنَ
يَشْهَقُ نُورًا مِنْ حَوْلِكْ)
قَالَتْ حَبَّاتُ النَّدَى
لِحَطَّابٍ
بِمِنْشَارِ ظَلاَمِهِ
يَنْحَرُ الْأَشْجَارْ.
12
أَبِي
شَجَرَةُ ثَلْجٍ
لِلْعَصَافِيرِ تَبْتَسِمُ خُضْرَتُها،
عِنْدَ كُلِّ غُرُوبٍ
تَزُقٌّهُمْ بِفَاكِهَةِ الْحِكَايَاتْ،
وَبِدِثَارِ الْمَحَبَّةِ تَلُفُّهُمْ
حِينَمَا مَلاَئِكَةً يَصْعَدُونْ
فِي بِسَاطِ الطُّمَأْنِينَهْ.
هَكَذَا كُلَّ لَيْلَةٍ أَرَاهْ
فَأَنْذَبِحُ شَوْقاً
إِلَى ثَلْجٍ كَانَ يُدْفِئُنِي.
13
غَفَتْ قبْرَةٌ
تَحْتَ شَجَرة دِفْلَى
عِنْدَمَا الشَّمْسُ كَشَفَتْ سُرَّتَهَا،
قَالَتْ لَهَا الْحِرْبَاءُ:
أَيَّتُهَا الْبَلْهَاءْ
لَوِ ادَّهَنْتِ بِلُعَابِي
لَكُنْتِ مِثْلِي
تَتَشَكَّلِينَ فِي الْوُجُودْ
سَعِيدَةً بِتَحَوُّلاَتِكْ.
تَمَطَّتِ الْقُبَّرَةُ قَائِلَةً:
كُلُّ مُتَحَوِّلٍ خَؤُونْ
فِي التَّخَفِّي يُمْعِنْ
وَفِي اللَّعْنَةِ يَسْكُنْ،
فَاغْرُبِي عَنِّي
لاَ أُحِبُّ الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِ ذَاتِي.
14
أَقْعَى نَابِحٌ
عَلَى تُرَابِ الْمَهَانَةِ
مُسَبِّحاً بِاسْمِ سَيِّدِهْ
مُتَلَمِّظاً أَحْلاَمَهْ،
فِي عَيْنَيهِ كَانَتِ النُّجُومُ أَرَانِبَ
وَالْقَمَرُ رَغِيفاً مُشِعًّا بِالزُّبْدَهْ،
لَمْ يَكُنِ النَّوْمُ مِهْنَتَهْ
لَكِنِ الْحُلْمُ حَرَثَ مُقْلَتَيْهْ
فَأَوْرَقَتْ مَهَانَتُهُ
فِي جِهَاتِ الْوَقْتِ نَارَا.
15
ألْغُبَارُ
مَلاَبِسُ عَصْفٍ
مِنَ الْغَيْبِ فَرَّتْ
لِيَلْبَسَهَا
جَسَدٌ
أَكَلَ الْيُتْمُ شَمْسَ اسْمِهْ.
16
وَرَقَاتٌ
تَلُوبُ
عَلَى كَفِّ لَيْلٍ
بِصَمْتٍ
إِنَاثٌ
قَدِ ازْوَرَّ عَنْهُنَ ضَوْءُ النَّدَى.
17
قَرْيَةٌ مِنْ أَغَانٍ
تَمُدُّ زَرَابِيَ لِلْخَلْقِ
مَنْسُوجَةً
بِأَصَابِعِ رُوحٍ
وَعَيْنَيْ نَبِي،
هِيَ أُمِّي الَّتِي
طَيْفُهَا ضَخَّ فِي بَدَنِي
مُدُناً لَمْ تَجِئْ
وَقُرًى لَمْ يَخِطْهَا الشَّجَا،
هِيَ أُمِّي الَّتِي نَهْرُهَا
يُوقِظُ الْعُشْبَ مِنْ مَوْتِهَ