كيف يمكن قراءة عودة سوريا إلى “جامعة العرب” بعد عزلها لسنوات؟


جرت أعمال القمة العربية الـ32، أمس الجمعة في مدينة جدة، بالسعودية، وسط أجواء من التفاؤل بشأن إعادة التقارب بين دول المنطقة وضرورة الاتفاق على مقاربات شاملة لمجموعة من الأزمات، شكلت على مدار السنوات الماضية بؤرا ساخنة في العالم العربي.

لكن إضافة إلى أجواء التفاؤل العربي بانعقاد القمة، التي حضرها معظم الزعماء العرب، طغى على الملفات الحساسة المتوقع أن تعالجها القمة موضوع إعادة سوريا إلى المنظمة، ومشاركة رئيسها بشار الأسد في أعمالها.

وهذا الموضوع لطالما شكل عنصر تجاذبات واضطرابات بين الدول العربية ككل، لكنه دخل في إطار الأجواء التوافقية التي سعت المملكة العربية السعودية قبيل انعقاد القمة إلى إشاعتها، مصحوبة بخطاب يتبنى نهج تفكيك الأزمات العربية لمواجهة التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة.

وهذه هي المرة الأولى منذ 2010 التي تشارك فيها سوريا في قمة عربية، بعد تعليق عضويتها في الجامعة وسحب الدول العربية لسفرائها من دمشق وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية عليها، وذلك على خلفية قمع النظام للاحتجاجات والمظاهرات التي عمّت البلاد في 2011.

واعتبر متابعون للقمة أن هدفها إعادة دمج النظام السوري في مؤسسات الجامعة، وبداية تقارب وانفتاح عربي على دمشق، بانت بوادره في القمة السابقة (2022) التي استضافتها الجزائر.

لكن هذه الرغبة ليست وليدة هذه القمة أو ما سبقها من أحداث، بل بانت بوادرها منذ 2018 حين قررت الإمارات العربية المتحدة إعادة فتح سفارتها في دمشق، لتحذو حذوها السعودية مطلع ماي الماضي.

وحسب الباحث والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط ديفيد ريغولي روز، “إذا كان هناك تطبيع رسمي (للعلاقات الدبلوماسية) في 19 أماي، فسيكون ذلك تتويجا لقرار المملكة العربية السعودية، اللاعب الأبرز في مجلس التعاون الخليجي”.

“ضرورة عربية”

بدوره، اعتبر الصحافي السعودي سليمان العقيلي أنه في قمة جدة “ما من شك بأن عودة سوريا سيكون لها أثر أمني وسياسي على النظام العربي ككل، وربما تؤسس لنظام عربي جديد قائم على التعاون الإقليمي الأوسع. لكن هذا سيحتاج من سوريا أن تبدي تعاونا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشأن المصالحة الداخلية والإفراج عن المعتقلين وإعادة اللاجئين… وسيتمحور الدور العربي في هذا الإطار حول مساعدة سوريا على القيام بتلك الخطوات”.

بالنسبة لمدير المركز العربي للبحوث والدراسات في القاهرة هاني سليمان، “إعادة سوريا إلى الجامعة العربية ضرورة عربية، وهي مؤشر ونتيجة في وقت واحد خاصة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التحولات الإقليمية المتسارعة وتنامي النفوذ الروسي والصيني والإيراني وسعيه لحل المشاكل العالقة في المنطقة”.

وأشار سليمان إلى ضرورة “قراءة عودة سوريا في إطار التطورات الشاملة في المشهدين العربي والإقليمي، والتي كانت من أهم تبعاتها التقارب السعودي – الإيراني واستئناف العلاقات في ما بينهما بعد سنوات من القطيعة، وذلك بظل رعاية صينية. إضافة لذلك تنامي المؤشرات الدالة على سعي الدول العربية لاستعادة دورها في سوريا والعمل على إيجاد حلول عربية للأزمات العربية”.

التزامات الأسد

في المقابل، يرى الكاتب السياسي والأستاذ الجامعي في لبنان علي مراد أن “عودة سوريا إلى الجامعة العربية تتويج لمسار طويل ليس منفصلا عن مسار إدارة الأزمة في سوريا، قد يعود إلى أحداث الغوطة وقرار الرئيس الأمريكي حينها باراك أوباما بعدم التدخل، ما أتاح مجالا أكبر لروسيا في ذلك الحين للمناورة في سوريا”.

ويضيف: “هذا ما رأيناه من خلال الزيارات العربية المتكررة لسوريا على مدى السنوات القليلة الماضية، وصولا إلى الزلزال المدمر الذي فتح قنوات اتصال مباشرة بين الأسد وزعماء عرب”.

واعتبر مراد أنه “إذا ما أردنا أن ننظر لموضوع مشاركة الأسد في القمة من باب سياسي، فعلينا أن نسأل ما هي الالتزامات التي تعهد الأسد بتنفيذها مقابل هذه الخطوة؟ وهل هو مستعد لتنفيذ أي منها؟ تقديري أنه لن يلتزم بشيء، قد يقوم بإطلاق سراح بعض الأسرى وربما المناورة بموضوع اللاجئين، لكنه لن يقدم على أي خطوة جدية”.

في هذا الإطار، اعتبر هاني سليمان أنه “هناك عدد من الدول العربية المتحفظة على عودة سوريا. لذا من أجل أن تبلور المرحلة القادمة واكتمال عودة سوريا، يجب اعتماد مقاربات جادة لمعالجة الملفات التي خلفتها الأزمة ومنها النفوذ الإيراني ومصير الميليشيات وتواجد القوات الأجنبية سواء الروسية أو الأمريكية أو التركية أو غيرها، علاوة على قضايا مثل مشكلات اللاجئين والتغيير الديموغرافي وقضايا الإرهاب، مع عدم إغفال الدفع باتجاه العملية السياسية والتوافق بين الحكومة والمعارضة، ما يعني المضي في بناء استراتيجية عربية متكاملة لإخراج سوريا من محنتها”.

