بلاغ الديوان الملكي وسلطة الوزير بوريطة


لماذا اعتبر بلاغ الديوان الملكي أن مجال السياسة الخارجية مجالا خاصا بالملك طبقا للدستور؟

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    أولا: الجهة التي صاغت البلاغ ركزت في الغالب على الصلاحيات العامة التي يؤطرها الفصل 42 من الدستور مع العلم أن هذا الفصل الذي يحاكي الفصل 19 من دستور 1996 يؤكد على أن الملك يمارس صلاحياته الدستورية بموجب ظهائر ملكية.

    ثانيا: الجهة التي صاغت البلاغ غالبا ما استحضرت قواعد القانون الدولي المتعلقة بالعمل الدبلوماسي لأن ترتيب الفاعلين في مجال السياسة الخارجية يكون على الشكل الثالي : رؤساء الدول، ورؤساء الحكومات، ووزراء الخارجية، والسفراء.

    الملك يمارس اختصاصاته بموجب ظهائر ملكية، وعندما يعين أعضاء الحكومة، فالتعيين يكون بموجب ظهائر. أما الوزراء الذين يعينهم الملك بظهائر ملكية، فإن اختصاصاتهم تحدد لهم بموجب مراسيم.

    وزير الخارجية، هو عضو من أعضاء الحكومة، يعين ويعفى بنفس الطريقة التي يعين ويعفى بها باقي الوزراء، ويشتغل على غرار باقي زملائه الوزراء تحت سلطة رئيس الحكومة، الذي يعينه الملك طبقا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور. كما أنه يساهم من موقعه الحكومي كوزير للخارجية، في وضع وتنفيذ السياسة الحكومية في مجال السياسة الخارجية، وعلاقته بالديوان الملكي، لا تختلف عن علاقة باقي زملائه الوزراء في الحكومة، بغض النظر عن الوصف الذي يعطى لبعض القطاعات الحكومية، من كونها قطاعات سيادية، وأن من يتولاها هم وزراء للسيادة.

    يبقى الدستور في المغرب، هو القانون الأساسي للمملكة، وهو الوثيقة التي تحدد اختصاصات ومجال تدخل كل سلطة بشكل صريح، وتوجد داخل الدستور نصوص لها حمولة فضفاضة، يصفها بعض الباحثين في علم السياسة والقانون الدستوري، بالدستور الضمني، أو بالنصوص التي تشكل حالة المجاز الدستوري، بتعبير الأستاذ محمد الساسي.

    هناك النص الدستوري، وهناك الممارسة الدستورية، وهناك حالة المجاز الدستوري، وعندما يلجأ الباحثون والكتاب إلى استعمال جملة “المجال المحفوظ” في مقالاتهم ومؤلفاتهم، فغالبا ما يتم ذلك من باب توصيف الواقع السائد، وفكرة المجال المحفوظ، هي فكرة دخيلة على قاموسنا الدستوري، ويرتبط مجال تداولها، بحقل العلاقات الدولية، وبالممارسات الدبلوماسية التي كانت سائدة في أوروبا.

    وبالعودة إلى بلاغ الديوان الملكي، الذي أثار الكثير من الجدل حول دواعيه وخلفياته، يمكن القول بأن الأمر عادي، وبأن التطور الديمقراطي في أي بلد، غالبا ما يكون مسبوقا بمخاضات سياسية، تنتج في غالبا الأحيان، آثار إيجابية في الحياة السياسية الوطنية.

    - إشهار -

    تدافع الديوان الملكي مع الفاعل الحزبي عبر آلية البلاغات، مؤشر على أن الوضع السياسي في البلاد صحي، بخلاف التقديرات المتشائمة، التي صدرت عن بعض المتتبعين في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد سبق للديوان الملكي في مناسبات أخرى، تنبيه وزارة الخارجية المغربية، والتأكيد على أن وزير الخارجية، يشتغل تحت سلطة الحكومة المعينة من قبل الملك، مثله مثل باقي زملائه الوزراء.

    ومن هذا المنطلق، فإن التنبيهات التي تصدر عن الديوان الملكي، في قضايا استراتيجية وحيوية ترتبط بعلاقات الدولة مع محيطها الدولي، تبقى مسألة عادية ومطلوبة منهجيا لتفادي أي انزلاقات ممكنة.

    كما أن صلاحيات رئيس الدولة في مجال السياسة الخار جية، تبقى ثابثة، وقواعد القانون الدولي واضحة في هذا الشأن، دون الحديث عن الصلاحيات الواسعة الممنوحة له في الفصل 42 من الدستور، الذي يعتبر الملك رئيسا للدولة وممثلها الأسمى، وفي نفس الوقت يجعل منه ضامنا للحقوق والحريات، ومؤتمنا على الخيار الديمقراطي للمملكة، الذي يسمح للأحزاب بحرية الفعل السياسي، ويتيح لها هامش كبير للرأي والتعبير.

    بلاغات الديوان الملكي، لا ينبغي التعامل معها كأداة لتقزيم الاحزاب السياسية، وقمع حريتها في الفعل السياسي، ولا كوسيلة للرفع من شأن ما يسمى بوزراء السيادة كما أعتقد البعض، بل هي بلاغات تنبيهية، تستدعيها مصالح البلد العليا التي ترعاها المؤسسة الملكية أكثر من باقي الفاعلين في الدولة، بحكم الصلاحيات الواسعة للملك، والادراك الدقيق للملفات والقضايا الدولية الكبرى والمعقدة من طرف محيطه الخاص.

    خالد أوباعمر

    إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.
    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد