قاتل أطفال يعود للقرية ويخبرنا: كنت إسكافيا في قريتكم
شخصيا لم أعش من السنة المودعة عيشا طبيعيا، سوى ثلاثة أشهر ونصف الأولى. وما بقي من شهور كان مجرد استهلاك لهواء أصبح غير صالح ولا آمن للاستهلاك وماء وطعام أفقدتهما المطهرات والحذر الزائد الكثير من طعمهما.
في البداية تكالب الفيروس وكآبة مشهد أفسده الجهلة بإجراءات حجر شبيه بسجون الأزمنة البئيسة.
ثم تكالب الموت وأنا ما أزال محبوسا وسط سجون شيدها من هب ودب، ولم يكن جديرا بأن يهب ويدب. فكان موتا لا يشبه الموت. كان أقسى من الموت.
موت بلا قرآن. بلا جنازة. بلا أهل ولا أصدقاء يعانقون حزنك. بلا إمكانية الخروج لزيارة قبر تسقيه بدموعك، وتسأل النائم فيه: هل أحضر لك شيئا ما في زيارتي القادمة؟
وفي النهاية نزف الدم غزيرا من كرامة لم تعد كرامة. وما زلت لا أعرف كيف سيكون الحال عندما يرتمي على صدري قاتل أطفال، ومحتل بيوت… أو ابنه أو حفيده، ويقبلني قائلا:
كنت إسكافيا في قريتكم عندما رتقت نعلا باليا كنت تنتعله وأنت صغير.
وها أنذا أعود إلى قريتكم وأجد بيتي مصونا. وأجدك تنتعل نعلا أتفه من نعلك القديم. هل تذهب معي إلى بلدي لأعلمك كيف تبدل هذا النعل بحذاء لائق؟
لن أعرف كيف أرد.
ربما أمتطي معه نفس الطائرة وأزور مذابح ودموعا ومفاتيح بيوت قديمة ودبكة حزينة وشعرا نسيه الشعراء فوق أغصان زيتونة اقتلعت من جذورها. ثم أتمنى للإسكافي القديم الذي صار وزيرا سنة سعيدة. ولجثث الأطفال ودموع الأمهات سنة سعيدة.
وأعود إلى القرية بحذاء جديد.