تجارة “الكبتاغون”

وكان عدد من المراقبين قد اعتبروا أن سعي الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع الأسد ناجم عن رغبتها بإبعاد سوريا عن الأثر الإيراني، وكبح تجارة حبوب “الكبتاغون” المخدرة.

- إشهار -

كارولين روز، من معهد “نيو لاينز” للأبحاث في واشنطن، أبدت مفاجأتها بمدى الأهمية التي توليها الدول العربية لمكافحة تجارة الكبتاغون من سوريا، “كنت أتوقع أن تكون إيران على رأس جدول الأعمال إلى جانب إعادة اللاجئين والعملية السياسية – لكنني فوجئت بمدى أهمية الدور الذي يلعبه الكابتاغون في خضم المفاوضات مع النظام السوري”.

وأضافت “يُنظر إلى (كبح) الكبتاغون إلى حد ما على أنه فوز سهل للعديد من الدول التي تضغط من أجل التطبيع … [إنهم] يعتقدون أنه مع وجود حوافز كافية يمكنهم إقناع النظام السوري بالتخلي عن تلك التجارة”.

وقالت “يعتبر الكبتاغون مصدر إيرادات ضخمة، ولن يكون هناك سبب يمنعهم من الاستمرار في إنتاجه”.

وعقب اجتماع عمان مطلع الشهر الجاري، والذي ضم وزراء خارجية مصر والعراق والسعودية والأردن، تعهدت دمشق بـ”اتخاذ الخطوات اللازمة لوقف التهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق”.

بعد ذلك بأسبوع، قُتل مرعي الرمثان، الملقب بـ”ملك الكابتاغون السوري”، مع عائلته بأكملها في جنوب سوريا خلال غارة جوية يعتقد أن الأردن نفذها.

وأشار ديفيد ريغولي روز إلى أن ذلك قد يقع “في خانة محاولة نظام دمشق اتخاذ إجراءات معينة لطمأنة جيرانه العرب”.

نظام جديد

لكن بالإضافة إلى تجارة المخدرات والتهريب عبر الحدود، يُنظر إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية على أنها فرصة للدول العربية “للعب دور فاعل في الأزمة السورية عبر انتهاج استراتيجية واضحة وبناءة في الإطار العربي لما بعد مشاركة سوريا” في قمة جدة، حسب سليمان، الذي اعتبر أن مثل هذا التحرك “سيعود بالضرورة على استعادة الدول العربية لمكانتها الإقليمية التي تراجعت بشدة خلال العقد الماضي لصالح مشاريع إقليمية لدول أخرى مثل تركيا وإيران”.

يتشارك في هذه النظرة سليمان العقيلي، الذي رأى أنه “في الأفق ملامح نظام عربي جديد يقوم على تبادل المصالح والتعاون الأمني والسياسي لصالح إعادة تشكيل المنطقة، لتكون متراصة ومتعاونة على أبواب نظام دولي جديد يرى في منطقتنا محورا مهما في الاقتصاد الدولي والتجارة العالمية”.

وأضاف: “المملكة (العربية السعودية) تقود عملية ترميم الوضع العربي منذ ما قبل القمة، فلها مساعٍ في اليمن لإيقاف الحرب ومساعٍ مشابهة في السودان، ولن تبخل بأي جهد لتثبيت دعائم استقرار الأوضاع العربية، خاصة في منطقة الهلال الخصيب المأزومة، أي العراق وسوريا ولبنان. ومن المتوقع ان تنشط الدبلوماسية السعودية ارتكازا لرئاستها للقمة ولخبرتها ومكانتها ودورها السياسي الفعال عربيا وإقليميا”.

الأسد والتنازلات

يرى علي مراد أن “عودة الأسد للجامعة العربية نصر له، خاصة وأنه لم يقدم أي تنازلات تذكر. قد ينظر إليه اليوم على أنه الرابح في الحرب السورية، لكنه لم ولن يتمكن من تحقيق السلام أو قيادة مرحلة ما بعد الحرب. أعتقد أن مشاركته في القمة لن تسهل الحل في سوريا”.

ويرى الكاتب السياسي أن “السعودية اليوم تتجه إلى اعتماد سياسة صفر مشاكل في المنطقة العربية، مدفوعة بالاتفاق مع إيران، الذي جاء برعاية صينية، لكن هذا قد لا يعجب الأمريكيين لتعارضه مع أجنداتهم الخاصة”.

حول ذلك، يقول هاني سليمان إن “الولايات المتحدة لم تستوعب التقارب السعودي الإيراني، خاصة وأنه جاء بوساطة صينية. أعتقد أن السعودية كانت تدرك ردود الفعل التي ستتأتى عن موضوع إعادة سوريا للجامعة العربية، لكنه وفقا لحجمها ودورها في الإقليم، ارتأت أن تنوع مصادر الدعم والعلاقات بهدف إنهاء الملفات الشائكة، وعلى رأسها الحرب السورية”.

واعتبر سليمان أنه “لو ارتأى النظام السوري أنه قد انتصر بهذه الطريقة فهو واهم، إذ ما زال أمامه طريق طويل لتكريس عملية عودته للجامعة واكتساب ثقة الدول العربية”.

وكالات

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد